الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

هل أفلستْ الأمة من الرموز حتى نجعل الدرويش رمزاً

جمعتني المجالس والمنتديات بعدد كبير من المثقفين والأكاديميين وأعضاء مجلس الشورى وغيرهم من مختلف الفئات، ووجدت عند الغالبية منهم عتباً (وشرهة) على جريدة الجزيرة - وهم يصفونها بالاعتدال والرصانة - عندما أفردت ملحقها (المجلة الثقافية) الصادر في يوم الاثنين 6-2-1427هـ، عن محمود درويش، وأضفت عليه من صفات التمجيد والإطراء ما رفعه إلى مصاف رموز الأمة وعظمائها، وهو في الحقيقة ليس كذلك ولا قريباً من ذلك، ولئن أعجب البعض بشعره على الرغم من غموضه ورمزيته واختلاف النقاد حوله، فإن ذلك لا يبيح لهم أن يبالغوا في إطرائه إطراءً عاماً وإضفاء هالات الزعامة والقيادة والنضال عليه بصورة تخدع الناشئة وتسيء إلى فطرهم النقيّة وتزوِّر التاريخ وتقلب الحقائق، وهذه السطور الموجزة لا مجال فيها للوقوف مع شعر محمود درويش من الناحية الفنية، وليس غرضي انتقاص شاعريته أو الحط منها، وإنما غرضي هنا التأكيد على أمرين مهمين وهما:
1- أن شعر هذا الرجل وفكره مليء بما يصادم عقيدتنا وثقافتنا ومسلّماتنا نحن المسلمين عموماً، فلا يليق بنا نحن حماة الحرمين والمقدسات وخدامها أن نمجّد من يطعننا في أعز ما نملك وهو ديننا، وأن نسوق لناشئتنا وشبابنا رمزاً مضللاً منحرفاً، وهل عقمت أمتنا من الرموز الشامخة حتى نتصاغر أمام رموز الضلال والانحراف؟ وإن العجب لا ينقضي منا نحن الخليجيين لأننا مفتونون بتمجيد من يسخر بنا ويهزأ بديننا وثوابتنا، بل نمنحهم الجوائز والأوسمة ونفرد لهم الصفحات والملاحق الكاملة، ومن منا لا يستفزه قول محمود درويش: (رأيت الأنبياء يؤجرون صليبهم واستأجرتني آية الكرسي دهراً ثم صرت بطاقة للتهنئات)، وقوله: ( ونمت على وتر المعجزات ارتدتني يداك نشيداً إذا أنزلوه على جبل كان سورة ينتصرون)، وقوله عن أخته: (أبي من أجلها صلَّى وصام وجاب أرض الهند والإغريق إلهاً راكعاً لغبار رجليها وجاء لأجلها في البيد أجيالاً يشد النوق أقسم تحت عينيها يمين قناعة الخالق بالمخلوق تنام فتحلم اليقظة في عيني مع السهر فدائي الربيع أنا وعبد نعاس عينيها وصوفي الحصى والرمل والحجر فأعبدهم لتلعب كالملاك وظل رجليها على الدنيا صلاة الأرض للمطر)، وقوله: (وتناسل فينا الغزاة تكاثر فينا الطغاة دم كالمياه وليس تجففه غير سورة عم وقبعة الشرطي وخادمه الآسيوي). وإني بعد هذه النصوص القليلة جداً من شعر هذا الرجل لأسأل إخوتي الكرام الذين مجّدوا هذا الرجل: ألا يستثيركم هذا الاستهزاء بالله وسور القرآن وابتذال ألفاظ الصلاة والصيام والعبادة والإله بهذه الصورة المهينة، وتحويل الإله من معبود يسجد له الناس ويركعون إلى عبد حقير يركع لغبار رجليها؟! تعالى الله علواً كبيراً عمّا يقول الظالمون الجاحدون.
ولو صرفنا النظر عما في هذا الشعر من إلحاد وزندقة ورجعنا نبحث عن المعنى الجميل والصور الشعرية والبلاغة والبيان لما وجدنا إلا طلاسم ورموزاً تحتاج إلى سحرة وعرَّافين لفك رموزها، وإني لأتحدى أغلب من كتبوا عن درويش ومجّدوه أن يتفقوا على معنى شيء من النماذج السابقة فضلاً عن ادعاء وجود متعة في قراءة هذه الهلوسة أو الاستماع إليها، أقول هذا الكلام بعد أن سألت زملائي في قسم اللغة العربية وهم قرابة الأربعين من حملة الدكتوراه في اللغة العربية فما اتفق منهم اثنان على معنى واحد، فإذا كان أرباب اللغة وأساتذتها لا يفهمون هذا الشعر فلمن يكتب إذاً ؟! ولا أظن أهل الحداثة وجمهورها وجوقة المطبلين ممن يبحثون عن الشهرة بالكتابة عن الرموز سيكونون أكثر علماً وفهماً من أولئك الأساتذة، وإنما هم تحت تأثير مخدر لعبت فيه الحزبية أو (الشللية) أو البحث عن الشهرة، وحال هؤلاء الباحثين عن الشهرة فيما لا يحسنون كحال جيلنا يوم كنا صغاراً فقد كنا نسمع بهواية جمع الطوابع فنتشدق بها وندعيها عندما نسأل ونحن لا نعرف الطوابع ولا ندري ما هي؟ ولكن مع الخيل يا شقراء كما يقولون.
2- الأمر الثاني: يتعلّق بوطنية الرجل وقوميته ونضاليته وخدمته لقضيته الفلسطينية فقد بالغ محبوه بوصوفه بالوطنية والنضال وسماه بعضهم شاعر القضية الفلسطينية، بينما سيرة الرجل وسلوكه وتحركاته وعلاقاته بدولة إسرائيل وتمجيد اليهود له يفنِّد هذه الدعاوى، وهي أمور معلنة لا تتم في الخفاء، وقد يكون في الخفاء ما هو أعظم وأطم، ومن نماذج احتفاء اليهود به ما نشرته الصحف العربية وغيرها من أن وزير التربية الإسرائيلي كافأ محمود درويش على نضاله وكفاحه بتضمين المناهج الإسرائيلية نصوصاً من شعره في المقاومة، ولا أدري أية مقاومة أعجبت الوزير الإسرائيلي؟!
كما نشرت الصحف خبر وفحوى رسالة الشكر التي وجهها السفير الإسرائيلي في باريس لمحمود درويش وأدونيس على البيان الذي وقَّعاه مع بعض رفاقهما ونشرته صحيفة اللوموند الفرنسية يستنكرون فيه المؤتمر الذي كان سيُعقد في بيروت لفضح دعوى المحرقة (الهولوكست)، ومن رغب في التفصيل فليرجع إلى مقال الكاتب محمد رضا نصر الله في صحيفة الرياض بتاريخ 14- 1-1422هـ، فإذا ظهر للناس مثل هذين الخبرين - والخافي أعظم بلا شك - فماذا يبقى من دعاوى المقاومة والنضال؟! لا ينبغي أن نضحك على أنفسنا ونضحك درويش وغيره علينا أكثر من هذا متى سنصحو ونعرف الصديق من العدو؟ متى سنميّز الشريف من الخائن؟ متى سنفرّق بين المناضل والعميل؟ العالم كله يعرف أن المناضلين حقاً تلاحقهم صواريخ العدو من الجو فتمزقهم أشلاء في سياراتهم كما فعلوا بأحمد ياسين والرنتيسي وغيرهما عشرات، بل مئات، وفرق بين الصاروخ وخطاب الشكر، والذي لا يفرِّق بين الصاروخ وخطاب الشكر لا يستحق أن يحمل قلماً يوجه به الناشئة، بل يضللهم؟!، ومن أراد المزيد عن الرجل ونضاله الوطني والقومي فليقرأ ما كتبه الأديب رجاء النقاش في كتابه: (محمود درويش شاعر الأرض المحتلة) - وهو غير متهم بالتجني عليه لأنه من المعجبين به - فقد ذكر في ص 113: أن محمود درويش قد عمل في جريدة الاتحاد، ومجلة الجديد، وهما من صحف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعلاقة درويش بهذا الحزب وعضويته فيه ثابتة لا شك فيها، وقد أفاض فيها النقاش في كتابه المذكور، وأكَّدها حسين مروة في كتابه: (دراسات نقدية..) حينما قال على لسان درويش: (وصرنا نقرأ مبادئ المراكسية التي أشعلتنا حماساً وأملاً وتعمق شعورنا بضرورة الانتماء إلى الحزب الشيوعي الذي كان يخوض المعارك دفاعاً عن الحقوق القومية..)؟! ويا لضيعة الحقوق القومية عندما تطلب من حزب إسرائيلي، أو من شاعر يتعهده اليهود بخطابات الشكر ويدرِّسون شعره النضالي لطلابهم!! وإني لأقول بعد هذا لكل مثقف سعودي وكل مسلم: إذا لم تغضب من هذا التجديف ومن تمجيد هذه النوعية من الأدباء فأخبرني متى تغضب.. إذا انتهكت محارمنا.. إذا نُسفت معالمنا.. إذا افترست شهامتنا.. إذا ديست كرامتنا.. إذا سخرت أراذلنا ولم تغضب.. فأخبرني متى تغضب.. إذا لله.. للإسلام.. للقرآن.. للحرمات لم تغضب.. فأخبرني متى تغضب.. متى التوحيد في جنبيك ينتصر.. متى يستل هذا الجبن من جنبيك والخور.. متى بركانك الغضبي للحرمات ينفجر.. فلا يبقي ولا يذر.. إذا للرسل لم تغضب.. فأخبرني متى تغضب فعش فأراً ومت أرنباً.. إذا المرء هان على نفسه.. يكون على غيره أهونا.
أخيراً: أرجو ألا يفهم من كلامي أنني ضد الأدب الجميل ما لم يكن صادراً من مسلم ملتزم، فهذا القول لا يقوله عاقل، لأن الحكمة ضالة المؤمن، ونحن نعجب بشعر امرئ القيس وغيره من شعراء الجاهلية وندرّسه لطلابنا، وكذلك أدب شكسبير وشعر طاغور وغيرهم، لكننا لا نمجدهم ونضفي عليهم صفات النضال والبطولة ونقدّمهم قدوات نخدع بهم ناشئتنا، وإنما نأخذ من أدبهم ما يروق لنا ويناسبنا مع التأكيد على مخالفتهم لنا في الدين، فمشكلتنا إذاً مع المسلمين المنحرفين الذين يُلمّعون وتُستر عيوبهم وانحرافاتهم، فيفسدون علينا ناشئتنا.
***
إضاءة:
قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ...)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله) رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.


د. محمد بن خالد الفاضل
أستاذ اللغة العربية في جامعة الأمير سلطان
ص. ب: 230181 الرياض 11321

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved