الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

مجالس الأندية الأدبية... أحاول أن أفهم!!

*د. صالح زيَّاد:
تزامن بدء وزارة الثقافة والإعلام في إعادة تشكيل مجالس الأندية الأدبية الكبرى، مع ما تركته صدامية الفعاليات الثقافية في معرض الرياض الدولي للكتاب من شعور بالاحتقان والتحزب والتضاد، ومن غياب لشروط الحوار وأخلاقياته التي تستدعي الحس المسؤول وترتفع عن الاستقواء بسلطة الجمهور المتحزب أو بالمرجعيات الرسمية.
بدت المواجهة بمثابة الاتهام المتبادل صراحة أو ضمناً، وترام إلى المحاسبة والاقتصاص.
وبدت مقتضيات الفردية، بوصفها محكاً للحرية والمسؤولية التي تتحقق بها الصفة الإنسانية فضلاً عن الفكرية أو الإبداعية، محاصرة بدواع من قبيل الاستصغار وعدم بلوغ سن الرشد والتمييز، أو استبطان مقاصد تخريبية هدَّامة.
هناك من قال: لقد توقعوا ذلك التلميذ الصامت المطاطئ أبداً!!
وهناك من قال: لقد تكلمتم وكتبتم كثيراً فاستمعوا منا قليلاً يرحمكم الله!!
آخرون لم يروا للمصادمة سبباً سوى أسماء ونوعية المدعوين للحديث والمحاضرة، وغيرهم رأى أن القضايا المطروحة للحديث لها طبيعة إشكالية وسخونة آنية أفرزتها المرحلة بتصادم بناها وتياراتها!!
وفي كل ذلك يمكن أن نلمس قوة تتحرك سلطتها خلف المتحدث وبشكل يوتِّر حديثه إلى الحد الذي بلغته المواجهة والصدام في تجليات محددة بموضوعها وبوجهة نظر أحادية نحوها لا تقبل الاختلاف.
هذه الصدامية التي كشف معرض الكتاب عن عنفها ألقت وتلقي بظلها -بطبيعة الحال- على تعيين الوزارة أعضاء مجالس إدارة نوادي الرياض ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية وجدة، على التوالي.. فكان السؤال: هل كان من الممكن أن تحتضن النوادي الأدبية الدراسات والآراء والمناقشات حول تلك القضايا؟!
ولماذا لم نكن نتوقع صدى أو أثراً لو قام أحد النوادي بمبادرة ما في هذا الصدد؟!
هل هي القناعة مسبقاً بما تحتويه الأندية في شكلها الشائخ من وجهة نظر جاهزة وغياب للحياد والموضوعية أو رغبة في الطمأنينة والسلام؟!
إذن، أي نور يمكن أن تضيئه تلك الأندية؟!
جاء التعيين لمجالس الأندية الأدبية تلك ليلقي سؤالاً معضلاً تجاه المعنى الذي تترامى الوزارة إليه.
فعلى الرغم مما يمكن أن يلحظه المراقب لساحة الثقافة السعودية من تمثيل معظم الأسماء التي اختارتها الوزارة للكفاءة الثقافية والأكاديمية في أفضل مستوياتها، وفي اتجاهات واختصاصات متنوعة لا تقتصر على الحداثة دون التراث، ولا على الشعر دون السرد، ولا على النقد دون الدراسات الفكرية والتاريخية والاجتماعية - فإن طبيعة التعيين ذاتها - كما يمكن أن نفهم للوهلة الأولى - تعني الفرض والاضطرار، ومن ثم تكرس الوزارة ما تسعى - بلسان الحال والمقال - إلى تحاشيه وتجاوزه من قيم الوصاية والحجر والإقصاء.
كان مبرر الوزارة المعلن أنه لا يوجد للأندية جمعيات عمومية يمكن أن يوكل إليها أمر الترشيح والانتخاب، ومن ثم فإن المهمة المرحلية لمجالس الأندية المعينة لمدة أربع سنوات هي تشكيل جمعية عمومية.
لماذا لم تشكِّل الإدارات القائمة في ثلاثين عاماً جمعيات عمومية؟! هل -حقاً- تخلو كل الأندية من الجمعيات العمومية؟! وماذا عن سجلات العضوية في الأندية؟! هل نحن في حاجة إلى مدة أربع سنوات من أجل تشكيل جمعية عمومية؟! من سيحدد شروط العضوية في هذه الجمعية؟! وما هذه الشروط؟! ألم يكن من المناسب أن تعين الوزارة جمعية عمومية مما اجتمع لديها من أسماء وأن تكل لها مهمة انتخاب مجلس إدارة؟!
هذه الأسئلة -إن نحن اصطحبناها في سياق التغيير الذي عمدت إليه الوزارة- تكشف دون شك عن إرادة التأسيس الجذري -تقريباً- لوعي واضح ومحدد بماهية الأندية الأدبية وطبيعة المهمات التي تنهض بها والأهداف التي يراد منها تحقيقها في إطار وطني على درجة عالية من الحساسية للحظته التاريخية.
إنها الرغبة -كما ألمس- في استبدال المعرفي بالإيديولوجي، والاعتدال بالتطرف، والتسامح بالتعصب، والموهبة والقدرة بالادعاء والضآلة.
لكن السؤال يبقى -أيضاً- كيف؟! هل فشلت النوادي القائمة في تحقيق أي مكتسب أو إنجاز؟! علينا أن نعي التصور النخبوي للفعل الثقافي الذي يبدو في وجهة الوزارة تلك.
وهو تصور متصل بالرغبة في توجيه الثقافة وجهة التنوير والكشف، والتمكين لها في ممارسة دور تنموي يوسع من أفق الوعي بذاتنا ويجسر فجوة الزمن التاريخي مع العالم، ويتجاوب مع ما بلغته المعرفة الإنسانية وما تطور إليه الوعي المواكب لثورة المعلومات والاتصال. الثقافة، هنا، فعل وعي ومعرفة بقدر ما هو فعل كينونة وموقف. وهو في الحالين حساسية بزمن مختلف.
التغيير، مطلقاً، وعي بحركة الزمن، وتجسيد لها، فإذا أضيف إليه طابع نوعي يأخذ زاوية الرؤية من اللحظة المعاصرة كان هذا التغيير وعياً بالمستقبل، ووعداً به.
لكننا، ونحن نزعم أن الدفاع عن وجهة المستقبل وتبنيها هو قدرنا المحتوم إن نحن قررنا الرغبة في الحياة والمنافسة عليها، فإن الخشية من تضاؤل الوعي النقدي تجاه أي وجهة، سيؤول بفعلنا الثقافي إلى ألفة مع عناصر الثبات والجمود، وإن جاءت، هذه المرة، من وجهة المستقبل. وهذا يلقي أمام الوزارة سؤال التأسيس لوعي النقد لا من حيث هو فكر وإبداع فقط، بل من حيث هو تعلق حواري بين مكونات الجماعة الوطنية، يحيل -دوماً- إلى صورة للحقيقة تتصل بالنسبية لا بالإطلاق وبالتداول لا بالانغلاق، وصولاً إلى تلك الفاعلية التي تتجاوز العقل المتمركز حول الذات وتتجاوز العقل الشمولي المنغلق الذي يدعي أنه يتضمن كل شيء.
لقد استنفدت الأندية الأدبية معناها ووظيفتها، هذا ما ينبغي أن نعيه في لحظة التغيير تلك. ونحن -إذن- إزاء وظيفة جديدة ومعنى مختلف لإنتاج كينونة ثقافية على قدر من الاتساع والانفساح الذي تبصر به ذاتنا ذاتها في ضوء المرحلة. ودون هذا الفهم سنظل ننتج نسخاً مكررة لمؤسسات شائخة وعقيمة ولا ضرورة لها أبداً.


Zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved