الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

عطرك علمني
*نورة الغامدي:
نصحو مع بداية كل يوم مثلنا مثل كل البشر ننهض من نومنا بأحلامنا الصغيرة ونفتح رسائلنا ولكن كان يوما عبقريا ذلك اليوم الذي وجدت رسالتك التي لا تزيد عن سطر ونصف (أريد وقتا منك لإيصال هدية مني إليك) جلست أتأمل مغلفك الأول وأنا أسجل الرد في سطر واحد (أريد أن أراك أم تريد أن تحضر أشياءك قبل حضورك) مضى عام حين احتضنت هديتك الأولى.
هديتك.. بالصدفة وجدتها في هواء غرفتي كأنما هبطت من السقف وأتت مع الظلام مرت عيناي عليها وكأنني أهم بفتح رواية متخيلة أو أعبر نحو البحر عبر صحراء مرغمة على عبورها حافية.. قلت: منك السلام.. وعليك السلام.. صدمة المفقود الذي أتى بعد النسيان.. حين اقتربت منها ولمستها كانت شيئا.. عطرا وزهرا وشيئا يتفجر في الماء ليشعل الجسد عودا ومسكا..
هكذا تطلعت إلى هديتك دون أن أجرح غلافها أبقيتها مغلقة كما هي.. ولا تزال حتى اليوم مغلقة أخشى أن أقشع عنها ستائرها فتتناثر وتتضايم قطعها المتألقة.. أخشى أن تأخذ الريح عطرك مني فلا يعود.. أخاف أن أفرغه في ثيابي فينتهي فلا يعود في غرفتي بقايا عطرك هديتك التي ملأتني بأمنيات ما بين فسحة الحياة والموت.. حين أصحو وأنام.. بجانبي تنام.. بقربي حيث أنام وأصحو بعد النسيان لأقفز نحوها أتأملها، أتأمل أجزاءها وأقبلها كأنما أقبل يديك التي قادت خطاك في الظلام في المساء في الصمت المريب لتضعها فوق منضدتي بهدوء المشب في الليالي الماطرة.. لأصحو في الصباح وأجدها أمامي.. قلت بعد دقائق من الذهول.. عليك السلام.. ومنك السلام.. لم أفرح ولم تنتبني مشاعر وأنا أنظر إليها من بعد. مشاعري غادرت قلبي هدوء وحركة بطيئة أبحث فيها عن آثار أصابعك على غلافها عن آثار وطء أقدامك على السجاد لا شيء لا شيء.. نظرت إلى السقف وعبر منفذ الشباك لا شيء سوى شعور طاغ كأنما عندي علم مسبق بهديتك وكأنني رأيتها من قبل.. حملتها بحذر وأخفيتها في أدراجي وبقيت جامدة في مكاني.. مرت نصف ساعة وأنا على حالتي بعدها بدأت أستعيد لحظة وجود هديتك فضممتها إلى صدري وبكيت بكاء غريباً.. كنت أعتقد أنني في حلم وأن ما رأيته هو مجرد حلم وأنه من المحال أن تهدي لي هدية ما كنت لأصدق لو أقسم لي العالم كله بأنك ستقدم لي أنا هدية هي بكل هدايا الدنيا.. ولكنك قدمت وجلبتها بنفسك واخترتها بنفسك وبقدميك أحضرتها لي.. ما أجمل أن تصحو من صعقة عدم التصديق بأن حلما من أحلامك قد تحقق فيتجمهر في ظلمات جسدك آلاف المشاعر تجمهرا غير ملموس.. هو غفوة تشبه الموت ثم تصحو بنغزة الشك لترى أن كل شيء حقيقة وأن حبيبك هو حبيبك وأن في أحضانك هدية منه.. بذوقه باختياره وبيديه أنجز مهمته.. لم تكن هديتك فقط شيئا ثمينا يرضي حبيبتك بل كانت إنجازا متناقضا، فقد كانت بداخلك عشرات الهدايا مؤجلة وفي ظاهرك رغبة لإنجاز مهمة لإرضاء شيء في داخلك هي تجسيد حبك في شيء ما.. أما أنا فقد تقت منذ عرفتك لأن أرى فيك المغامر الذي أعشقه وزغردت فرحا بجسارتك وودت لو أصرخ لكل نساء الدنيا في تلك اللحظة.. أصرخ بكبرياء.. أنا التي من أجلها هاجر... وزجاجات العطر لي أنا ووروده النائمة في سريري ملكي قطفها من بساتين قلبه زهرة زهرة.. كنت أريد لو أحثو على رؤوس كل النساء التراب وأنا أضحك.. أنا قلبه لكن كل الصراخ ارتد إلى داخلي واكتفيت بكلمات شكر بسيطة إليك.. اكتفيت بأن أحمل هديتك وأضعها قرب سريري كأثمن ما حصلت عليه في حياتي.. ولكن لتعرف أنني لا لا أريد سوى كل شيء.. كل شيء أريد.. أنت مع عطرك.. عطرك حبر رواية تحكي لهذا العالم كيف أن العطر أتى قبل صاحبه.. أريد أن أراك حتى أقشع ستائر عطرك وأطلقه من أسر غلافه.. ليكون عنوان الرواية (عطرك علمني) لتأتي كما تأتي الحروف صفا إلى صف لتؤلف كلمة (أحبك) ولتفك معي غلاف العطر لنسكبه معا في محبرة الجسد المتقن بعقلك الذي سجل العنوان قبل الرواية وأرسل الحبر قبل القلم.. وسجل الحرف قبل الصوت.. ووشم روائحنا دون أن يرانا.. ورسم اللوحة الكاملة دون موعد مسبق.. تعال فأنا لاأريد أن أمتلكك بل لأبقى معك .
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved