الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

وجوه وزوايا
الحرملك «2-2»
أحمد الدويحي
السفر والغربة مفردات، جاء كثير منها في النصوص القصصية المحلية خلال عقود مضت، وبالذات مرحلة ما يسمى بالتكوين، إذا لم يكن هناك نص قصصي محلي، تخلو منه هذه المفردة بكل حمولاتها الدلالية، وهي في النهاية دلالة استلاب وفقد، مما يعني أن كثيراً من تلك الكتابات، قد غادرت عالمها وطقوسها البكر، وهي إذا تفقد مقوماتها وخصوصية ذاتية، لمدعوة بارادتها أو بغير ذلك للانجذاب والتعايش في مجتمعات جديدة، مما يعني فقد الصفاء المتخلق في ذات الفنان، ولذا صبغت القصة المحلية بهذا اللون من الشجن إلى عالم القرية وصفائها.
القاص الدكتور محمد المدخلي، وليسمح لي اختصار اسمه الطويل لم يشذ عن هذا الهاجس، وربما ظل النص المحلي لسنوات طويلة، مصبوغاً بهذا الملمح الدلالي، لأسباب لست في مجال ذكرها، وبالذات النص الإبداعي شعراً وقصة الذي يكتبه أبناء الجنوب.
(خيمة المحبة) مجموعة المدخلي القصصية، حملت حشداً من الأسئلة لتنوب عن واقع نلمسه بيدينا، قد لا يجسده النص مكانياً وزمنياً، بالشكل الذي نجده ونعرفه وتتبين ملامح هذا الواقع، فهذا الخارج قد لا يروق لك، لكن القاص نجح في الإمساك باللحظة النارية في داخل النص، ورصد الخلجة الإنسانية الوامضة والمنولوج الداخلي، ودون أن يصعد بالحدث الدرامي في النص إلى تلك اللحظات المغرية، مستعصياً عن ذلك بالتنوع والتلوين على حالات محددة، لتأت مفردة السفر الأثيرة كملمح أول للنص وبشكل بارز.
أ. إبراهيم مضواح الألمعي، أكبر من اختصر قراءة نتاجه الذي وصلني في زاوية هنا عابرة، والحق أن الكتاب الأكثر متعة (عندما كان الكبار تلامذة) قصص لواحد وعشرين تلميذاً أصبحوا من أعظم مفكري وأدباء العالم العربي، أجزم أنه ليس كتاباً مغرياً لقارئه فقط بل ولكاتبه أيضاً فإذا كان الفن وبالذات فيما أرى السرد ينتظر منه المتعة، فهذا الكتاب ولاشك يضيف المتعة والمعرفة معاً، فهؤلاء التلاميذ الذين أصبحوا من مفكري وأدباء عصرهم، هم في البدء تلاميذ لهم بأخطائهم وشطحاتهم، والصديق مضواح لم يشذ عن هذا المنحى، فيبدو أن ثقافته التقليدية في العلوم الشرعية، فقد جرت سنة كما يرد أن العلماء من قديم الزمان يسجلوا شهاداتهم لشيوخهم ومعلميهم، وزد على ذلك حياته التعليمية كمعلم، دفعته إلى البحث في السير الذاتية لهؤلاء الأعلام والتساؤل حول العلاقة بين التلاميذ ومعلميهم من خلال ما يختزنه التلاميذ من مواقف وذكريات، أثرت بشكل أو آخر في حيواتهم ثم استرجعوها في موهن من العمر فدونوها، ثم ذهب الأستاذ والتلميذ وبقيت شهاداتهم للتاريخ.
الأساتذة والشيوخ الذين رووا نتفاً من سيرهم الذاتية مع معلميهم حوت على كثير من المفارقات المضحكة والمبكية والمحزنة، وبالذات عميد الأدب العربي طه حسين، الذي لم ينس يوماً أن أحد شيوخه كان يناديه (اقبل يا أعمى.. وانصرف يا أعمى)، وقد صحح له المؤلف آية وردت في كتابه (الأيام) وهي الآية الرابعة عشرة من سورة نوح، أما الشيخ الطنطاوي فقال: (كنا نكذب.. نعم! أفليسوا الذين دفعونا إلى الكذب؟) أما أديبنا الراحل الكبير أحمد السباعي فهنا ما يعكس مرحلة مهمة من تاريخنا الاجتماعي والتعليمي وليس مجرد سيرة ذاتية لمبدع كبير رحل عن عالمنا، فيقول عن تلك الحقبة الزمنية كنا نصطفى لكثير من الخدمات الكنس وتنظيف المرحاض وتدليك رجلي (سيدنا) وتكبيس قدميه، ويقول السباعي رحمه الله (كنت أشارك في بعض هذه الخدمات، أو أكثرها لأن سيدنا كان لا يدين بمبدأ التخصص وكان يميزني ويختصني برعاية بالغة في بعض الأحيان، فيسلمني نعاله أمضي بها إلى العم جابر الخراز وأبقى إلى جواره في انتظار الفراغ من تسميره أو يبعث بي إلى أمه في دارها أحمل إليها (زنبيل المقاضي) وأقضي وقتاً غير يسير عندها، أعاونها في غسل الصحون، وأعني بطفلته الصغيرة..) ويبدو أن التشابه واضحاً بين الكتاتيب في الحجاز ومصر والشام وهو ما جعل المؤلف يورد قصصاً متشابهة للدلالة على هذا الواقع فهذا الدكتور إحسان عباس يعهد أستاذه إلى كل طالب بسقاية شجرة تضاف إلى اسمه! وإضافة إلى ما ورد فقد جاءت نتفاً من سير كثير من الكبار (د. عبد القادر القط، ويوسف القرضاوي، وسهير القلماوي، وأحمد أمين، ومحمد الغزالي، وعائشة بنت الشاطئ، وعبدالرحمن بدوي، وغازي القصيبي، وزاهر الألمعي، وابن عقيل الظاهري، ومصطفى عبدالرزاق وغيرهم) مما يمكن أن تجد المتعة والمعرفة ورصداً دقيقاً لمواقفهم وتصرفاتهم وكلامهم وحركاتهم وسكناتهم وكفاحهم في ذات الوقت، قبل أن تتبلور حروف مضيئة في سيرهم الذاتية.
آسف إن أخذني هذا النص الممتع عن قراءة وإشارات ولو عابرة عن نصوص مضواح السردية الأخرى (على رصيف الحياة) مجموعة قصصية وأخرى (قطف الأشواك) بما فيها من إغراء، آمل أن يتهيأ ذلك في قادم الأيام.
وتعمدت أن أبقي هذه السانحة من (عندما كان الكبار تلامذة) للظرف ولهدف أرمي إليه إلى آخر السطور، وهي سطور للشاعر نزار قباني، كشهادة لمدرسة الشاعر خليل مردم بك، حيث يعترف نزار أن من نعم الله عليه، وعلى شعره معاً، إن أستاذه كان شاعراً من أرق وأعذب الشعراء فربطه بالدرس والشعر في أول دروس الأدب، بهذا البيت الشعري من الكلام المصقول كسبيكة الذهب:
أن التي زعمت فؤادتك ملها
خلقت هواك كما خُلقت هوى لها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي
ما كان أكثرها لنا.. وأقلها


aldw17y1000@yahoo.com *

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved