الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 03th April,2006 العدد : 147

الأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

عيسى الألمعي في وصف سردي لقفص الإنسان:
وجوه الشخوص خجلي .. وأصواتهم هزيلة
*عبدالحفيظ الشمري:
المجموعة القصية (قفص الإنسان) للقاص عيسى مشعوف الألمعي تأتي محملة على فكرة السحارة أو القفص أو الصندوق الذي يعد عادة لاحتواء أشياء تتفق في الحجم، وتختلف في المعاني والاستخدامات، لنرى أن قفص السرد في هذه المجموعة للألمعي مهيأ للإنسان، وقضاياه المعبرة.. تلك التي يكون شكلها شيقاً، ومضمونها عميق يكشف قدرة الكاتب على استنباط هذه اللغة التي تتوالد، وتتكاثر من رحم حكاية بيئية يكون الجنوب منبتها، ومنشأتها الأصلي.
شخوص القصص في مجموعة (قفص الإنسان) للقاص الألمعي تبدو عليهم حالة الهزال، والضعف وعدم القدرة على التعاطي مع الحياة بشكل سلس، لنراهم بالفعل وقد أضحوا ضحية لليأس والقنوط الذي يسترعي هذا التأمل على نحو ما قدمه الكاتب من رسم لتفاصيل وجه (محمد قفال) في قصة تمرغ، حينما صور للقارئ حجم هذه المأساة التي يمثلها نموذج (قَفّال) في مجتمع يفقد رشده، ووعيه، في وقت يطل وجه (زاهر) في قصة (دابة الأرض) حينما تدهمه ظلمة العمى بشكل مفاجئ حتى عاد إليه بعد أعوام خمسة، أصبحت هذه الفترة فرصة مناسبة لالتقاط تفاصيل الحياة التي تعاند أهلها في الغالب الأعم.
شخصوص المجموعة كما أسلفنا ينتهجون أسلوب مداومة البحث عن ذواتهم، وهوياتهم التي باتت في مهب الضياع حينما شغل الإنسان البسيط في البحث عن اللقمة، حيث تدور أمور لا يمكن للإنسان أن يتوقعها، أو تدور بخلده، لأن معاناة الرجل حينما يعدو إلى عمله تتلبسها مواقف تكون أحياناً خارجة عن نمط المألوف، ويصبح بعضها مليء بالمفارقات والتناقضات الحادة.. تلك التي تحتاج إلى كاتب بارع كما القاص الألمعي ليورد الشهادة تلو الأخرى بحق هذا الزمن الذي أصبح الموت مشروعاً ممكن لكل حلم يحاول الظهور.
يمعن القاص الألمعي في رسم تفاصيل الإنسان داخل هذه الأيقونة، أو القفص حيث يخرج لنا بين فينة وأخرى صورة مختلفة عن ما سواها من صور للإنسان الذي يعاني لفرط لواعج مؤذية حتى أنه يستطيع التصوير بشكل متمكن، والتأمل بأسلوب مؤثر لجوانب كثيرة من جوانب هموم الإنسان ومكابراته في سبيل البحث عن اللقمة، والسير لمسافات طويلة بحثاً عن القوت حيث تظل هي الصورة الأكثر تأثيراً في مخيلة الكاتب والقارئ على حد سواء .
لغة المجموعة دارجة في فهومها الاستنطاقي العفوي للأشياء، إذ نرى الكاتب عيسى الألمعي وقد عمد إلى الكتابة بأسلوب مباشر يتماشى مع الحدث الذي اختطه لأفكار المجموعة، لنجد أن الإنسان، وبيئته، وقوته هي المحرك البسيط، فلا تحتاج هذه الملامح الثلاثة إلا إلى لغة سهلة ومباشرة تتماشى مع ما يطرقه من أحداث، فليس هناك حاجة إلى عرض للغة مفخمة.. أو إلى استعراض حكائي تبرز فيه اللغة المتكلفة، بل نراه وقد ابتعد تماماً عن أي لغة شاعرية ليفسح للفكرة أن تأخذ دورها كاملاً غير منقوص في شرح رسالة الكاتب.
رحم الجنوب الغربي من الوطن هو المنبت الأصلي لكل الحكايات التي نطق بها الشخوص في القصص، بل إن البيئة العفوية باتت هي المسيطرة على فضاءات السرد لأن القصة الكاملة للكفاح في الجنوب ذات نكهة خاصة ترتبط في الريف المعشب والجبال الشاهقة والأحاديث المعمقة والقصص المعتقة.. تلك التي تجد الحكاء المفوه ضالته في البحث والاستقصاء على نحو ما جاء في قصة غيابه ظلام.. تلك التي يبرع القاص الألمعي في تدوين منعرجات هذا الخطاب الإنساني الجديد، حيث تكثر الندوب، والفجيعة والألم كجزء من واقع أصبح يعيشه الإنسان في تلك البيئة القصية والنائية.
مجموعة (قفص الإنسان) تحتاج منا إلى وقفة أطول، ونظرة أعمق لنتمكن من إعادة رسم هذه الصور التي تعد بحق مثال حقيقي لمآل قضية الإنسان.. تلك التي لم تعد مجرد بحثاً عن تميز إنما أضحت بحث عن (هوية) وعن (قوت) يكفل للحياة التواصل والاستمرار.
إشارة:
* قفص الإنسان (قصص).
* عيسى مشعوف الألمعي.
* مركز الحضارة - القاهرة 2005م.
* تقع المجموعة في نحو (110) صفحات من القطع المتوسط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved