الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 2nd August,2004 العدد : 70

الأثنين 16 ,جمادى الثانية 1425

(المحاكمة) الشبح الذي لم يمت بعد.!!

* الثقافية سعيد الدحية الزهراني:
يجثم شبح رهيب أمام قلم المبدع وفكره ورؤاه، اسمه (المحاكمة) هذا الشبح وأد الكثير من الأقلام الجميلة والأفكار المستنيرة المنيرة، وفي الثمانينيات تحديداً استشرى ضرر هذا الشبح وعدوانه وتوسع انتشاره مستخدماً العديد من الوسائل والتقنيات.
والغريب ان هذا الشبح يرى منطقية ما يمارسه من ظلم وتعسف وقمع، بل والأغرب في ذلك أنه يرى أحقيته المطلقة في الوصاية على ما ينافح عنه.
حول هذا الشبح (المحاكمة) يتداخل معنا كل من الأستاذ محمد العثيم والدكتور علي الرباعي، حيث يرى الأستاذ العثيم ان المبدع هو الأساس في الاشكالية المطروحة فيقول:
أولاً: ننطلق من المبدع نفسه وهل هذا المبدع لديه قناعة بفكر وعطاء أم انه متردد أصلاً؟ فمن لديه قناعة في الغالب آخذ في الاعتبار كل ردود الفعل المتوقعة، ولا شك انه وضع الاعتبارات للرد عليها.
الجانب الثاني: ان يكون المبدع أصلاً حالة تجريبية في فنه وفي مناطق الابتكار فهو في الغالب ينتظر ردة فعل الآخرين تجاه أفكاره ورؤاه.
الأمران يحدثان في البدايات الأولى للمبدع أو اصطدامه بالوسط الثقافي السائد مما يجعله عرضة لتغيير أفكاره أو الإصرار عليها،فينبذ أحياناً من أوساط ثقافية واجتماعية، أما إذا اكتملت تجربته واتقن أدواته وتحددت رؤاه فأعتقد انه أقل عرضة لمؤثرات الوسط الذي يعيش به لكن رؤاه تكون قد اكتملت واختط لنفسه مساراً ووجوداً إنسانياً محدداً ينبع من شعوره بحريته الشخصية لطرح أفكاره والدفاع عنها وهذا يحدث في الجانبين، الأول: الجانب الكلاسيكي فالمبدع الكلاسيكي قد يدافع عن نمطيته بصفتها هي المجرب والمعروف والمبدع المتجاوز الذي يبحث عن الجديد هو أيضاً يدافع عن رؤاه بنفس القوة.
في حال اصطدام المنتج الإبداعي بالوسط السائد او حصول ردة فعل غير موافقة من قبل هذا الوسط ففي الغالب هي لا تكون صحيحة لان كثيراً ممن غيروا التاريخ كانوا يلاقون ردة فعل رافضة لأعمالهم وما ان تتضح الرؤية حولها في جيل آخر حتى تجدهم يصبحون رموزاً.
هذا يعطينا إيحاءً بألا ننفعل بعفوية ضد الإبداع الجديد وان نتركه لزمنه ليختمر فإن كان صالحاً فسيبقيه الزمن وان كان غير ذلك فسينساه الناس.
والذي أحب ان اقوله اننا في السنوات الماضية ومنذ الهجمة على الحداثة اصحبنا نرفض مبدعينا بسبب عبارات مقطوعة من سياقاتها او بسبب رؤى بين متحاورين، كما يحدث مثلاً في عمل حواري عندما يكون احد المحاورين على جانب الشر والآخر على جانب الخير فيصطدمان في مقولات متلابسة ومتضادة في هذه الحالة اسأل: لو اخذنا عبارة الشر مقطوعة من سياقها او عبارة الخير مقطوعة من سياقها فمن هو الكاتب لهاتين العبارتين؟ هل ندين المؤلف، وهذا يندرج على تهويمات الشعر وألوان اللوحة الفنية وما إليه من إبداع.
وفي حال الابداع الايديولوجي السائد وعندما يضيف الايديولوجي الى مرحلة التعصب فإن كل الأشياء تكون غير مقبولة ما لم تتناغم مع الفكر السائد، ولذلك علينا ان نكون واسعي الصدر فيما يتعلق بقبول الإبداع لان الإبداع ما هو إلا رافد من روافد الثقافة، لن يلونها إلا اذا كان قوي الاثر وله قيمته في تغيير السائد والمؤلف.
القادرون على استفزاز المشاعر :
أما الدكتور الرباعي فقد بدأ حديثه بقصة صانع المسدس حيث قال: اشتهرت بالتناول وذاعت بالترديد قصة ذلك المبدع الذي صنع مسدساً كسابقة أولى في مجتمعه وأعلن على الملأ ما توصل اليه فبلغ الأمر حاكم المدينة، الذي استدعاه فوراً فتوقع الرجل تكريماً يليق بالحدث أو مكافأة توازي الإبداع إلا ان المفاجأة التي عقدت لسانه والتكريم الذي حطم كل أمانيه هي: ان يقرر الحاكم قطع يده!! وربما تشكل هذا المشهد في ذاكرة المثقف فغدا معوقاً من معوقات النتاج الأدبي إذ أصبح (يزاحم) كل فكرة مبدعة (صورة كف مقطوعة)!! هذا التوحش الموّلد في دواخلنا ليس مرده اليوم الى (الحاكم) بقدر ما مرده الى شعوب مجيشة ومهيأة مسبقاً للانفجار العبثي ضد صور الابداع الثقافي بكل أنواعه إلا اذا كان في سياق يرضى عنه القادرون على استفزاز المشاعر من خلال اقحام الدين والعقيدة مع كل مفردة ترد في معرض محاكمة المثقف!! من هنا فقد تأطرت تجارب المبدعين بالهواجس وتغلغت بالخوف وربما احجم العديد من المبرزين في بلادنا عن نشر نتاجهم خشية التفسيرات الخاطئة والاسقاطات المغلوطة والتصنيفات الملغومة حتى تساءل أحد المعارف:
هل تقلصت مساحة الحرية في زمن كهذا أم استحكم ضيق الأفق عند المتربصين؟ فأجبته: ان الأمر ليس بهذه الدرجة من السوء!! فقال: بلى، لقد كفروا طه حسين وقتلوا فرج فوده وطعنوا نجيب محفوظ وقاضوا نصر ابوزيد وعلمنوا ابراهيم شحبي فماذا تنتظر؟ قلت: هذه حالات وليست ظواهر ومهما بلغت درجتها فلن ترقى الى تحجيم موهبة ولا إلجام مقدرة ولا كتم أنفاس صوت متميز ولعل مشكلتنا كما ارى في فقدان (المجتمع الأدبي) للنقاد الحياديين، وهم المتخصصون الذين لا يجرمنهم شنآن قوم على عدم العدل وإذا كان البعض يريد التأصيل لمحاكمة الأدب تأصيلاً شرعياً فالرد الأيسر عليه هو ما وقع للشاعر المخضرم كعب بن زهير الذي اهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فما كان منه إلا ان تسلل الى المسجد وهو ما زال على الكفر وسمح لنفسه ان ينشد شعراً في بيت الله وأمام رسوله صلى الله عليه وسلم وافتتح القصيدة بحبيبته سعاد متغزلاً بها وذاكراً لمحاسنها وواصفاً لمزاياها ثم يقدم الاعتذار في غير ما رهبه ليفاجأ بالحبيب عليه السلام يخلع عليه البردة دون عتب ولا محاكمة ولا تعليق على القصيدة ولا قطع يد هذه القصة الصحيحة والمشهورة قد تجد اليوم من أصحاب المآرب من يضعف حديثها او ينكره كلية او لربما حكم عليه بالخصوصية فلا يقيس عليه وهذه كلها (غرضانية مكشوفة) لتوسيغ (محاكمة المبدع) إلا اذا تقمص الوجه الذي يريدون وعندما سألت أستاذنا علي العمير عن قضية كهذه أجاب:
الأدب لا يحاكم وحينما ذكرت له بعض التصنيفات عند المتأزمين قال: الحمد لله الذي لم يجعل محاكمتنا في الآخرة على أيديهم!
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved