الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

الموسيقى وعذابات الحقائق في (الإرهابي 20) لعبدالله ثابت «1»
*أحمد علي الصغير:
التقى الإعلامي الشيخ الدكتور عبدالله بن هضبان الحارثي على قناة اقرأ الإسلامية قبل أشهر قليلة بفنان العرب وسط دهشة الكثير من المتابعين، حيث كان الأستاذ محمد عبده أول فنان تستضيفه القناة ليتحدث عن الموسيقى والغناء، كان حوارا هادئا توقع بعض المشاهدين أن يتطرق لعبثية وترف الغناء وحرمته المطلقة وبريديته، ومساوئه التي دائما ما تذكر ويربط فيها بين الغناء والموسيقى والصد عن ذكر الله، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، لتدرج تلك الحلقة ضمن موقف جديد - أقل حدة - من الموقف السائد الصارم المتشدد ضد الموسيقى ومحترفيها، وبالنهاية فلقد أغضب اللقاء البعض، ولقي قبولا متفاوتا من البعض الآخر.
أبدأ من هنا لأقول: إن للغناء والموسيقى في مجتمعنا حكاية مختلفة ونظرة متذبذبة بين الشك واليقين، وتضاد القناعات حد التفسيق أحيانا، ويمكن القول إنه على المستوى الاجتماعي بقيت الموسيقى بين أخذ ورد، لأن هناك اختلافا على المستوى الديني حول حرمتها التي رآها بعضهم هي الأقرب للصواب، وما سواها باطل لا أساس له، وأن استمرار الشخص في الاستماع للغناء خطر كبير على القلب ومن القلب تنشأ العقيدة، لذا تشددوا في تحريمها، وتجريم هواتها، واتجه أغلب العامة نحو هذا الرأي، ثم ظهرت للجميع أراء - كانت مغيبة- تعاكس ذلك فعاشت الموسيقى صراعات حادة حول القبول والرفض والاعتراف، و بطبيعة الحال فلن يغيب المستوى الأدبي عن ذلك، فأنت تجد تناولا للموسيقى في الأعمال الروائية مثلا في مستويات تعبيرية ثلاثة، إذ نادرا ما تقرأ عملاً روائيا لم يتضمن مقاطع لقصائد اشتهرت مغناة، وبإمكانك أن ترى ذلك في روايات غازي القصيبي، وعبده خال، ورواية بنات الرياض لرجاء الصانع، والقارورة للمحيميد، وغيرها الكثير، وإما أن يتحدث عن الموسيقى بشكل سريع ويستغل الجو الذي توفره لتقديم صورة وجدانية أكثر قربا، أو أن يتحدث الروائي عن الأزمة التي تعيشها الموسيقى في المجتمع كما فعل عبده خال في روايته الأخيرة (فسوق) حين قال عن محمود الوابل بعد عودته من أفغانستان: (كان إدمان أبيه سماع الغناء، المعضلة التي تربك وجوده داخل البيت، وباتفاق ضمني سرى بينهما من غير أن يتفوها به، ينسل الأب إلى مخدعه، يسترق السمع لغناء أساطين الطرب، من خلال سماعة تنتهي بسكب كل الأغنيات في أذنه، منفردا في غرفة نومه، التي هجرتها زوجته تضامنا مع ابنها فغادرت غرفة الزوجية إلى مكان لا توجد فيه مزامير الشيطان...) ص، 151 وهكذا تحضر الموسيقى ويحضر الغناء في كثير من رواياتنا المحلية وكأنها تريد أن تقول شيئا ما، أو تستغل رقة وشفافية الموسيقى لتعبر عن الحالات التي تمر بها الشخصيات، -كما أسلفت - من فرح وحزن، شوق وحب، أو ذكريات تقدحها الموسيقى في عقل الشخصية لتهيأ بها أرضية خصبة تشحن ذهنها لتعيش اللحظة في أنقى صورها النفسية. لكن العمل الذي أنصت كثيرا للموسيقى، وجعلها تنمو معه نمو الحدث، وأفرد لها مساحة كبيرة من الرواية هوعمل الأديب الشاعر عبدالله ثابت(الإرهابي20)، المختلف على روائيته بدءاً، كأكثر أعمالنا المحلية التي دائما ما تثار حولها إشكالية التصنيف، فبماذا نسمي هذا العمل وأمثاله؟ أنسميها (الرواية السيرية)، كما يرى الدكتور حسين المناصرة، أم ندرجها تحت (الرواية الواقعية) بانعطافاتها الكبرى حسب رأي الدكتور معجب الزهراني؟ أو نلغيها تماما من الرواية ونعتبرها وثائق، أو مذكرات شخصية، أو سيرة مموهة...، وحتى تضع الحرب أوزارها بين كتابنا الذين يزجون برواياتهم، ونقادنا الذين يختلفون على إدراجها ضمن مواليد الروايات في سجل الرواية السعودية التي لا تزال ناشئة، ولا تزال أعمال أغلب كتابها بدايات لمشاريعهم التي لن يكتمل نضجها الروائي بين عشية وضحاها، سأتجاوز هذه الإشكالية مع هذا العمل تحديدا، متبنيا مقولة كليف جيمس (الرواية الأولى لا بد أن تكون سيرة ذاتية لكاتبها) وأدلف إلى الرواية التي يحكي فيها ثابت حكايته أو قل حكاية زاهي الجبالي الإرهابي الذي حمل الرقم 20 لكن القدر حال دون أن يكمل التسعة عشر الذين ذهبوا في سبيل التهور الغبي، وأرادوا صفع أمريكا على قفاها فاستقرت أصابعهم في وجوهنا تهمة نحاول إزالتها بكل طاقاتنا، وكان من المفترض أيضا أن يحمل لعنة الرقم الأدهى 27في قائمة الستة والعشرين إرهابيا في المملكة لكن قدر الوعي انتشله قبل أن يلطخ إنسانيته بدم أهله في سبيل الشيطان، وظل مدهوشا لتلك النجاة، يسر تارة أن مر بتجربة الانخراط في معسكرات إرهابية ثم نجا من الاستمرار فيها قبل أن يتغلغل كل السم في عقله حيث تقيأه في الوقت المناسب، لتتفتح له آفاق أرحب وتجعله يقرأ ما سبق وينقد الشخصية التي تقنع بها في ماضيه المتطرف قبل أن يخلع قناعها ليرى الوجود الجميل، ويحزن تارة أخرى على تلك الأيام التي انصرمت من عمره وهو في غياهب الأصولية، لكنه أخيرا يتحدث عن تجربته، معتدا بها وبنفسه على طريقته التي يصر على تسميتها لا تهمه مشبها إياها بالتدخين في مكان عام.
قد يخطر للوهلة الأولى سؤال كبير: فما الذي من الممكن أن تحتله الموسيقى والغناء في عمل يتحدث عن الإرهاب، وتفاصيل النزاع بين الموت والحياة أو بمعنى أدق الاندفاع الموت والإقبال على الحياة؟ إن زاهي بدءا وبعد أن قرر توثيق تجربته تلك يعد نفسه بأنه عندما سيرفع قلمه عن آخر كلمة بآخر سطر، سيحتفل وحده وعلى طريقته، وهذا الاحتفال سيتضمن رفع الموسيقى بالقدر الذي يليق بتلك الساعة.
إنها ساعة في غاية الأهمية بالنسبة إليه لذلك لن تمر هكذا بصمت، وهو حين سينتهي من الكتابة سينغمر في حالات نفسية متعددة، بين استرخاء، ونشوة بإنجاز الكتابة، وسعادة لاكتمال ولادة شقائه على الورق، وخوف عليه بعد أن حمله كرها على كره، ربما تستطيع الموسيقى وحدها تذويب أحاسيس تلك الساعة. وتجده في بداية إفصاحه عن ذاته يصف علاقته بالموسيقى وعلاقة من حوله بها، فهو لا يفهم الكثير عن تركيبتها لكنه حاول وسيحاول تعلمها، وأمه تزجره وتنهاه، يقول في معرض حديثه عن أغنية كاظم الساهر(حافية القدمين)، بعد أن تحدث عنها وعن كاظم (حين بدأت ترقص، حافية القدمين، زجرتني أمي، التي تعرضت كغيرها لهذا الاعتساف الذي يظنونه هداية وخير، فوالدتي التي نشأت على حداء الرعاة والدفوف وأصوات الطيور والأغنام والطبيعة في جبالنا في الجنوب باتت الآن تتلوى نفسها إذا سمعت الموسيقى ورأت الرقص..) ص 24، لنفهم أن الموسيقى والرقص كانا مقبولين في فترة سابقة ثم رفضا اعتسافا، ولعل ثورة جهيمان كان لها دور في هذا الاعتساف إذ يقول (كانت تلك الفترة، التي تدين بها أخي الأكبر، بداية للتجمع الذي قام به المتطرف الشهير بالجزيرة العربية، جهيمان وأتباعه.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved