الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 02th October,2006 العدد : 173

الأثنين 10 ,رمضان 1427

كيف تقرأ النخب المثقفة التحولات المجتمعية «2-6»

* حوار عبدالله السمطي:
تتكوكب التحولات التي يشهدها المجتمع السعودي اليوم حول جملة من الآفاق التي يتسنى لها تشكيل نوع من الوعي الجديد بالرؤى والأشياء والأفكار، هذا الوعي الذي يفضي إلى تكوين أنساق جديدة مغايرة على مستوى الإنسان، ومستوى الأفكار، وهو الأمر الذي يعيشه المجتمع السعودي الآن بكل صخبه، وسهوله، ومفازاته.
ثمة تحولات بادية للعيان تفجرت في السنوات الخمس الأخيرة، أسهمت في تحفيز الفكرة على التكوين والانبثاق وتحكيكها عبر الواقع بتنفيذ آلياتها.. لقد أصبح هناك حوار وطني، وهيئة لحقوق الإنسان، ودمج التعليم، وأصبحت قضايا المرأة محل بحث وتجديد، وأعطيت لها بطاقة هوية خاصة، ومساحة أكبر للمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني، وجرت انتخابات بلدية، كل هذه التحولات التي جرت في فترة زمنية وجيزة أحدثت حراكا ملحوظا بالمجتمع السعودي.. ترى كيف يقرأ المثقفون هذه التحولات.. في هذه الحلقات آراء متعددة، وقراءات متآلفة ومتخالفة، لكنها تمثل نسيجا رؤيويا للحظة الثقافية والحضارية المتحولة التي يعبرها المجتمع السعودي.
يتمحور الحوار مع الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي حول آليات التحول في المجتمع السعودي، وحول الحياة السعودية الحديثة إذا جاز التعبير التي بدأت في ارتياد آفاق جديدة من التفكير، والحوار، والسؤال الذي لا يقف عند عتبات اليقين، بل يصبو إلى مجاوزتها صوب استشراف المستقبل، وقراءة التحديات التي تواجه المملكة بعمق وروية في عالم، متحرك، قلق، متسارع.
الدكتور العواجي وكيل وزارة الداخلية السابق، والكاتب والشاعر يجوس في هذا الحوار خلال اللحظة الحاضرة والمستقبلية، فكيف يقرأ تحولات اليوم والغد؟ هذا ما نراه في هذا الحوار.
* شهدت المملكة في السنوات الأخيرة اتجاهاً إلى مأسسة المجتمع المدني، أو إلى تكوين مؤسسات ومراكز مدنية مثل: مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة الصحافيين، وهيئة الناشرين.. وغيرها. كيف تنظر إلى هذه التحولات: هل ستؤثر على المجتمع السعودي على المدى الطويل، هل تمثلها المجتمع حتى الآن، وما هي الآثار المباشرة التي أحدثتها هذه التحولات؟
أولاً: سؤال جميل.. لكن ليس هناك مع الأسف الشديد وعي وإدراك لمدلول: (المجتمع المدني)، هناك كثير من الناس يستخدمون المصطلح من دون معرفة ماذا يعني.. الغرف التجارية من أقدم وأهم المجتمعات المدنية الموجودة، لكن على النقيض تأتي الجهات التي لها أهداف ثقافية واجتماعية. المجتمع المدني وهكذا أعتقد وهكذا أتمنى أن يكون إحدى ركائز الانتقال أو توظيف الحراك الاجتماعي الجديد مدعوماً بتوجهات من السلطة لدى الحكومة. من الممكن أن يكون هو من أهم الآليات التي تساعد المجتمع على أن يتحول، عندما توجد أوعية منظمة لطوائف المجتمع كافة، كل فئاته واهتماماته.. أوعية غير رسمية، أوعية في إطار منظومة القيم وفي إطار السياسات العامة للدولة وفي إطار النظام الأساسي للحكم، وفي مجموع المحددات التي تحكم حياتنا العامة. عندما تنشأ هذه المؤسسات سوف تلعب دوراً مهماً جداً في تحقيق التحول المنشود.
* كيف يكون ذلك؟
أعتقد لو كنت مسؤولاً في الدولة لاعتمدت خطاً منظماً ذا برنامج زمني للتوسع في موضوع: المجتمع المدني. لماذا؟ لأن المجتمع المدني من الممكن أن يحقق لها عدة أشياء:
خدمة أفرادها في المجتمع الخاص، سواء مهنة أو مصلحة، فهو يساعد في الدفاع عن مصالحهم، ومن ثم سوف يؤدي إلى تطوير الخدمة، فالتفاعل الجماعي المنظم سوف ينعكس على خدمة المشتركين فيها.
هو إطار للمشاركة في القرار، قد لا يرتقي إلى المشاركة في القرار السياسي بالمفهوم الجامد.. نتكلم على المشاركة في القرار على مختلف المستويات.. لأن هذه المجتمعات المدنية عندما تتكون، ومن خلال النخب الموجودة فيها ذات الاختصاص والاهتمام المشترك، تستطيع أن تسهم إسهاماً إيجابياً، ومن خلال القنوات المتاحة لها، سواء من خلال المؤسسة، أو من خلال كافة الوسائل التي تسهم في اتخاذ القرار.
قد تكون في تصوري الخاص من أهم أدوات التحول: تحول المجتمع بشكل تدريجي أو تهيئته لأي مجال للمشاركة باسم ما يسمى الديمقراطية أو سمها ما شئت، انتخابات أو غيره. لأن المجتمع تحول من مجتمع قبلي وقروي إلى مجتمع الآن حديث، لكنه حمل معه داخل مواقع الحداثة انتماءاته القبلية أو الإقليمية أو انتماءاته الخاصة،. وهذا موضوع لا يتفق حقيقة مع المصلحة العليا للوطن ولا مع الأهداف الوطنية العليا التي يتمناها كل مواطن واعٍ، ولذلك في حالة وجود انتخابات في مراحل أخرى، أو تحقيق المراحل القادمة في الانتخابات في مساحات أخرى في المجتمع، سوف يظل جانب الانتماء القبلي أو المناطقي عاملاً مهماً جداً في المجتمع. لكن تصور لو عندنا مجموعة كبيرة من الناس في جغرافية المملكة الواسعة، ينتمون لمنظومة مهنية، وتبدأ هذه المؤسسة في تقديم خدمات لهم ويجدون أنه قد تكون من خلالها لهم هوية مهنية، هوية مصلحة، وهناك مؤسسة تحمي وتدافع عن حقوقهم، ومن هنا انصهار مختلف العناصر بانتماءاتهم وخلفياته كافة، سوف يتحول الولاء إلى ما ينتج عن هذه المجموعة من مبادىء أو من سياسات. أنا لا أفكر أن هذا سيحدث بعد عام أو عامين أو عشرة أعوام.. لكن هذه إحدى الآليات التي من الممكن أن يتم التحول، وتهيئة المجتمع لكي يشارك مستقبلاً.
عندما تصدر كثير من التنظيمات التي تكون مشاركة، بحيث تكون المجتمعات المدنية أطراً للمساهمة والمشاركة، وكما ذكرت أيضاً البعد الآخر المهم: الإسهام الرئيسي في سياسات الدولة، والمشاركة في أوجه مختلفة.
أعتقد أن المجتمع الدولي له مطالب، وأعرف أن هناك توجهات من قبل الدولة إلى ذلك.. لكن آخذ على التوجهات أنها تعتمد على ردود الفعل تجاه مبادرة من مجموعة من الناس.. مجموعة من الناس تريد هيئة للصحفيين أو الكتاب أو الأدباء أو كذا، وتأخذ وقتاً للدراسة وهذا جميل، لكن لو كانت هناك مجموعة من الأطر سياسية تحدد ما هي المجالات، وما هي المحددات التي تكون هذا المجتمع في المجالات كافة، وتضع شروطه، ومواصفاته، فعلاً سيكون أكبر عون للدولة. لكن المشكلة أن الأمور صارت تتوقف على مبادرات تأتي من أشخاص، وهذا الذي أعتقد أنه خطأ.
* الدولة يجب أنه تستصدر مؤسسات.. هناك مجلس الشورى، وهناك مجلس الوزراء، والمجلس الاقتصادي، كل هذه الجهات تستطيع أن تتبنى دراسة وتطلب من جهات معينة إعداد دراسات معينة، فرق عمل مثلاً: ما هو المجتمع المدني وإلى أي مدى يمكن للمجتمع السعودي أن يكون؟
تضع شروطاً وتفتح المجال للمهنيين والمختصين ومن لهم مصالح مشتركة في تكوين هذا في إطار السياسات والضوابط التي لا تخرج هذه الأطر من مكانها الصحيح.
مجتمعنا السعودي أثبت أنه مجتمع واعٍ، فلا يمكن أن تتحول هذه المؤسسات إلى كيانات ذات غايات سياسية أو تمس مسلمات الوطن. أعتقد أن المواطن السعودي واعٍ بقيمة وطنه، بقيمة ثوابته، وهو يعرف فعلاً أهمية الحفاظ على هذا الإطار.. من إطار الحكم إلى إطار العطاء. لكن يتطلع إلى تطوير هذه المؤسسات، وأن يعطى إطار تطويره من خلال مشاركته المدنية خارج إطار الدولة. فالدولة تساعد وتوجه وتراقب حقها.
* ألا تشعر بالنسبة لهذه المؤسسات والتحولات أنها حدثت في فترة زمنية وجيزة..؟ توحيد التعليم، وزارة الثقافة والإعلام، مؤسسات المجتمع المدني.. هل هذه التحولات الأشبه بالصدمة مقصود بها أن تصدم تياراً معيناً أو فئة معينة بحيث تجرفها التحولات إلى التغيير؟
هذا صحيح بالنسبة للتغيير، نحن نعرف ما يسمى بالتغيير الاجتماعي الذي يحتاج إلى وقت طويل، يحتاج إلى إعداد.. غير التغيير الاقتصادي أو المادي. التغيير الاجتماعي مرتبط بقيم الناس، وعاداتهم، وتقاليدهم وما يعتقدون أنه مسلماتهم أو حتى من يعتقد أنها تمس حتى عقيدتهم.. فلذلك التغيير الاجتماعي بطبيعته يحضر عادة بشكل تدريجي لأن هناك ما يسمى ب(مقاومة التغيير). هي قاعدة علمية تحدث عند أي تغيير حتى على المستوى الشخصي، مستوى البيت أو الأولاد أو أسلوب ومظاهر الحياة وأركان البيت كلها تحتاج إلى مواجهة، وبالتالي: المقاومة ناتجة عن طبيعة الإنسان الذي يحب المألوف ويكره الغريب، ويخاف من الغريب، ويخاف أن يحدد معرفته.. ولو استطعت أن تجعلني أحس أن هذا التغيير في مصلحتي، وأن أحس بأني جزء من التغيير، لقبلت ذلك.. أما أن تفرض عليَّ التغيير المرتبط بقيمي فهذه قضية ليست سهلة، وإذا كنا سنظل في هذا الاتجاه فيجب أن ندرك أنه ستكون هناك مقاومة.. يجب ألا نفاجأ بالمقاومة، بل نكون نحن قاصدين: (الصدمات) كما ذكرت.
* لكن عندما تقوم بالعمل يجب أن تدرس كل ردود الفعل المحتملة، وإلا لا تتخذ قراراً من دون دراسة ردود الفعل المحتملة. المقاومة بحسب حجمها: هل هي قادرة على أن تفشل حركة التغيير؟ أم بالإمكان استيعابها وتطويرها بشكل تدريجي؟ وتكييفها لأن تتقبل التغيير بوسائل مختلفة؟
أعتقد أننا نحتاج فعلاً إلى مزيد من الإسراع. نحن مجتمع محافظ، ومجتمع تقليدي، لكن قدرنا أن نكون جزءاً من هذا العالم المتحرك بسبب مركزنا الاقتصادي والثقافي والإسلامي وموقعنا، فلا مفر أن نكون جزءاً من العالم، ناهيك عن توقيع اتفاقية التجارة العالمية.. ولذلك هذه الصدمات ستحصل، لكن أتمنى في كل قرار تصدره الدولة أن تكون هناك دراسة لأصحاب القرار من قبل الفئة المسؤولة.
وألا تتقيد بأن هناك شريحة في المجتمع ترفض هذا القرار أو ذاك، لأن في هذا خطورة.. فأنت صاحب القرار، وصاحب القرار يتوجه إلى شريحة كبيرة.. وأن يكون السؤال هل القرار صحيح أم لا. دون النظر إلى أن هناك شريحة ترفضه: السؤال: يكون: هل موقفهم صحيح أم لا؟ وهل يتناسب مع فرضية التحول المفروضة عليكم. إذا كانت شريحة كبيرة مثلاً ترفض هذا القرار، لكن أنا كمسؤول يجب أن أنظر إلى المصلحة العامة، هل هناك ضرر يمس قناعات الناس؟ ويجب أن أقارن أين المصلحة في مخالفة الناس؟
* الملك فيصل بن عبدالعزيز عندما قرر تعليم المرأة، وجد معارضة كبيرة، من غالبية ساحقة من الناس، ولكن بعد مرور عام، جاء من أقاموا مخيمات في الرياض للاعتراض صاروا يطالبون بتعليم المرأة.. التغيير الاجتماعي أحياناً لابد من فرضه، لكن أصر على أن الفرض يجب أن يبنى على نتيجة دراسة، وألا يكون الحكم فيها إلى قناعات الأغلبية فقط، بل القناعة لمقتضيات التحول.. أنا مثلاً أطعت الناس هل هناك ضرر؟
إذا وجدت أن إطاعة الناس فيها ضرر على المصلحة العامة، وأنا مؤتمن على المصلحة العامة، فمن مسؤوليتي التاريخية أن أتخذ قراراً حتى لو كان ضد قناعة الناس، لأنني أكون قد قست ووازنت بين الضرر وبين المصلحة القريبة والبعيدة وقناعات الناس؟
* هناك سؤال تطرقت إلى جزئية صغيرة منه: على الرغم من أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العربية استخداماً لوسائل الاتصال، ومن أكثر المجتمعات العربية في حركة المال والاقتصاد وبشكل منفتح جداً، ويمتلك آلة إعلامية صحفية وفضائية ضخمة، وأكثر المجتمعات العربية سفراً وترحالاً لدول العالم.. لماذا يراد له دائماً أن يوصف بأنه (مجتمع محافظ)؟ هل ترى أن مفهوم كلمة (محافظ) تناسب كل هذه السمات؟
سؤال جميل جداً.. وهذه مشكلة حقيقة، نحن نأخذ بمصطلحات معينة، ونحن مجتمع محافظ، ولكن مع ذلك نمارس ضد المحافظة.. نحن فعلاً نستخدم كل مخرجات الحداثة، بما في ذلك السفر كذلك، وفعلاً نحن من أكثر الدول العربية استخداماً للتقنية وغيرها، وبالتالي نحن نعيش في حالة من الإزدواجية حقيقة، هناك إزدواجية في الشخصية، نقاوم بأن نعترف بأننا مجتمع دخل مرحلة الحداثة، نحن نقاوم هذا، لأنه مع الأسف الشديد هناك خلط بين المحافظة والتدين، أو بين المحافظة وأن تكون مسلماً، وهذا هو الخطأ الكبير، وبين الحداثة وبين التغريب.. الحداثة بمفاهيمها الفكرية.. أنا أتكلم عن حداثة الحياة، التي جعلتنا نتعامل مع كل معطياتها الجديدة، وهناك من يقف في الوسط وأحياناً في المقدمة، وأحياناً في الخلف ويستخدم الوسائل كافة للصراخ والإعلان كأنه هناك من يريد أن يمس عقيدتنا، بينما كل المجتمع مسلم، هذا الذي يسافر للخارج أو يستخدم الإنترنت أو يتابع الفضائيات أو يستخدم أحدث تقنية هو مسلم، يصلي ويصوم ومن بيئة مسلمة.. فلماذا لا نقدم نموذجاً للعالم الإسلامي عن مجتمع مسلم ملتزم بأساسيات الإسلام، ومع هذا مجتمع حديث.
* لماذا نصر على أن المحافظة أو رفض الحداثة يساوي الإسلام..هذا خطأ. الإسلام دين عظيم يملك كل أدوات التعامل مع المتغيرات مع ما يحدث مع الحياة. الله سبحانه وتعالى يقول: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (8) سورة النحل.. ما لا نعلم اليوم. فبالتالي التعامل يجب أن نحاول: كيف نستطيع أن نعرف متطلبات الحياة الحديثة التي نمارسها بالفعل، وكيف نصنف الحياة اليوم: حداثي: معناها: كفر وتغريب، ومحافظ أي معناها: إسلام، وهنا أنت تخرج شريحة كبيرة من الإسلام، فأنت تخرج مثلاً أجيالاً عن الإسلام لأنها تستخدم وسائل الحداثة، الحداثة الجديدة قوة للمسلم، وقوة لنا.. لأن عدم التعامل معها هو: الضعف، القوة أن نتعامل معها وأن نتمكن منها وأن نوظفها لخدمة مصالحنا، مصالح ديننا وقيمنا، وعقيدتنا والمحافظة على ثوابت ديننا كلها.. أما أن نتردد أو نخاف أو نقلق أو نترك أناساً ربما تفكيرهم ضيق بسيط، عندهم الألوان هي: أبيض وأسود يمكن يعرفون: (البني) أو (البرتقالي) لكن لا يعرفون الطيف بكل ألوانه.. الحياة هي طيف مليئ بالتداخلات، وليس هناك تعريف للألوان، نحن الذين نعرّفها.. الأسود والأبيض وهما نقيضان فيهما قواسم مشتركة، فالحياة فيها قواسم مشتركة. لكن عندما نبدأ بالفعل نفكر بأننا مجتمع مسلم محافظين على ديننا، ومحافظين على سلوكياتنا الاجتماعية الأخرى التي لا تتعارض مع الدين، فأعتقد أنه يكون لنا أن (أحافظ) على ديني.. وليس هذا معناه ألا أتقبل ما تطرأ به عليَّ الحياة. وأنا لا أملك الخيار بالمناسبة. عندما كنت أتحدث عن (العولمة) في محاضرة بمنطقة تبوك سألني أحد الحاضرين: هل من الممكن أن تشرح لي يا دكتور: ما هي العولمة؟ بسطها لنا؟ قلت: هل ترون أولادكم يلبسون القبعات في الشوارع؟.. هذه عولمة ثقافية.. العولمة حقيقة تصل إلى سيطرة المؤسسات الاقتصادية على مقدرات الشعوب إذا استطاعت من خلال الشركات الدولية المختلطة، والتحكم أيضاً بالشعوب من خلال الاتفاقيات الدولية المختلفة.. هذه حقيقة. لكن هذه أشياء الدولة تتعامل معها بوعي، وأعتقد أنها استطاعت أن تتعامل معها. أما الأوجه الأخرى للعولمة مادية وثقافية فهذه ليس فيها.. هي أدوات إذا أردنا أن نوظفها للخير فهي أداة، وإذا أردنا أن نوظفها للشر فهي أداة. لكننا نحن مجتمع مسلم، وإن وجد من بيننا من يشك في رأيه أو في سلوكه فهذه طبيعة البشر، فالله سبحانه وتعالى لم يرسل رسالاته، ولم يخلق جناً وناراً إلا وهو يعلم أن هناك أناساً يتجاوزون.. نحن كمجتمع مسلم محافظ على دينه لكن هذه المحافظة لا نقبل أن تمد إلى أمورنا الاجتماعية الأخرى، يجب إلا تمتد لتضع حواجز وموانع ضد الحراك الذي يتجه نحو استخدام الحياة الحديثة بكل ما تعطيه.. أن نكون مجتمعاً منفتحاً قادراً على أن يتلقى كل شيء ويتجاوب.
باختصار قضية العولمة هي حركة إن أردت تكون سفينة أو تكون ريحاً أو تكون ما شئت. هي حركة سريعة فيها ما يدمر وفيها ما يعمر، ولكن لو أراد أي شعب من الشعوب، خاصة مثل شعبنا المفروض عليه أمور معينة بحكم موقعنا الإسلامي، بحكم ثرواتنا.. لكن لو أردنا أن نرفض هذا لن يمنع تعثرنا، لكن قد يكون تعثرنا السلبي.. نحن عندما نعرف أن هناك مركبة تتحرك بسرعة لماذا لا نملك الثقة بأنفسنا وبقيمنا وبثقافتنا وهويتنا، لماذا لا نملك الثقة بأن نكون في المركبة لنساعد إن لم يكن تحقيق مصالحنا في الحركة أقل شيء ماذا قدروا لنا، أما أن تبقى فمعناه أن تظل في المؤخرة، لذلك نعتقد أن حضارتنا وهويتنا تؤهلنا لنكون في المقدمة.. هذه مسألة تاريخية ليست خاصة بنا في المملكة بل يشمل عالمنا الإسلامي.. وهذا ربما يكون مصدراً من مصادر القلق الكبير لدى الآخر.. لأن عالمنا لو وقف صحيحاً، وفكر وأنتج كان فعلاً هو قوة عظمى.. لكن عالمنا صار أداة ولعبة، وأصبحنا نصرخ ضد التغيير، والتغيير لا يستطيع أحد أن يمنعه لأنه تيار يتحرك خارج إرادة الدول وسيادة الدول التي أصبحت سيادة جغرافية على الحدود لكن سيادة القانون بدأت تتلاشى.
* كجزء من التحولات: مازالت قضايا المرأة يتم تداولها على نطاق واسع خاصة النطاق الإعلامي، كيف تنظر إلى هذه القضايا؟
هناك حقيقة بالنسبة للمرأة، هناك من يحاول أن يوظف المرأة لتحقيق أجندة أخرى تتعلق بأيديولوجيات أو برؤية.. دعنا نكن صرحاء.
قضية وضع المرأة.. المرأة هي نصف المجتمع والزوجة والبنت والأخت وهذا كلام كررته كثيراً. لأن هذا واقع وتحصيل حاصل.
المرأة عندنا تعلمت، وهي في موقع متقدم كثيراً حتى عن الشباب، وأنت عندما تعلم الإنسان يجب أن تعطيه الدور الذي يمارسه.. لكن ما هو هذا الدور؟
هل هناك تصادم؟ نعم، قواعد دينية، وقواعد اجتماعية. القواعد الدينية هناك نصوص شرعية في أي دولة إسلامية ملتزمة والمجتمع المسلم يجب تحقيقها، لكن يجب أن ندرك أن نصف المجتمع تعلم، فيجب أن يلعب دوره في الحياة العامة، إذا صار عندنا قناعة أساسية، يجب أن نبحث عن الوسائل.
هل نخلط بين تقاليدنا الاجتماعية والعادات، ونظرة المجتمع للمرأة، وحرصه عليها لدرجة أن يغلق عليها البيت لأنها مادة سائغة للرجل.. هذه المفاهيم يجب ألا يلتفت لها بنفس الدرجة، يجب الرجوع إلى ما حلله الدين والشريعة، وفقاً لتعريف العلماء الذين يملكون القدرة والحق في أن يطرحوا هذه الحلول من دون الالتفات لأصوات أخرى متشنجة ربما لها أجندة خاصة، وترى في موضوع المرأة أنه صراع بينها وبين أجندة أخرى في المجتمع، أو أن فئات في الطرف الثاني للمجتمع، تريد أن تكسر تقاليد المجتمع وقيمه، وأن تخرج المرأة للشارع بشكل يتنافي مع تقاليده وقيمه، ولذلك المرأة قضية جوهرية في المجتمع، ويجب ألا تترك لنقاشات الصحف وحواراتها.. فهذا موضوع يتطلب قرارات سياسية تحمي المجتمع.
لكن هذه المرأة المثقفة المتعلمة الواعية مدركة للحياة ولدورها، وهي طاقة مهدرة ويجب توظيفها توظيفاً صحيحاً وفقاً لضوابط. وكل عليه أن يفترض ما تمليه عليه قناعتنا بسلامة مجتمعنا أن المرأة إنسانة صالحة، وأن المرأة تملك في داخلها ما يساعدها على حماية نفسها لا تحتاج لرجل أن يحرص عليها، فنحن نعلم المرأة تعليماً صحيحاً، ونربيها تربية صحيحة ومع ذلك لا نثق فيها بأن تميز ما يحميها.. هذا خطأ. يجب أن نتخلى عن أن المرأة (نعجة) أو (شاة) وأن الرجال كلهم ذئاب.. هذا كلام ليس صحيحاً، لأن المرأة في صدر الإسلام وتاريخ الإسلام وفي مجتمعنا حتى وقت قريب المرأة أخت الرجل، وكانت تعمل، وتحارب، فلماذا نحن الآن أكثر نقاء وأكثر صفاء، وأكثر غيرة على محارمنا؟!!
يجب ألا يترك هذا الموضوع للصحف، وللمزايدات، من الطرفين الذين في تقديري كثير منهم ينطلق فعلاً من قناعات حقيقية تهدف إلى حماية المرأة، أو رغبة في أن المرأة تلعب دوراً.
لكن هناك عناصر في الإعلام في المحطات التلفزيونية حول المرأة السعودية إلى قضية عربية ودولية كل محطات الفضائيات تلاحقها، أنا أتألم من بعض القنوات التي تطرح قضية المرأة السعودية كأنها مشكلة.. فهذا يجرحني، ويجرح كرامتي، وقيمتي. هذا الموضوع يجب أن يعالج من قبل ولاة الأمر وأن يصدر فيه تشريعات لا تمس ثوابت الدين، والباقي المجتمع يختاره، من يريد ألا تعمل ابنته، لا تعمل، مثل ما حدث في التعليم، لكن يجب أن يفتح المجال بشكل أوسع، وأعتقد أن التوجهات جادة في الأمر، لأن هذه تدخل ضمن التغيير الاجتماعي.
* وصلت المرأة في التعليم إلى درجات الدكتوراه، وووصلت إلى الأمم المتحدة.. وهناك مجالات تقصى منها المرأة مثل بعض المجالات الثقافية.. هل من الضرورة أن توجد المرأة في مساحة أكبر في وزارة الثقافة والإعلام أو وزارات مثل التخطيط أو العمل أو الاقتصاد؟
لدينا اقتصاديات ناجحات، وسيدات أعمال يلعبن دوراً على مستوى دولي، وعندنا في مجالات الثقافة والاجتماع، ويجب أن يفتح للمرأة مجال في هذه الأنشطة.. وطالما لدينا الخوف على المرأة بهذا الشكل بهذه البرانويا، فنحن لا نستطيع أن نتعايش. المرأة تتعلم بشكل كبير.
* هل يمكن أن تكون هناك وكيلة لوزارة الثقافة والإعلام مثلاً؟
لم لا. ربما العقبة الوحيدة هي قضية قبول أن تجتمع مع الرجال، مع أن هذا المنصب قد يكون للمرأة في سن كبيرة، وهي لها حكم في الشرع في هذه السن.. لكن أعتقد أنا شخصياً أنه يجب أن تتولى المرأة المراكز التي تؤهلها حسب قدراتها، لكن ما هي الضوابط التي توضع لتحقيق ذلك، أو متى؟ هذه قضية أخرى.
*كيف ترى مستقبل المجتمع السعودي والحياة السعودية؟
المجتمع السعودي يعيش فعلاً حالة من الحراك كبيرة جداً، وإحدى أدوات التعامل مع التغير هو مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، لأنه أنت تحتاج أن تربط شرائح المجتمع الثقافية والمذهبية في أطر معينة تساعد على الحراك الذي يصير. نحن ليس أمامنا خيار. المجتمع السعودي يتغير بسرعة، المهم ألا نتركه يتغير بقرارات ذاتية، لكن يجب أن نعترف بحركة التغيير وحتمية التغيير، ويجب أن نساعد أن يتحقق التغيير بما لا يمس استحقاقات الهوية. المجتمع السعودي يتغير بسرعة تفوق التصور، وليس هناك نموذج معين تستعيره.. أنت قد تأخذ نظام حاسب آلي وتطبقه في شركة، من الصين أو اليابان أو أمريكا أو غيرها وتطبقه هنا.. لكن لا تستطيع أن تأخذ نموذجاً معيناً من مجتمع وتطبقه هنا حتى لو كان مجتمعاً مسلماً، لأنك أنت تتكلم عن أن لكل مجتمع خصائصه، لكن أهم شيء أن مؤسسات المجتمع كلها، وعلى رأسها المؤسسات الرسمية تدرك هذا التغيير، وأتمنى أن يكون هناك الحوار ينتقل ليس بين الشرائح المختلفة، بل بين المؤثرين في القرار، في مختلف نواحي المجتمع.
كيف تقوم بتوعية الناس، وقد يتم هذا في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أو في غير إطاره، لكن المهم أن يتم فتح حوارات على مستوى المؤثرين في قرار المجتمع، ليس بالضرورة القرار السياسي، المؤثرون في قرار المجتمع وتشكيل رؤيته وموقفه هؤلاء يجب أن يصير حوار معه، ومع الجهات الرسمية وغير الرسمية. هناك فئات يوصفون بأنهم منغلقون.. أنا أعتقد أنهم ليسوا منغلقين، بل هم ناس مخلصون لدينهم لكن يحتاجون إلى شرح وحوار، بحيث يصيرون جزءاً من الحوار والمجتمع.. طبعاً لديهم غيرة على قيم المجتمع وثوابته، وما لم يدركوا أنه يمكن التقدم مع المحافظة. أنا أدعو لبرنامج حوار بين الفئات المؤثرة في المجتمع، وأن يظل الحوار الآن يسير على مستوى كافة الشرائح ويغطي مساحة جغرافية أكبر، ونوعية موضوعية أكثر، لكن يجب الالتفات لصيغة معينة تسمى حوارات أو لقاءات لتبادل الأفكار.
عندما نناقش موضوع البنوك والأسهم والجدل الدائر، ونرى كثيراً من الفتاوى هذه الشركات حرام وهذه حلال، فماذا لو جمعت الاقتصاديين والعلماء وصار هناك طرح وتفهم لوجهات النظر المختلفة، أنا متأكد أنه ستصير نتائج، خاصة أن مفاهيمنا تغيرت وتطورت، أدركنا ماذا يعني هذا وذاك.
* هناك الآن من يتكلم بشكل علني أن البنوك كلها ربا وحرام.. البنوك موجودة في حياتنا، وتكبر وتنمو.
هناك من يقول بعض الشركات ربوية، أليس أصحابها هم مسلمون؟
لابد من التعرف على مكونات النظام الاقتصادي، وكيفية حركته لنصل فعلاً إلى تعريف الربا. عندما نصل لقناعة أن هناك ربا يجب على الدولة أن تحرمه. لأن الربا محرم في كتاب الله.. وليس هناك خلاف على ذلك.
لكن هناك أنماط ونشاطات اقتصادية جديدة على خطابنا وعلى لغتنا وعلى مصطلحاتنا وعلى الأشكال المألوفة التي نتوارثها. نحن نريد أن نتعمق بين العلماء والاقتصاديين، وتشخيص الأنماط الاقتصادية لنرى من أين جاء الربا. هذا على سبيل المثال. حركة موجودة قوية، وأنا أسمع الناس تتناقش. هذا تغير اجتماعي.. ماذا سنفعل هل المجتمع ينطلق إلى ممارسة حاجياته ويشعر أنها حرام؟ أم يشعر بإحساس بالذنب أو يتوقف عن تنمية مصالحه في أمور ليست حراماً؟ من الضروري أن يجتمع الناس ليس من ذوي التفكير الواحد لابد من الاجتماع مع مختصين، يشرحون بالضبط كيف تتم العمليات الاستثمارية في كل جزئية، كيف يعمل البنك كيف تكون عوائدها؟ وهل هي ربوية أم لا ولو كانت ربوية يجب ألا تسمح بها الدولة. يجب وأنا أدعو للحوار بين المؤثرين وأصحاب القرار، أن نعرف ماذا لدى الطرف الآخر من القصة. أنا أقرأ هذه الصفحة لكن ماذا في الصفحة المقابلة؟
هل كل هذا خطأ أو أن هناك خطأ وهناك أمر صحيح؟
وبالتالي نحتاج أن نخضع الصفحتين ونعرف محتوياتهما، ونخضعهما للفحص والتمحيص والمقاربة إلى أن نصل إلى تصور واحد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved