الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

إنه الحب.. عثمان بن سيار
سعد البواردي*

إنه الحب الذي له أيضاً أنَّة.. ورجفة.. وابتسامة ودموع.. الحب مشاعر يسرح بها الحظ والنصيب يأخذها المقدور لها أن تغني لحن السعادة، أو أن ترجع لحن الوجع حين لا يكون للسعادة منفذ إليها..
شاعرنا في ديوانه لم يحدد من خلال عنوانه مسار الحب.. إلا أنه دون شك سيرسم لنا خطاً بيانياً فيه الصعود وفيه الهبوط، فيه التداخل وفيه التقاطع.. وفيه المقاطع التي لا تداخل فيها ولا اشتباكاً.. لنبدأ على بركة الله..
(هو والحب) به نستفتح تأملاتنا الاجتهادية معه:
كان طفلا.. وكانت الأيام
في محياه فرحة لا تنام
واستوى كالغصون ينمو وينمو
مشرئبا.. وحوله الأنسام
ليس يدري إن كان في الغد حزن
سيلاقيه، أم رضى، وسلام!
شب في صدر طفلنا حريق أمانيه هو ابن الأعوام الثمانية.. نظم الشعر الطفولي.. ومضى في حياته المتدرجة صبياً صبّاً فتنه وجه محبوبته.
ومضى في الحياة صباً معنى
فتنته وجوهها فتغنى
المرأة يا عزيزي لها وجه واحد لا مزيد عليه.. وددت لو أنك قلت (فتنته بوجهها وتغنى)، صبينا رغم حلمه الجميل ألمت به حروف لياليه.. شقة العلقم.. أفاق على كآبة الدنيا.. استشعر في داخله أن حلمه يتباعد.. تمنى لو كان غبياً فاقد الإحساس بخيبة حبه.
ليته عاش في الحياة صبيا
لم يعاشر ليلى بها أو ثريا
ليته في طفولة العمر أضحى
في هوى الفانيات نحراً خليا
إلى درجة أنه تمنى الموت خياراً بعد اختبار لحياة لا شبل ظمأه، ولا تشبع عواء جوعه.. الصدمة الكبيرة ِّتحطم أحياناً.. وتُعلِّم أخرى.
قصائد شاعرنا السيار مكثفة.. أمامي خيار لا مندوحة عنه أنه اختار أجملها وكلها جميلة، فالمساحة مرهونة لا تقبل المدُّ..
أتجاوز محطات (نداء) و(يا ربة الحسن) و(ذكرياته) وأتوقف بكم ومعكم أمام (لا تسألي)..
من أين قل لي يا سليل العرب
أقطارهم شتى، فقل؟ وابتسمتْ
لأي قطر شئتني، إنني
لا فرق عندي بين أم، وأب!
يجيبها عن سؤالها:
أنا من المشرق جئت، ومن
مغربه أنتِ، وهذا سبب
يشد قلبينا إلى عالم ال
حب، وما أعظمه من نسب
على هذا النسق الحواري الجميل يأخذنا المشهد هو يعرفها بنفسه وهي تعرفه بنفسها.. ماذا بعد؟! لا شيء أكثر من لقاء تعارف:
يشدني نحوله يا فتنتي
إخاؤنا، وديننا، والنبي
والحب أغلى ما هتفنا به
رباط قلبينا بلا مأرب
لا تسأليني من أين جئت أنا
سريتُ من كفي إلى منكبي
مسرى حب قريب من بعضه محطتاه كفٌّ ومنكب.. مثلها جاءت مقطوعته (شمسي) و(رسالة) أمر عليهما مرور الكرام.
(نغم العودة) محطة لها ملامح متجددة الموقف:
طاف بي من أمسنا الماضي البعيد
نغم أيقظ آهات الرقوبة
طاف كالبسمة في ثغر الوليد
وانتشى قلبي، وناجاه قصيدي
يا حبيبي أنا من بعدك لا
أعرف الليل سوى جمر الصلى
تسهر الأنجم حولي، والغلا
كلهم نام سعيدا جذلا
وأنا وحدي أناجي الأملا
أمل في عودة لا تعود.. هكذا يختار الشعراء قفلة شعرهم دون ربط.. قصة الأمس تشبه قصة اليوم لوعة، وخطاب، وعتاب وعذاب حتى عند التلاقي سرعان ما يهرب الضيف ولا يبقى إلا بقايا الطيف، هذه المرة يا شاعرنا وحيداً يجتر مذاق اغترابه:
وأخلفت للمرة الأولى
فبتُّ ليل السهد مخبولا
تلوك عيناي كمثل الحصى
جمرا، وفكري ظل مشلولا
كل هذا نعرفه.. إنه ثقافة موقف حزين..
وحدي مع الليل قريح الجفون
مُروَّع النفس كثير الشجون
تضطرم الأشواق في خافقي
ويفرق الفكر ببحر الظنون
يسرح به خياله إلى البعيد.. إلى حيث لا يراها..
حبيبتي يا جرحي الدامي
يا عذب آمالي وأحلامي
هواكِ مهما تخلفي موعدي
باق.. ولو تزداد آلامي
هو اختار أو عليه أن يتحمل.. إلا أنه استعاض عن الشاردة بواردة كادت عيونه لمرآها تثب من محاجرها..
كادت عيوني من أحداقها تثب
لما تبدى لهن المنظر المعجَب
هيفاء، نجلاء في عمر الورود لها
اطلالة فتنته للعقل تستلب
مذ شمتها تتهادى في غلائلها
كادت عيوني من أحداقها تثب
للمرة الثانية يؤكد فتنته بها.. ولكن إلى أين؟
ميلي عليَّ غريبا في ديارك لا
تباعدي فالهوى ما بيننا سبب
فلتأخذيني نديما تسعدين به
وشاعرا طَرِبا انغامه عجب
يبدو أن لا جديد.. بقي له منها شعره.. أما هي فمجرد خيال جميل خاطف رحل..
(ورقان) و(نكأت جراحي) و(قبيل اللقاء) و(يا نائيا) و(صوتها والذكرى) و(الهوى الشاكي) و(نعيم الهوى) كلها محطات حب لا يروى منها شاعرنا لا تضيف جديداً لأكثر من النجوى.. والمنادات.. والتحسر على موعد لا يأتي.. أو موعد يأتي ويفشل.. أحاول أن ألقي من خلال شعره الرائع وقفة لها مذاق الحب الذي يجمع ولا يفرق.. لعل، وعسى أن أجد..
هذه أنة على وتر التوشيح هل تضيف جديداً في الرؤية؟
أوراق السهد بعينيَّ وازهر
وحبيبي ناعس الأجفان سالي
أترى ما زال رغم البعد يذكر
عهدي الماضي.. وأيامي الغوالي
أكتفي بهذا لا لضعف توصيف في جمالها وتوظيف في مفرداتها وإنما لضعف في موقف نهايته حب وبعاد، وعناد.
بيدو ألا مفر ولا منجاة.. ولا مهرب من شراك حبه.. وأشواق قلبه التي تتداعى على صخرة البعاد أو البعد (أين أمسي) واحدة:
ناء في زحمة الظنون يقيني
أنقذيني من حيرتي، وظنوني
إن تناجيتِ بالوصال فجودي
بحديث يعيد بعض يقيني
كنتُ أحظى مع الكرى بطيوف
فيك أسلوبها ولو بعض حين
وأنا اليوم لا طيوفكِ تدنو
من عيوني، ولا الكرى من جفوني
يتساءل شاعرنا.. يسائل خيالها:
أين أمسي، وضحكة الأمس ضاعت
في خضم من الأسى والشجون؟
أين مني رسالة تشرح الشوق
تعيد الهوى لقلب حزين؟
هل تعيد الأيام فرحة عمري
أم ترى تاه في الخضم سفيني؟!
أمامك الأيام.. أسألها.. وما أظنها تجيب، ولا تستجيب.. الهوى القارب من طرف واحد لا يعود.
(وطن الأحباب) هل حدَّده؟ هنا.. أو هناك، أو هنالك، لا أدري، هو الذي سيقول لنا:
أحن إلى مغناكَ طابت مرابعه
وغنت بأكناف الربيع سواجعه
بأفيائك الخضراء يا مغرب العلى
عرفتُ نعيما طابع الحسن طابعه
أعدت إلى قلبي الشباب الذي مضى
وألهمتني في الشعر ما قلَّ صانعه
وفيكَ بظل الدوح أشبعت ناظري
وعاد لقلبي في الرضا منكَ ضائعه
هل ان شاعرنا وهو يتغنى به، وله.. مجرد جمال طبيعة وخصب؟ أم أن إعجابه الأكبر وأراهم بمن يسكب شغاف قلبه فيه.. ربما للحالتين.. وربما للثانية أكثر.. مجنون ليلى شاهد على الموقف بقوله:
أحن إلى الديار ديار ليلى
أُقبِّلُ ذا الجدار، وذا الجدار
وما حبُّ الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
من قراءة لقصيدته أفرد للمغرب الوطن.. ومن فيه دون تحديد..
أيا وطن الأحباب أفديك موطنا
مغاربه محمودة ومطالعه
فمن اطلس عرينه شامخ الذرى
تلامس جوزاء السماء اصابعه
إلى السهل مياس الأفانين مونق
فلله جانيه، ولله زارعه
لو أن شاعرنا مفردة (موثق) ب (مورق) لربما كانت أنسب.. من ربيع المغرب إلى فريق الحب جاءت النقلة سريعة:
هبت الريح، وأوراق الخريف
نشرتها الريح في كل طريق
وأنا بين ربيع.. ومصيف
اسأل الليل متى يأتي الرفيق
الليل لا يعطي جواباً لا يملكه.. ربما القلب وحده هو الذي يملك الخبر اليقين:
وليالي الصيف مرت.. والخريف
مرّ بي يسألني أين الحبيب
فلتدعه أنت يا أغلى أليف
في غد يسأل عني، واجيب
الليالي دون النهار هي الشغل الشاغل لدى الشعراء (يا ليل) يتغنى بها.. وتترنم بها شفاه كثير أرهقها الوجد فلم تجد من يسامرها: شاعرنا السيار له مع الليل شقاء كغيره:
حين سرنا في ظلام الصمت يا ليل الشقاء
كالحيارى فيكَ مثل ذرات هباء
حين ماثلتَ لنا في الأفق نبعا من صفاء
واتيناكَ فكنت الفرية الكبرى، وسوط الكبرياء
ماذا تريد من ليلك وقد أضناك مرقده؟
قدتنا يا ليل للأفق البعيد
نثرتنا كفلك الحمقاء حبات هجيد
ما بكت عيناك من لوعتنا.. ما ترفقت بنا
الليل يا شاعرنا ليس الخصم كي تحاكمه.. الليل ستر.. كما النهار وضوح.. خيبة القلب خارجة عن إرادته.. لومك له ظالم..
أطوف في ديوان شاعرنا السيار.. أسير معه من صفحة إلى صفحة فما القى الى وقفات هيام وغرام مشبوب لا ينتهي (تعالي) (أغالط نفسي)
(لا أريد البين) (يدنوسيرا) (عيناكِ).. ومرغما لا بطلا أتوقف بكم ومعكم مع مفردة (لا!!!) المتعجبة:
تخوفني بأوجاع الزمان
كأني من زمانك غير عان
وشر الداء داء انت فيه
أسير غرامه مهما تعاني
ومثلي كم ألمَّ به شقاء
وكم طاقت به غر الأماني
جُمَلٌ فيها المواساة.. والمؤاسات.. وفيها أيضاً الاعتداد بالنفس إلى درجة الثقة..
أجل إني فؤاد شاعري
وهبت لكل ذي وجد بياني
أشهد أنا على هذا.. أنتَ فارس حب وصب لا يُشق له غبار.. لقد امتدحتنا سويا.. وأشبعتنا سيلا جارفا من شعرك إلى درجة التخمة.. ولا أقولا السأم الذي تجاوزته.. وتجاوزت غيره من قصائد جيدة لا يتسع الوقت للتوقف عندها.
من أجلك فرحت وقد جاء بريدك بالبشرى كما أتمنى:
وجاء البريد بباقة ورد وعطر فريد
وجاءت رسالة.. تخبر عنك وعن حبنا
وجاء البريد.. وفي كفه الحانية
رسالتك الحلوة الغالية..
أعادت لقلبي الضياء والأمل
فيا مرحبا بالرسالة
لعلها البداية السارة لما بعدها:
في (بلاد الغرام) حطت خطاه.. سألته الحناء وهي تبحلق في وجهه:
تسائلني من أين اقبلتَ قل لي
في محياكَ ما يطيل التملي
سمرة شدني إليك سناها
انت من عالم غريب فقل لي
يرد عليها:
أنا يا حلوتي هبطت غريبا
مرجل الشوق بين جنبيَّ يغلي
أنا أقبلت يزرع الحب دربي
من ربا نجد، لم تري قبل مثلي
من بلاد الغرام (قيس وليلى)
في ذراها تجرعا الكأس مثلي
ما قلتني الديار لكن قلبي
دائما يشتهي البلاد ويقلي
أنتِ ليلاي يا سلالة هيلا
نة باريس، ها أنا فأطلي
تركته في الظل دون أن تطل يجتر أنفاس شاعره الحرى:
ويح قلبي، حتى م لم تعرفيني
بين عينيَّ شاهد لا تضلي
إنني شاعر صروف الليالي
طوحت بي في عالم لم يكن لي
شاعرنا سندباد حب.. ذرع العالم.. زرع في كل قطر مر به بذرة شعر وأبقاها كذكرى.. إنه يسترجعها.. ويراجعها كدرس أملاه عليه قلبه وأودعه كراس حبه.. حتى مع العيد لم يمنحه فرحة العيد:
وحدي مع العيد لا حُييتَ يا عيد
في القلب وجدٌ وفي الأجفان تسهيد
يهفو إلى العيد قلب ما أناخ به
همٌّ كهمي، ولا أضناه تنهيد..
ما عاد للعيد سحر كان يخلبني
فينتشي خافق في الصدر عربيد
بعدت عن عالم الأحباب فابتعدت
عني المنى.. وانطوى شدو وتغريد
لا عيد مع الغربة.. وإنما مع القرب.. هذا ما أحسه شاعرنا وقد فاتحته حسناؤه بقولها: (أنت شاعر):
رجَّعت في تدلل: أنتَ شاعر
نغمة أججت لهيب المشاعر
شاعر يا حبيبتي عشق الحسن
بديع الرواء عف المآزر
شاعر والدنا حواليه فجر
باسم كافترار ثغركِ ساحر
شاعر، والزمان داج كئيب
مد لهم كيوم صدك، عاثر
ذاب من لوعة الغرام فما ينطق
الا شجوا من الشعر آسر
ويسترسل في مقطوعته الجميلة:
لا تُراعي.. حبيبتي إن شعري
نغم من رياض حسنكِ عاطر
كل لحن تهفو قلوب العذارى
لترانيمه وينقاد نافر
والجمال الجمال يسعى حفيا..
لترانيم شاعر لم يحاذر
سكب الروح في البيان قصيدا
زاهيا بالرؤى، وبالشوق زاجر
زفه للورود انغام حب
هيَّجت في الصدور شتى الخواطر
لا تُراعي.. حبيبتي إن شعري
من سنا حسنكِ البديع الناضر
فهو إن ما وصلت لحن طروب
في مغاني الجمال جذلان طائر
وإذا ما جفوت أَنة شاكٍ
في ظلال الشجون حيران سادر
طالما ذاب في محياكِ نورا
حالما تنتشي به روح شاعر
آثرت أن يكون الختام مع شاعر الحب والألم أخي عثمان السيار مسكاً رغم شجونه.. أدبيات شعره الأصيل الجميل لم تدع لفرحتي أن تكتمل..
تمنيت ولو مرة واحدة مشهد المأذون يشد على يديهما.. إلا أنه اختار أن يكون طائراً في أفق كل من فيه طيور لا تعرف أعشاشها ولا أوكارها.. لأنها غير مستقرة.. هكذا اختار.. وهكذا معه سوياً احترنا ألا يركن إلى عشه دون وحدة ولا وحشة.


الرياض: ص. ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved