الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

المثقفون السعوديون يرسمون أدوارهم
*إعداد - أحمد صالح الهلال:
قد يتساءل الكثير: ماذا تصنع الكلمة وماذا تغير؟ وهل المثقف - سواء كان متعاطياً للنثر أو الشعر أو أي من الفنون - يمكن أن يغير حالة أمة أو حتى محيطاً ضيقاً مِنْ حوله؟
يخطئ مَنْ يتصور أن المثقف بيده عصا سحرية لمعالجة إشكالية ما في مجتمعه بمجرد الكتابة عنها، قد يقول: البعض إن هذا الكلام ضد المثقف ويضع علامة استفهام كبرى على دوره، ونحن نقول: هناك أزمة مفهوم بين المثقف ودوره، ولأن ما يعنينا في هذه العجالة هو الدور الحقيقي للمثقف السعودي ومستقبلة أثرنا هذا السؤال على عدد مع المثقفين السعوديين فكانت الإجابة التالية:
***
المثقف وسؤال الهوية؟!

أجاب الدكتور سعد البازعي على التساؤل قائلاً: لا أدري إن كان هناك جديد يمكن أن يُقال عن المثقف في المملكة، فالأساسيات واضحة أو ينبغي أن تكون واضحة لكثرة ما قيل حول الموضوع، لذا أحسب أنني هنا لا أعدو أن أذكر بنقاط أساسية تتمثل في الآتي.. أولاً المثقف في المملكة لا يختلف في سماته العامة أو في مشكلاته أو طموحاته عن أي مثقف في العالم العربي الإسلامي، وعلى مستوى أوسع في العالم الثالث والنامي، ولكن ينبغي قبل الخوض في أي من هذه القضايا أن نقول إنه على الرغم من هذه السمات العامة المشتركة، فإن من الصعب الحديث عن مثقف، وإنما عن مثقفين أو عن شرائح مختلفة، السمات العامة الموجودة لا تلغي وجود أطياف ضمن إطار تلك السمات العامة ولعلي أبدأ بتلك السمات العامة فأقول إن المثقف أياً كان طيفه يواجه مشكلات تتعلق بهويته وانتمائه في ظل أوضاع تهدد انتمائه، ولعل أوضح تلك الأوضاع مؤثرات العولمة حيث تهجم ثقافات مختلفة تؤثر في النسج الثقافي والاجتماعي ويشعر المثقف بأنه مطالب بتحديد ليس هويته فحسب وإنما موقفه منها إزاء تلك المؤثرات، من ناحية أخرى هناك الأوضاع السياسية والاقتصادية المحلية المحبطة للكثيرين، سواء تمثلت في ضعف وازع الإصلاح أو البطالة أو الكبت الاجتماعي بصوره المختلفة أو التخلف الثقافي من أمية وغيرها، هذه كلها قواسم مشتركة يوجهها كل من امتلك نصيباً جيداً من الثقافة العامة مع حس وطني وثقافي يدفعه لاتخاذ موقف مما يحيط به إلى جانب هذه القواسم لاشك أن المثقف في المملكة يواجه أوضاعاً خاصة أو محلية قد لا توجد بنفس القدر في أماكن أخرى، لكن موقفه منها يختلف باختلاف انتمائه وقد أفرزت الساحة الثقافية والاجتماعية في السنوات الأخيرة صوراً متعددةً للمثقف السعودي، فمن مثقف محافظ إلى آخر متشدد إلى مثقف ليبرالي أو منفتح على التغير، غير أن سمة المحافظة التي تكاد تسم الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في المملكة تترك ظلالها على المثقفين بغض النظر على انتمائهم وتربطهم بواقع ومستقبل واحد تقريباً، فالنتاج الثقافي على اختلاف أطيافه متأثر بتلك الأوضاع سواء بنقدها أو قبولها، هذه هي الصورة كما تبدو لي على عجل وهي صورة تحتاج إلى المزيد من التحليل والتأمل كيما نصل إلى فهم أوضح.
***
حاملو الأقلام الحمراء..!!
وترى الأستاذة فاطمة العتيبي أن:
* المثقف السعودي يشي ببعض الفأل أو قل أكثره والمؤشرات متعددة؛ فوكالة مستقلة بوزارة الثقافة والإعلام للثقافة، وإجازات تصل إلى شهر للأدباء والمثقفين للمشاركة وحضور الأنشطة والمؤتمرات.
* حوارات وطنية فيها مساحة لا بأس بها من المصارحة.
* حيوية ونشاط عند كتّاب الرواية وتماس الأدب مع واقع المجتمع.
* يحتاج المثقف السعودي لأبعد من هذا بالتأكيد.. يحتاج كثيراً لأن يخرج من دوامة كدحه اليومي وعراكه مع البحث عن سرير في مستشفى ومخاوفه من الآتي حتى يجد مساحة واسعة من الأمان كي يبدع ويفكر ويقول كلمته ويمضي.
* يحتاج المثقف السعودي إلى حرية كلمة يقولها ويتحمل مسؤولياتها في شعره في كتاباته في آرائه المنطوقة والمكتوبة.
* لا بد أن يكون المثقف قد أهّل نفسه جيداً كي يكون نبتاً إيجابياً مثمراً وليس نبتاً شيطانياً يحارب نفسه والآخرين.
* نريد حرية كلمة ولكن نريد مسؤولية ذاتية تتجذر عند المثقف ووعيه بمستقبل المجتمع وليس مستقبل الفرد.
* وللمثقف دور كبير ولكن على مؤسسات المجتمع المدني أن تهيئ له الفرصة ليحدث الحراك الإيجابي في مجتمعه.
لا بد أن يتطور الخطاب الديني ويقبل بوجود خطاب ثقافي مواز له ولا يشعر الاثنان بالتقاطع والتضاد حتى يتحرك المجتمع باتجاه الخطوط الأمامية.
* المثقف يحتاج لأن يكتب ويقول رأيه بحرية دون أن تعد له أقلام المتربصين، حتى تعود الكلمات المغادرة وحتى نقرأ ما نكتب لا بد أن تكون الأنفس صافية ولا بد أن يكتب المثقف وقراؤه من المحبين له المقوّمين له إن أخطأ المشجعين له إن أصاب، كل هذا بفلك آمن لا يخشى راكبوه خرق السفينة واعتقال الكلمة وحبسها هو خنق للحراك والتحديث والتطوير، ولنا في مثقفي العصور الإسلامية المتقدّمة أسوة حسنة فقد كتبوا واختلفوا ولكنهم لم يحاصروا بالرقباء وحاملي الأقلام الحمراء!
***
مستقبل المثقف
وقال الدكتور أحمد اللويمي: ما هو (المثقف) ومن أين جاء ليستحق أن يملأ الفضاء بكل هذا الدوي؟ ولماذا كل هذا الضجيج بحثاً عن دور أو حضور؟ تساؤلات تُطرح بين الفينة والأخرى فيرد صداها للمثقف فيعتصر ألماً من هذا الاستفهام حول ماهيته، من يقف وراء ضبابية ماهية المثقف في مجتمع وجود المثقف فيه طارئ، أفرزته تطورات العقود الماضية والتحولات المستجدة، إن تقوقع المثقف في خطاب سريالي يرسم فيه عالماً وردياً زاد من ضبابية ماهيته وعزلته في مجتمع أراد أن يحدث فيه تحوُّل كلمح البصر.
مستقبل المثقف في لعب دور اجتماعي محوري ينقل المجتمع من مرحلة وعي التخلُّف إلى إزالة ومحو أنقاضه وإرساء كل ما يحلم به من قواعد وسنن التقدم يزداد تحدياً ويتعاظم إلحاحاً في ظل هذا الزحام والضجيج الذي تثيره فضائيات الإسفاف وثقافة اللهو والانحراف والإغراق في اللا أدري فليس دور المثقف أن يكون خطيب النخبة فقط وأن لا ينحصر في ما يرنو إليه ارتقاء مقام خطيب الجمهور المفوه، إن مستقبل المثقف يكمن في أن يحدد ماهيته ويرسم دوره ويحدد عنوانه ويحتل موقعه، وذلك يستلزم أن يتخلّص المثقف من روح الفردية وشعوره بالتفوق والفوقية وحصانته عنه، ففي هذا يكمن ما يعاني منه هذا التشرذم والنفوق غير المحدود في مجهوده الفكري، والمثقف في بناء مستقبله لا بد من الحركة عبر مؤسسات ثقافية واضحة المعالم، محددة الأهداف
قوية البنية توظِّف ما استجد ويستجد من أدوات التّواصل، وفوق هذا وذاك تمتن حضوره وتجسر أواصره مع طبقات المجتمع المختلفة من خلال تخفيف الطلاسم والشفرات في خطابه النخبوي.
***
مثقفو المياه الراكدة
وتساءلت الأستاذة ليلى الأحيدب: بدءاً.. من هو المثقف؟ هل هو الكاتب؟.. الصحفي..؟ الإعلامي..؟ أستاد الجامعة؟ الفنان؟
أعتدنا أن نطلق كلمة مثقف على الكتاب بشكل عام، ولأن لهذه الكلمة تعريفات عديدة، فسأقتصر على الذين ينتسبون لعالم الكلمة سواء أكانوا يمثلون هذا العالم أو ممن فرضوا عليه!!
ولأن الكلمة أمانة قد تكون لك وقد تكون عليك، فعلينا أن نكتبها كما ينبغي لها أن تكتب، على المثقف أن يفكر بصوت مسموع، أن يفكر بشكل جيد، أن يرى بشكل جيد، وأن يتخلص من فكر القطيع الذي يرى دائماً ما يُراد له أن يراه!! على المثقف أن يكون رؤيته الخاصة التي لا تتأثر بالمياه المتدفقة من حوله!!
هل عليه أن يكون عكس التيار؟
ربما؟ وربما عليه أن يختار! وأن يقرر! أما أن يعجبه هذا التيار أو لا يعجبه! وعليه أن يكون واضحاً في ذلك!!
أما مثقفو المياه الراكدة، الذين يمشون مع التيار دائماً أينما اتجه!! متهادنين مع الجميع!! أصدقاء للجميع!! الذين يكتبون ما لا يفعلون! ويعلنون ما لا يبطنون! أؤلئك هم من يستغلون الكلمة في رسم صورة مزيفة لمثقف غير موجود!! مثقف ورقي!! هش! قابل للدهس بالأرجل!! وللأسف أن بعض هؤلاء المثقفين الورقيين هم مَنْ يعطي لواجهة الكتابة هذا الغباء الكثيف من الزيف والنفاق والسير بوجهين!!
هم من يجعل الحياة أكثر زيفاً وضبابيةً مما هي عليه حقيقة!!
على المثقف الحقيقي أياً كان موقعه، أن يعرف تماماً أن الكلمة موقف حقيقي من الحياة!! قد تأتي الكلمة مراوغة أحياناً لاعتبارات عدة.. لكنها تبقى كلمة حقيقية من يقرؤها جيداً يدرك أنها صادقة.
وهذا هو صراع المثقف الحقيقي، أن يقول ما عليه قوله لا ما يفترض له أن يقوله!! كيف يقوله؟ ومتى؟ هنا تكمن أزمته كمثقف!
عل المثقف أن يرى أبعد مما يرى العامة، أن يتلمس الطريق في أقصى درجات الظلمة، وأن يرسم لهذا الطريق معالم واضحة مَنْ يقرؤها يعرف أن مثقفاً حقيقياً مر من هنا.. عندها ربما يقرأه الآخرون ويقتنعون أنه مثقف حقيقي!!
***
ملف المرأة
القاصة أميمة الخميس أجابت:سؤالك عن مستقبل المثقف السعودي، هو سؤال كبير بحاجة إلى فريق من العرافين لمقاربته، إضافة إلى ضبابية التفسير اللغوي لمعنى مثقف واتساعه ليحتوي العديد من الفئات، ولكن يمكننا مقاربة هذا السؤال على اعتبار أن المثقف هو المهتم بالشأن العام والذي يمتلك من الخلفية المعرفية الواسعة، التي تؤهلة لاستشراف رؤية مستقبلية ذات أفق واسع وكبير..
وعموماً المثقف على المستوى المحلي لم يكن فاعلاً بالدرجة المطلوبة، لاسيما وأن الإرث التاريخي المعد له والذي يبني على تراكمه المعرفي كان يؤهله دوما لدور (النديم في البلاط).. عندها تصبح عملية صنع وتخليق مسارات أخرى جديدة وحيوية من الممكن أن يسير بها المثقف عملة صعبة نوعاً ما وتحتوي على العديد من المفارقات والسدود التي تصبح تحديات حقيقية في مسيرة المثقف تعيقه عن أداء دوره المطلوب.. وعلى المستوى المحلي أحمل الآن كماً وافراً من التفاؤل لمستقبل المثقف السعودي، ويرجع هذا بالتأكيد إلى كون من يقوم على الثقافة ووزيرها لدينا، مثقفاً حقيقياً سواء على مستوى الوعي أو الأداء، إضافة على الكثير من النوافذ التي نراها تشرع اليوم واحدةً إثر الأخرى في هذا المجال، قد يكون أبرزها وأهمها الاستقالة الجماعية لنادي أدبي جدة وقبول الوزير للاستقالة، هذا الحراك الهادئ والحثيث في نفس الوقت بالتأكيد يعطينا مؤشرات واضحة على الكثير من الفاعليات الثقافية التي باتت تجد لها مساحة واسعة على أجندة المهتمين بالثقافة.
بقي هنا في هذا المجال (ملف المرأة) هو الملف المزعج المكهرب بجميع المحاذير والوصايا، والملف الذي يخشى الجميع مقاربته والتصدي له.. ولكن هذا لا يمنعنا من إشهار الحقائق المرة حول التغيب شبه الكامل للمرأة السعودية سواء على مستوى الحضور أو التمثيل وبالتالي انعدام فاعليتها الثقافية أو انحصارها في حدها الأدنى الراجع إلى نشاطها الشخصي، وقدرتها على الاتصال بالجهات الداعمة لها. ملف المرأة بات بحاجة إلى مراجعة حقيقية في وقت لم يعد فيه مساحة لتغيب المرأة وحجبها عن الفعل الثقافي والأدبي.
***
تقدير المثقف
علقت الأستاذة فوزية الجار الله قائلة: أبدأ بالشطر الثاني من السؤال وأود القول بأن كلمة مثقف لا تقتصر على الكاتب أو الأديب وإنما تمتد لتشمل المفكرين عامة أينما كانوا وحيثما كانت مجالاتهم.. كما تشمل بصور أدق كل من كان همّه الأول البحث عن الحقيقة لإصلاح نفسه أولاً ومن ثم المساهمة في أصلاح ما حوله قدر المستطاع.. المثقفون هم تلك النخبة الخاصة من المجتمع الأكثر إدراكا ووعيا والتي تسعى دائما إلى تنوير وتطوير المجتمع بشكل عام.. هذا هو الدور الحقيقي للمثقف، أما عن مستقبل هذا المثقف فمن الصعب التكهن بالمستقبل لكننا ومن خلال استقراء السنوات الماضية والزمن الحاضر يمكن أن نقول بأننا متفائلون بمستقبل أفضل ويتطلب هذا:
أولاً: دعم وتكريس حرية التعبير عن الرأي التي دعا إليها ديننا الإسلامي.. تلك الحرية تضمن له قدرة على التعبير عن رؤيته لما حوله بشكل أقوى وأكثر مصداقية.
ثانياً: تقدير المثقف ومنحه الوضع المناسب معنويا وماديا قدر الإمكان.
***
وعي المثقف السعودي
وقال الأستاذ زكي الميلاد: ليس هناك رؤية واضحة يمكن الجزم بها لمستقبل المثقف السعودي، خصوصاً وأن هذا النمط من التساؤلات يعد غائباً، أو لا يشكل هاجساً كبيراً في الكتابات التي ينتجها المثقف السعودي نفسه، وبالتالي فليست هناك كتابات يمكن العودة إليها في الكشف عن مستقبل المثقف السعودي، أو عن فكرة المستقبل في نظر المثقف السعودي.
ويمكن القول ان في السنوات الأخيرة تنامى في وعي المثقف السعودي أهمية أن يسجل حضوره الثقافي والأدبي على مستوى العالم العربي، بعد أن أخذ يستشعر غيابه عن المشهد الثقافي العربي العام، الغياب الذي انعدمت في نظر المثقف السعودي كل مبرراته، وتحول إلى ما يشبه نقداً للذات، وفي هذا النطاق جاءت تجربة مجلة النص الجديد التي حاولت أن تبرز مستوى التطور الجديد في الحركة الثقافية والأدبية السعودية، وفي هذا النطاق أيضاً، جاءت محاولات الكتاب السعوديين في نشر مؤلفاتهم وإبداعاتهم في خارج المملكة، والملاحظ أن هذا الزخم من الانفتاح والتواصل لم يحافظ على وتيرته الحيوية والمتصاعدة حيث حصلت فيها تراجعات، فقد توقفت تجربة النص الجديد في وقت مبكر، وأصبحت الأسماء اللامعة من المثقفين السعوديين التي تتواصل وتتابع في العالم العربي قليلة جداً.
كما أن المشهد الثقافي الوطني تمر عليه منذ سنوات حالة ركود بحيث إن المثقف يجد صعوبة في تحريك هذا المشهد، وبعث الروح فيه، وإعطائه قوة الدينامية المستدامة، فليست هناك حركة أفكار فاعلة في نطاق هذا المشهد، وليست هناك مؤسسات تعتبر فاعلة في هذا المشهد، وأكبر ضعف في هذا الجانب هو غياب الدور الثقافي للجامعات، الغياب الذي ينبغي النظر إليه بعمق شديد خصوصاً في هذه المرحلة تحديداً، بالإضافة إلى أن المشهد الثقافي نفسه بحاجة إلى ترميم وبناء الجسور بين أجزائه وأطرافه ومكوّناته، ليكون مشهداً ثقافياً متفاعلاً ومنفتحاً ومتواصلاً بين مختلف مكوّنات المجتمع السعودي.
والخلاصة أن مستقبل المثقف السعودي يرتبط بصورة أساسية ببناء وتفعيل وتطوير المؤسسات الثقافية الأهلية والحكومية، وفي هذا الجانب يتحدد دوره الحقيقي، أو أحد أهم أدواره الحقيقة.
***
المأمول للمثقف السعودي
الأستاذ محمد محفوظ أجاب قائلاً: ثمة قضايا وأمور يثيرها وضع المثقف السعودي إزاء التطورات والتحولات الكبرى التي تجري اليوم في المشهد الثقافي العالمي، وذلك لأن هذه التحولات والتطورات لا يمكن القبض على ناصيتها والاستفادة منها إلا بفاعلية نوعية يمارسها المثقف ويجترح من خلال آفاق المشهد سبلاً ووسائل جديدة لكي يمارس دوره سواء على صعيد صناعة الرأي والثقافة أو على صعيد المشاركة مع بقية شرائح المجتمع في تعزيز قوة الوطن وفي الدفاع عن الوطن والمجتمع إزاء المخاطر الكبرى التي تهدد الوطن والمجتمع.
وبإمكاننا تحديد الأدوار المأمولة للمثقف السعودي في هذه الحقبة من المرحلة الحساسة في النقاط التالية:
أولاً: صناعة المعرفة وصناعة التنوير: لا شك بأنه لا يمكن لنا كمجتمع أن نستجيب استجابة حضارية لتحديات المرحلة ولا يمكننا أن نستفيد من تطورات الساحة، ألا بوعي جديد وبثقافة جديدة تنقلنا على مستوى الوعي والإدراك، والمعرفة إلى مرحلة جديدة، ولا شك أن عطاء المثقف وإبداع المثقف هو أحد الجسور الهامة التي تنقلنا كمجتمع من ضفة ما هو قائم إلى ضفة ما ينبغي أن يكون، لذلك فإننا نعتقد إن من أهم الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المثقف في هذه الفترة هو دور صناعة المعرفة وصناعة التنوير القادرة على طرد حالة الجمود واليباس والتخشب الفكري والاجتماعي، وإدخال فاعلية اجتماعية وثقافية جديدة تجعلنا كمجتمع نتجاوز الكثير من نقاط الضعف، وتدخلنا هذه الفاعلية في مرحلة جديدة على صعيد الثقافة والمجتمع والتفاعل مع قضايا العصر.
ثانياً: الاشتراك مع شرائح المجتمع في الدفاع عن قضايا الوطن الكبرى: وهي لا يمكن للمثقف إزاء تلك التحديات والمخاطر التي تواجه الوطن والمجتمع، أن يبقى في برجه العاجي، والمطلوب منه أن ينخرط في شأن المجتمع وقضاياه وهمومه ويشترك مع بقية الفئات والشرائح في اجتراح المعجزة الوطنية الجديدة القادرة على صد أي خطر وعدوان من أي نوع يستهدف الوطن والمجتمع، والمثقف اليوم بحاجة إلى تطوير علاقاته الاجتماعية والثقافية مع بقية الفئات والشرائح ويصبح جزءا من النسيج الثقافي والاجتماعي العام، وذلك من أجل بناء وعي اجتماعي جديد يشترك فيه المثقف مع بقية الفئات والشرائح لتطوير المجتمع وتعزيز خياراته الحضارية الكبرى.
ثالثاً: التواصل الثقافي والفكري والحضاري مع منجزات العصر والحضارة الحديثة: لا يمكن للمثقف اليوم أن يعيش منعزلا عن رواسب الثقافة العالمية والإنسانية، وأي تلكؤ من المثقف الوطني وأي انكفاء عن رواسب الثقافة الإنسانية، فهذا يعني أن هنالك خسائر جمة وكبرى ستصيب المجتمع، وستصيب النخبة الثقافية الوطنية. المطلوب اليوم أن يساهم المثقف السعودي في التفاعل والتواصل مع كل الثقافات الإنسانية والمنجزات الحضارية، وذلك ليس من أجل الانبهار بها فقط، وإنما من أجل استيعاب القيم الكبرى التي أوصلت المجتمعات الغربية والحضارية إلى ما وصلت إليها، ومحاولة امتصاص الجذور القيمية التي ساهمت بشكل أو بآخر بنقل تلك المجتمعات من حالة الجمود والتأخر والانحطاط إلى حالة التفاعل والحضارة والمشاركة بالشأن العام. نحن معنيون كمثقفين من أن ننخرط بشكل طوعي في قضايا العصر ونتفاعل على نحو إيجابي مع مكاسب الحضارة.
أعتقد أن هذه من أهم الأدوار التي يجب أن يقوم بها المثقف إزاء الظروف المصيرية والعصبية التي نعيشها على أكثر من صعيد وعلى أكثر من مستوى ودون إلزام المثقف بهذه الأدوار سيبقى المثقف يعيش وضعا هامشيا عن حالة التأثير الحقيقي في مسار الحياة الاجتماعية المعاصرة، فمن أجل أن يعيش المثقف دوره المطلوب منه، ومن أجل أن يدخل المثقف في حركة التاريخ هو بحاجة أن يلتزم بهذه الأدوار وينفتح على كل القضايا التي تعزز دوره ووظيفته في الشأن والمشهد الثقافي الوطني والدولي.
***
العملية الانتخابية
وأخيراً علّق الدكتور زهير كتبي قائلاً: أثار تصريحي الذي نشر بجريدة الندوة يوم الاثنين 13-2-1427هـ بعددها (14401) صفحة (15) وكذلك التصريح الثاني الإصراري والتأكيدي على موقفي من عضويتي بالنادي الأدبي، الذي نشر بنفس الجريدة يوم الخميس 16-2- 1427هـ ضجة كبيرة وخلق مجموعة من التساؤلات التي تتطلب توضيحات عاجلة. باعتبار أن المجتمع لم يألف هذا النوع من التصريحات الصريحة والجريئة، التي سميتها.. (الحقوق المشروعة).. ومعروف عن الإنسان المثقف أنه رجل طموح وصاحب تطلعات وقدرات فائقة وخيال خصب وواسع في الابتكارات الثقافية والإثارات الأدبية، والأفكار الجديدة والجيدة المستوحاة والمنتقاة من فقه الواقع المعاصر. وهكذا أنا، فسألني أحدهم ما هي خلفية هذا التصريح فذكرت له قائلاً: والله لقد صدمت صدمة عنيفة وشديدة وقعت عليَّ كوقوع الزلزال العنيف عندما تسرعت وتعجلت وزارة الثقافة والإعلام لتعيين أعضاء مجلس إدارة لنادي مكة الثقافي. لأن السؤال الكبير هو: ما هي المعايير والأسس العلمية والموضوعية والواقعية التي تم وضعها لاختيار هؤلاء الأعضاء المحترمين، لا بد من معرفتها للجميع حتى نستطيع أن نصمت ونسلم الراية لوزارة الثقافة والإعلام. وذكرت له قائلاً: مع احترامي الكبير لكل الأعضاء المعينين ولهم احترامي وتقديري الشديدين، ولكن كنت أتمنى أن يتم اختيار أعضاء مجلس إدارة النادي عن طريق.. (العملية الانتخابية).. ونحن في زمن الشفافية. في الوقت الذي تمارس الانتخابات في المجالس البلدية والغرف التجارية وبعض الجمعيات والهيئات مثل هيئة الصحافيين وعلوم العمران والجمعية الجغرافية والهندسة وغيرها.
محرومون نحن أهل الثقافة والأدب من ممارسة أدنى حقوقنا المشروعة. فماذا أُبقي لنا بعد أن سلبت حقوقنا من حق الترشيح لعضوية النادي الأدبي والثقافي. فإلى من نتجه؟
وأعرف جيداً ما قلته، إن هذا حقي المشروع في عضوية النادي بل تولي منصب الرئاسة، لأن وظيفة رئيس النادي ليس منصباً عاماً أو فيه منصب ولاية كما يعتقد الكثير، بل هو مهني مثل نقابة الأطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة والمعلمين وغيرها. أريد أن أعرف لماذا.. (أُقصي زهير كتبي)..؟! أو لماذا لم يتم اختياري ضمن هذه المجموعة؟!.. أو لماذا لم أخترْ؟ أما.. (إقصائي).. و.. (إبعادي).. و.. (حذفي).. بدون ذكر المبررات.. وشرح التوضيحات فهو أمر بالحقيقة والواقع يثير الريبة والشك.
أتألم وبشدة لأنني خدمت الحركة الأدبية والثقافية والصحافية في وطني. وسقف خدمتي عالٍ وشاهق ورصيدي كبير ومليء بالإنجازات والتضحيات. فأنا اعتبر أحق واحد بهذه العضوية لأسباب كثيرة أهمها أنني شاركت شخصياً مع سيدي الكبير سعادة الأديب والمفكر الكبير الشيخ إبراهيم أمين فودة - رحمه الله - في تأسيس وبناء هذا النادي ابتداءً من إعلان تأسيسه واختيار مقر له في أم الجود في فيلا الأستاذ عبدالسلام الساسي الأديب المعروف. وشارك معي أخي وصديقي الأستاذ الأديب عبدالله إبراهيم رجب - رفع الله عنه وشفاه - ومعنا الأساتذة الكبار: عبدالسلام الساسي، وعبدالكريم نيازي، ويحيى كتوعة، ومحمد بن شاهين وغيرهم ممن لا أذكرهم حالياً. ولي دور كبير في تشكيل وتكوين علاقات النادي بالمجتمع. وأنا الوحيد الذي رافقت الشيخ إبراهيم فودة والأستاذ يحيى كتوعة لزيارة الشيخ سالم بن محفوظ - رحمه الله - عندما تكفل بشراء هذا المقر الحالي للنادي.
كان من الأجدر على وزارة الثقافة والإعلام أن لا تميل إلى هذه المحسوبيات والمجاملات واختيار بعض أصحاب المناصب السابقة لتعيينهم في النادي. وكأن ذلك رد اعتبار لبعضهم. والحقيقة أنني احترمت وقدرت ما قاله أخي معالي الدكتور سهيل قاضي حين اعتذر عن عدم ترشيح نفسه للرئاسة لأنه يسكن في مدينة جدة.
ثمة حقيقة ينبغي معرفتها وعدم تجاهلها فالنادي يجب ثم يجب ثم يجب أن يتولى إدارته وقيادته الطاقات الشبابية والكفاءات الشابة المثقفة والمفتحة والمتعلمة. فالعالم من حولنا اليوم يتغير ويفرز يومياً متغيرات سريعة ونحن في مكانك سر.
لا بد أن نواكب أمواج التغير ونضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإلا سوف تعصر بنا وتغرقنا تلك الأمواج إذا لم نحسن اختيار من يجيد فن السباحة والغوص. ولن يكون ذلك إلا من خلال المنافسة الشريفة والنزيهة في الانتخابات الحرة المباشرة. وهذا ما جعلني أصرخ وبصوت عالٍ، طالباً من أخي معالي الأستاذ إياد مدني وزير الثقافة والإعلام إعادة النظر في قراراته. وتفعيل.. (العملية الانتخابية).. لاختيار أعضاء مجالس الأندية الأدبية والثقافية من خلال صناديق الاقتراع. فهذه الشريحة المثقفة إذا لم يطبق عليها الديمقراطية والمنافسة الشريفة من خلال العملية الانتخابية فأين وعلى من ستطبق بعد ذلك؟!
أرجو إعادة النظر بشفافية وبدون تعصب ومن خلال منظور.. (الحق المشروع).. والعودة إلى الحق فضيلة.
إنني وعبر هذه المواجهة والمصارحة والمكاشفة المشروعة أريد أن أسجل.. (موقفاً تاريخياً).. نظيفاً.. إنني لن أتنازل عن حقوقي المشروعة، فمن حقي أن أصرخ، وأصرخ، وأصرخ لمن يهمه الأمر. حتى تستقيم الأمور، وينتصر الحق المشروع، وتصب المياه في قنواتها الحقيقية.
ليس من طبعي الركض خلف المناصب. ولم يعرف عني هذا، لأني أعرف وأعي جيداً من خلال منظور إسلامي بحت، إن المنصب أو المسؤولية تكليف لا تشريف، وإلا فإن أردتها فأعرف طرقها ومسالكها الوعرة. أما العضوية بالنادي الأدبي والثقافي هو.. (حق مشروع).. لي ثقافياً وأدبياً فكل ما في الأمر هو.. (ممارسة حقوقي).. وصاحب الحق جريء وفعَّال. صحيح أننا لم نألف ولم نتعود على هكذا مواقف، لهذا استغرب البعض القليل، بل انفجع الكثير من صراخي وارتفاع صوت نبراتي في هذا الموقف. والغريب أنني وجدت قابلية خصبة لدى الكثير والكثير في مطالبتي هذه.. ووجدت التأييد من المثقفين الذين كانوا يتمنون على وزارة الثقافة والإعلام أن تنصف المثقفين وتعطيهم حقهم في إجراء العملية الانتخابية لاختيار قيادتهم عن طريق صناديق الاقتراع بأسلوب حر ونزيه ومباشر، فهل يفعلها الوزير المثقف ويعطي القوس باريها. ويحق الحق ويعطيه لأصحابها. إن فعل ذلك فسيذكرها له التاريخ وبكل اعتزاز وفخر.
وأؤكد بأنني أضم صوتي إلى صوت الدكتور عبدالله الغذامي وأتخذ معه موقف.. (المعارضة).. و.. (المقاطعة).. لكل أنشطة وفعاليات وممارسات الأندية الأدبية والثقافية حتى يعود إليها حقها المشروع المتمثل في العملية.. (الانتخابية).. لاختيار أعضاء مجلس الإدارة.. وحسب إفرازات صندوق الاقتراع.. لأنني أرفض الذين يهبطون علينا.. (بالبرشوت).. المظلي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved