الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

قصيدة (الوطن) في شعر بعض شعراء عسير

*علي فايع الألمعي:
لاتوجد معالم مشتركة يمكنها أن تميّز القصيدة العسيريّة لكنّ هناك تجانسًا واضحًا في المناهل التي يغترف منها جلّ الشّعراء العسيرييّن على اعتبار أنّ الثّقافة لاتبتعد عن الإعجاب الشّديد بشعراء معيّنين لدرجة الانصهار في كثير من كتاباتهم الشّعريّة, والتّقليد غير المبتدع, لكنّ الشيء الذي يمكن أن نأخذه على القصيدة العسيريّة الوطنيّة منها أو غير الوطنيّة أنّها لم تكن قادرة على تحويل النّصّ الشّعريّ إلى هدف يمكن أن يكوّن لدى الشّاعر عاطفةً أو فكرةً أوفنّاً, والسّبب أنّ الشّاعر العسيريّ لم يكن قادراً على إثبات تميّزه, ووعيه في اختيار اللغة والأسلوب والموسيقى, والتّصوير, فهو لم يكن يشعر بحاجة الشّعر إلى أن (يشيّد بناءه الفنّي في عالم التّفرّد والخصوصيّة) ولأنّ سياحة تأمليّة في الصّورة الشّعريّة عند جلّ شعراء عسير يمكنها أن تؤكّد تلقائيّة الصّورة بل وغرابتها أيضاً - لدى الشّعراء العسيريين عندما تقتحم نصّاً شعريّاً.
فالصورة في مفهومها: (لاتلبس قناعاً واحداً, وإنما ترفد القصيدة من زوايا متعددة وتتعامل مع نسجها في صور مختلفة, فهي أحياناً تأخذ شكل اللقطات السريعة المتعاقبة, وأحياناً تأخذ شكل الجزئيّة الهادئة الأنفاس والتي تتوازى فيما بينها أو تتقاطع أوتتقابل, ولكنها تتحرك جميعاً نحو غاية واحدة (ولأنّ مفهوم الصّورة لدى بعض شعراء عسير ظلّ مرهوناً ببعض القناعات, فقد بقي حضورها في جلّ قصائد شعراء عسير الوطنيّة خجولاً, إذ لم تتجاوز الأبيات - التي تأخذ فيها الصّورة الشّعريّة أكثر من شكل, وأكثر من حركة - نماذج يسيرة لايمكن أن تكون هي كلّ طاقة الشّعراء في استهلاك الفكر, واستحلاب المقدرة الشّعريّة, حيث يفتتح تلك الصّور التي تأخذ الأنثى محوراً لها تحيط به ملموسات المكان (محمد زايد) في قصيدته (طفلة الكلمات) إذ يقول:
أديرك كأس أمالي وعشقي
وأرسم في جبينك لي محلاّ
وكذلك:

فصبّي من دمائك في دمائي

فهذا الحبّ من دمنا تدلّى

فيما يلمس علي آل عمر عسيري شيئاً من جمالها:

شمّاء ثغرها يقبّل القمر
وعينها لكلّ عاشق لها بصر

وهي تأخذ مع المكان شكل الحوار:
وداعة الحياة فيك تسلب الغريب غربته يحسّ بالهدوء ويشطب الهموم من دفاتر المراجعة ويحمل الحياة في إناء ويحتوي الجمال في إطار ويحتسي السّعادة التي أعددتها شراب كل القادمين.

إلاّ أنّها لاتخلو من تقليد, فهي تظهر دون أن يكون لها تأثير في بناء النّصّ إذ هي صورة مألوفة لاتتجاوز في معانيها الرّقص والسّحر والنّور والصّبح الذي شكّل صورة الشّاعر دون ابتكار يذكر:

والسّحر حولي راقص
والنّور يلثم زهرتي
والصّبح أقبل ناعسا
متعثّراً في بردتي

إلاّ أنّ محاولة إشراك المكان في استحضار الصّورة يبدو واضحاً لدى (إبراهيم طالع) في قصيدته (تهامة) حينما أثارت خصوبة المكان ثراء الصّورة, بقوله:

تعاشَقَ خصبُها حتّى تمنّت

ترائبها عن الصّدر انفصالا

وهي لا تخلو من تكلّف واضح عند(محمد الزيداني) في قصيدته (ألمع) حينما أراد تجميلها, لكنّه حمّلها مالم تكن تحتمل:

مغناك أغناه عمّا ليس عنه غنى
فقمت ِمنه مقام الشّمس للقمر
إلاّ أنّ أكثر الأشياء التي يمكن أن تشكّل عبئاً على القصيدة الشّعريّة العسيريّة هو أنّها لم تتقدّم باتّجاه القصيدة العربيّة, إذ بقيت تراوح في حدود المكان دون أن يكون لها تلك الأبعاد والزّوايا التي سبقتها القصيدة العربيّة واقتحمتها, فلم تستفد كثيراً من تعدّد الأصوات في القصيدة الشعريّة, كما أنّها بقيت دون اختبار قدرتها على استحضار الشّخصيّات التاريخية, وهي تجافي الرّمز, وتغيب عنها الأسطورة, فهي تفقد أهمّ الملامح المشتركة في القصيدة العربيّة الحديثة.
كما أنّ غياب الحوار كملمح جمالي والقصّ والدّراما عن القصيدة الوطنيّة العسيريّة أفقدها كثيراً من وهجها, كما أضعف قدرتها على التّواصل مع القارئ والمتذوّق.
وتبقى القضيّة الأهمّ التي يجب أن نبني عليها تأثير القصيدة هي ثقافة الشّاعر التي نؤكّد - هنا - حاجة بعض شعراء عسير إلى اطّلاع يمكنه أن يخلق في القصيدة استثارة القارئ ومعرفته, فالقيمة الجماليّة في الشّعر - اليوم - لم تعد في المباشرة والوضوح على سبيل المثال, ولا في الصّورة الباردة التي لاحياة فيها, ولافي المفردة الشّعريّة الّتي استخدمها الآخرون في شعرهم, لكنّها تختبئ في الزّوايا والأحداث وفي أعطاف الحياة, بيد أنّها تحتاج إلى شاعر متمرّس يعثر عليها.
فالثقافه التي نلحظها في جلّ القصائد الوطنيّة التي قرأناها لاتكاد تلمّ بثقافة المكان, فكيف بها وهي تحتاج إلى أن تلمّ بحاجة الشّاعر الجادّة في تطوير الأداة الشعرية, والتغلغل في تجارب شعراء آخرين كانت قدراتهم الاستيعابية تفوق كثيراً قدرات من ظلّوا يعزفون على أوتار اللغة التي قعّدوها والمفردات الشعرية التي ظنّوا أنهم ورّثوها؟.
فالقارئ لايمكن أن يغضّ الطرف عن كثير من العيوب الشعرية التي لايمكن أن تخفى على فطنة متذوّق الشّعر, وتلك نردّها إلى إصرار بعض الشعراء على سهولة القصيدة دون النظر على أنها (محصلة لاستنفار قوى وطاقات كامنة تصهرها القدرة الشاعرة ؛لتعطي لوجودها سعة تتجاوز بها الطاقة المحدودة إلى الآفاق التي تبلغها الكلمة).
وهي أمور يفتقد إليها بعض شعراء عسير الذين يقفون عاجزين أمام اللغة الشعرية المميّزة عن لغة الخطاب العادي, فالحداثة الشعرية كما يُعرّفها (عالي القرشي) هي (المتغيرات الواعية التي تتحرك بالحاضر والماضي في العملية الشعرية إلى أفق العصر).
وهي تحتاج - أيضاً - إلى إعادة فهم النصّ الشّعري, والقصيدة الشّعريّة التي يراها - إليوت - تعني (إرساء التقاليد الأدبيّة التي تساعد الموهبة الأدبيّة الفرديّة على الانطلاق بأسلوب منظّم ومنهج علمي, بحيث يرتكز الأديب والشاعر على خلفيّة عريضة من التقاليد وبذلك يقيم عمله على أساس صلب).
إلاّ أنّها تقاليد نراها قد غابت عند جلّ شعراء عسير الذين فهموا الشّعر فهماً مختلفاً حتّى غدا مفهوم الشّعر عند بعضهم مجرّد صفّ كلمات يمكنها بشيء من الفهم العروضي تحريك الكلمات حتّى تبدو في صورة بيتٍ شعريّ.
ولأنّنا مازلنا نؤكّد موت القصيدة في نفوسنا, فقد بقي لزاماً علينا أن نعي أنّ القصيدة الشّعريّة تعني: (الاختيار الواعي لمفردات اللغة وأبعادها وأثر المجرّدات في العاطفة والخيال, والمسبر الفنيّ للبحث عن علاقة الشاعر الفنان بتراثه, ومجتمعه وفنّه ولغته المتراكمة في تحفّز للميلاد المنظّم).
ولأنّها كذلك فقد بدت في بعض قصائد العسيرييّن منفصلة عن عالم الشّاعر الذي بدا وكأنّه عالم تقليديّ لم تؤثّر فيه معاناة الماضي, وترف الحاضر, وغياب تحوّلات المجتمع من معالم ساكنة إلى عوالم متحرّكة تحضر فيها الحياة المختلفة, وتغيب فيها كثير من المعوقات الاجتماعيّة فالمكان لم يكن هو المكان, والقصيدة لم تكن هي - أيضاً (عالم الشّاعر الذي يقيم فيه المودّة التي افتقدها في عالم الواقع, فيجعل كلّ كلمة بإزاء صديقتها, ويجعل من الألفاظ بنياناً تامّ الخلقة, وثيق الترتيب) فقد بَعُد العسيريون في جلّ قصائدهم عن مفاهيم الشّعر وظلّوا متمسّكين بشيء منه.

af1391@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved