الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 3rd May,2004 العدد : 57

الأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي
رسوم على الحائط
سعد الحميدين
210 صفحات من القطع المتوسط

سبق أن قدم لنا الصديق الشاعر الحميدين في ديوانه (وللرماد نهارا) جهاما من الكلام لم نبصر منه شيئاً سوى وميض شمعة ما لبثت أن تاهت وسط ركام من الكلمات.. هل ستكون هذه المرة أوفر حظاً من سابقتها..؟ وهل نستطيع قراءة عطاء يختلف عن سابقه يمكن استيعابه فهما والخلوص منه إلى رؤية تكشف غموض غيبياته ورموز احجياته؟!
لنر كيف يستبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر الكلمات الشعرية والنثرية من خلال متابعتنا لمطبوعته:
(رسوم على الحائط).
(القول المقطوع. وحكايا الأمس) و(المدينة المترهلة). و(ارتجاجات على سطح الزمن الراكد) و(مقطوعات نثرية قطعت فيها جهيزة كل قول بمقاسات الأزل) (هُمْ.. هُمْ)! وبشواهد المكياج التي تبيض وتفقس بالتجاعيد العميقة في متاهات العيون مطوحة نظراتها في كهف من القصدير تبصق خلف أكوام الرماد! وبذلك الدائخ في رمم كهف يدرأ الرمل من الجمر يتف الآه مشدودا إلي الركن بحبل الوهم يستف من الطين لقيمات من الدود الذي ينفل رائحة التبغ في الأركان، تمثال من العفن الرائب تبيض الحك.. تحدو الأرق من الطرقات قطعانا بثغاء يكتم الآذان، يخر الوتر المشدود بالأنغام يربطها بقيد دم الزمان).
تلك هي مقاطع أو فقرات مجتزأة من مقطوعاته الثلاث لا املك قدرة على فهمها.. وبالتالي التعليق عليها.. فمعذرة.. ندخل معا سويا في صميم شعر الشاعر من واقع ورقة اعترافاته:
(أتريد بأن افرش فوق الريح بساط
أو أغمد في صدري خنجر
أو أنفخ لحنا في مزمار.. كي ترقص أفعى)
هكذا حسبت شاعرنا الحميدين في وضوحه.. وديباجة شعره المرهفة الجلية الصور.. الواضحة المعنى.. بداية موحية بجمالياتها لولا أن بساطه الذي فرشه هو فوق الريح كان مرفوعاً.. وصحته النصب (بساطا) لا (بساط).. ثم وهو يسأل أين علامات الاستفهام (؟.؟)؟
لم يدع الحميدين بكبرياء شعره مجالاً للتردد.. كان حازماً حاسماً في أمره لن يفقأ عينيه بمسمار كما يفعل فقراء الهند بعيونهم. ولن يغمد خنجرا في صدره لماذا؟! لأنه بقايا جرح ينغل بديدانه مات الطين على كفيه وخيم الحزن داخل قلبه:
(الزورق غار بعمق الرحل
اجدف، فانكسر المجداف
وفمي قربة ماء حبلى
ولساني من خشب أجوف
الشعر كعكاز أعوج في كف ضرير
وحذاء أجرب في قدم فقير)
لابد للشاعر من عكاز يسنده ويسوي قامته. ويرفع هامته. وإلا سقط.. وعكازك هذه المرة صلب العود اشعر بأنك معه شاعر مرهف الحس والوجدان.. رغم انك لم تبق لنفسك شيئاً من جميع الأشياء إلا شعرك وحسبك منه أنه كل الأشياء..
(الألحان تموت معلنة) هكذا عنوان مقطوعته الثانية:
(في كل يوم أقعي وراء السور ارقب بابه
عيناي فانوسان في كهف سحيق
اذناي تلتقطان اصداء النداء
قلبي يدق.. يدق لكن الجدار يحتد قدامي كشمشون الازل)
رغم أنه أقعى.. فإن جميع حواسه البصرية والسمعية والحسية متيقظة ترقب فتح الباب.. ومن خلف الباب بلهف وشوق.. يطول به الانتظار.. والانتظار اشد من القتل وهو يحلق في جداره العصي الاختراق يتصيد الحانه ويردد مع نفسه وفي دواخله:
(الا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب)
لقد ذهب شبابه.. ومع ذهاب الشباب لا ذهب للعمر يغري.. ولا وهج للنضارة يجتذب.. ومن تلك حاله يصطاد الذباب أو الهباب كما يقول الحميدين في قصيدته.. فلا الباب فتح.. ولا ليلاه اطلت من شرفتها.. حسناً احتسى قهوته الصفراء لعلها ترطب ريقه بعد جفاف انتظار..
(نغمات على الطنبرة) تستهوي البعض لست واحدا منهم ربما لتخلف في سماع ذوقي فالقيدوم واقعاع الدود وليس ايقاعها. وجوقات على كشكشاتها.. واهرامات رخوة التكوين. وعيون بوم ترمي ومضات في كهوف يومض الفسفور فيها والنيون. واشياء أخرى كثيرة تتجاوز حدود ذهني آثرت الا اغرق في بحر نغمات طنبورتها.. ومثلها ابجدية الأيام الآتية الصعبة القراءة لأنني للأسف لا أملك القدرة على التجديف حول قطع خشبها القديم.. اكتفي للوقفة بعدها عند (إطار بلا صورة).
( يا شاعري.. أنا في طريقي واقف امتص عود الذكريات
وأشد اذني خلف وقع خطى المشاة
ولساني الممطوط خلفي ربطت أطرافه
في قصعة حبلى بأنواع القديد)
إذاً هو لا يتكلم.. لأن لسانه مقيد في قصعه أو قصعته. لا أدري! رغم أنه واقف طيفه منهك المسير وقد اثارته اشاحة الوجه المغبر.. تتصيد نجماته في رأد الضحى مضمومة في جعبة خرقاء لا تأوي المتاع..
طيفه يجري في مكانه.. بينما سيزيف اوصل صخرة لشاعرنا وهو يحفر خندقه ويبارز اللاشيء بالسيف الجريد وسط ليل حوته يبتلع الأشياء.. يمتص البحار.. بينما عيون مديوزا تحدق.. كل هذه الأشياء الكونية الضخمة احتواها اطار بلا صورة وأيضاً بلا فكرة يمكن رؤيتها بالعين المجردة.. ولا حتى بمجهر التلسكوب الفضائي..
(تذكرة سفر ملغية) أمكن استثمارها في الرحلة لأنها صالحة للسفر رغم الغائها.. لأن الخطوط الشعرية أعطت لها التأشيرة:
(مسافرة.. تلك كانت عيون الصباح
الى النهر. للواد نحو الصحارى
مسافرة عند كل صباح. وزوادتي تأكل ظهري
اجوس المسافات.. اين الطريق؟
وخلف غيوم السجائر أبحث عن صورتيك. أنا)
شاعرنا الحميدين بعد هذا المدخل الشعري الذي غطته غيوم التبغ تقرفص وسط الطريق عله يراها.. او يرى من يراها:
(هنا قد مشينا معا. اسائل عنك جميع العبور
يصافحني بعضهم بالنفور.. وهذا الزمان زمان النقود
خذيني اليك فما عدت أقوى انتظار القوافل)
يطلبها.. على طريقته.. دون ان يمتلك القدرة على الرحيل ولا على الانتظار.. لأن زمنه لا يتحرك دون مادة.. والمادة لا تسعفه.. وكان أن ودعته وودعها محتفظا بدفتر ذكرياته التي لا يملك غيرها الى أن تجيء مسافرته هذا إذا جاءت..!!
صعوبة الرحلة مع شاعرنا الحميدين ان يلوي عنق قصائده كما يشاء.. يصبغها بريشة تستعصي على الفهم والإدراك.. الرمزية فيها أحد مداخلها.. ومن داخلها يظل الرمز معقداً أكثر.. ولا أدري لماذا اختار لنفسه هذا النمط واصطفاه اسلوباً محيرا.. بل وجائرا في حق الذين يطمعون ويطمحون في استقراء ما بين سطوره.. واكاد اطرح عليه باسم الكثيرين ممن يحبونه سؤالاً محدداً.. لمن يكتب؟! حتى الحداثة المغرقة في تحديها ارحم للفهم رغم رأي الكثيرين فيها انها مجرد محاكاة تفتقر في مدرستها الى المعاصرة.. ناهيك عن الأصالة..
وشاعرنا العزيز يعود بنا الى آثاره المتجددة ابدا.. لعله في عودته يُعودنا على طرح جديد نقرؤه.. وخطاب واضح نستوعبه:
(وجاء نداؤها الليلي يسحب في عباءته
يميس تموجا في شاطئ الذكرى الزجاجية
أَفقْ يا انتَ.. قد رحلوا.. وما تركوا
على خط البسيطة صورة الآثار)
لماذا؟ ألفقر فيهم؟..ام ان تاريخهم بلا تاريخ؟.. يجيب شاعرنا:
(فعبلة خلف عنترها في الهودج
قوافلهم تقطع في الصحارى.. قطعة. قطعة..
وما بقيت سوى الريح الشمالية تلفع بيتي الصوفي)
من حسن حظه أن البيت من الصوف يساعد على تحمل لفحات او لفعات الريح الشمالية.. أما إذا كان من التصوف فشيء مختلف لا يكاد يقدر على غضبة الطبيعة.. ورمالها التي تلسعه وتستصرخه وتستوقظه. (أفق يا أنت).. وكان الرد:
(أنا يا زهرتي قد كنت جوابا
وقطعاني تقضي يومها في الساحة البكر
ارود مرابع الأصحاب. واحرث في حقول العشب
لم احصل على زهرة.. وما عادت زهور البر تكفيني)
كل هذا العطش الوجداني.. والحرمان العاطفي عاشه شاعرنا وعانى منه.. وربما هي أيضاً عانت من قراءته الى درجة الهجر..
رسوم على الحائط (بطلة ديوانه.. ورمز عنوانه..):
(تجيئين قلتُ مع الغيم قلتِ:
تجيئين عند احتدام الرعود.. وقلتِ:
تجيئين عند احتدام المساء.
وعند بداية كل صباح.. وقلتِ
وقلتِ.. وكان انتظار)
لا أدري لماذا اصطفى شاعرنا الحميدين الانتظار وحده محطة لقطار شعره يتوقف عندها دون ان يجتازها الى ما بعدها.. ربما لأن جذوة الحب تظل قوية مشبوبة على بعد.. وما إن تقترب وما إن تصل حتى تخف. واحيانا تجف منابعها بعد أن يتحول الحب الى حياة عادية لا تثير شغفا.. ولا تستثير عاطفة.. ايوب بصبره سيطر على أعصاب الحميدين وهو يحفر في الحائط وينقشها محددا الأيام.. مجدداً الذكريات لعل خيالها الليلي يرسف في قيود العين. ولعله نفسه يلمس نشوة التذكار.. وعلى أمل لا يتحقق أن تعود نهايات الأشياء الى بداياتها.. مع هذه المعاناة نتساءل مع شاعرنا ماذا تبقى له؟! يجيب على تساؤلنا في حسرة وحيرة:
(ترى ماذا تبقى لي؟ نعيب غراب يمزقني)
الصحيح نعيق غراب.. لا نعيب.. ولا حتى نحيب..
(إذا ما أشرق الصبح..
فأغرس رأسي المصدوع في الطين..
واسحقه.. متى ما اينعت زهرة)
لماذا هذه الطوباوية او السوداوية التي تعشعش في رأسه؟! الأسباب يسردها: مظلة سوداوية قاريَّة تجندل اتون صمته.. يبعثر حولها ما تبقى له من آمال.. وجراب مفحم بالطين. وصبي غص بالدمعة. وام تمضع العبرة. واحزان الذين مضوا بلا وطن..وأرض ما كان لها أهل! ماذا أبقى كي تنفرج سريرته..؟ لا شيء!
(رحلة العيون المرمدة) كثيفة الرماد مثل الكثير من شعره.. أو نثره الفني.. الواضح احياناً.. الغامض أحياناً:
(على كتفي تموت مواكب الألحان
وتضعي الآه في قيدوم أحساسي)
ليت الآه لم تُقعِ .. وانما اختارت لها حركة أجمل من الإقعاء بالنسبة للحس الشعري.. على أية حال هو اختاره:
(كأني ارتدي ثوبا من الأواه
لأني قد أتيت. وفي فمي أقوال
من المدن البعيدة. خلف ارتال من الرمل
امط وراء خطواتي حبالا من لحون الآه)
حسنا لو انه مدّ وراء خطواته بدلا من المط. وهو حر في اختياره.. القصيدة كما اختارها جماعية الانشاد.. الكورس في حواراتها مهامهم البحث عن شيء ضائع.. بعضهم ادعى وجوده يحدق عند باب السور وفي يديه قنديلان وهو يبصق على خد الأرض ويركلها منقبا عن خطوات غريبة.. وبعضهم يلمح عيون البوم خلف ستارها المعتم تحملق تنضح النظرات.. وتبحث عن ركام الدود في اركان دارتها.. وآخرون يعطون لصوت شاعرنا مشاهدهم المفزعة.. لينتهي الصوت وترديد الكورس أمام مقع واحد لا يتغير. (آه.. ثم آه.. ثم آه).. هكذا جاءت النهاية.
رسوم على حائظ شاعرنا الحميدين لم تترك محطة فراغ نتفيأ ظلالها.. نقوش جداره تغطي مساحة أفكاره.. ولان الدرب اقتطع من الرحلة أكثر من ثلثيها لا بد من ان نتجاوز البعض من تلك الرسوم البيكاسوية المتقاطعة الخطوط التي تفتقر الى فك حروفها المتداخلة.. نتعدى هذه المحطات: صفحة من دفتر الوجد) و(في المقهى الشرقي)و( 7 أوراق من دفتر عسه) و(القرينة وقطرة الماء) لنتوقف أمام جوقة الزار على وقع طبولهم وهم يتمايلون كأغصان هزيلة تهزها الريح جيئة.. وذهابا:
( تدق طبول.. على أنغامها يتمايل السمار في فخر
كأغصان.. يداعبها النسيم بمنتهى الخدر)
هكذا يصف الرقصة برأفة منه.. تسمع في بقايا الليل أغنية شتائية تدن. ترن. لأنها مذبوحة وراء الأفق.. رغم هذا كله لم يَخَفْ شاعرنا وقد ارادوا تخويفه لأن الضلع يزبنه.. هذا هو الفصل الأول.. ايقاع مزمار.. وفي الثاني:
(زمجر مثل وحش حس بالخطر
يدق، يدق في صدرها كما الحجر
وينفث آهة حبلى كملسوع تعلق في خيوط الوهم يرقاها)
وفي الثالث انغام اصوات بدائية وصوت الطفل المدوي دم، تك، تك تكوم فوق وجه الأرض.. الا ان الحادي اخطأ حداءه فهذا ليس نشيده وبين تنهد خائر وآهات هوى عاثر تمنطق ثغر الحادي:
(يا سدرة قاعة الغرمول تسقيك
من مزنة هلت الما عقربية)
ومن رقصة الزار إلى مجامر التراب حيث يستقبلنا شاعرنا الغالي بما لا نريد ان يكون فاتحة استقبال لنا. أوله:
(وعلى كفي يقتات الذباب
العق الطين، وفي انفي من الرمل زمر
زورقي يسبح في بحر من الارض الخراب)
الهجر يا صديقي ليس ارضا صالحة للزورق.. انها تراب.. بحره سراب يجدف فيه المخدوعون او الظامئون إلى بريقه الكاذب بمطيهم أو بأقدامهم المكدودة.. تلك هي ادوات رحلتهم.. انها رحالهم فوق اليابسة.. أما البحر فله زوارقه. لذا فإنني احبذ أن يأتي البيت الأخير على النحو التالي:
(جملي يغرق في بحر من الأرض السراب).. ربما يكون هذا الأقرب للصورة الشعرية.. ومن التيه إلى أيوب الذي يذكره بعدم الرحيل لأن ظلام الليل مطبق يخشاه لو كان وحيدا اشبه بالغراب الذي ينكش الطين بأظفار وناب.. الكلاب يخافها. والجوع يخشاه..
على مسامع أيوب يسأل عن قنديل ديوجن. وازميل رودان كي يستعين بهما ويؤنساه من وحشة ووحدة الليل.. ومن الضفادع والجرذان والدود.. مأساة تحتاج منا الى المواساة. وان يكشف الله الكرب عن صاحبنا.. ويعجل له ضوء صباحه الذي طالما انتظره على أحر من الجمر..
(هوامش على كراسة قديمة.. لعلها أجمل قصائد الديوان فكرة.. وطرحا.. ووضوحا: واجادة في الرسم وفي الألوان:
(عشرون عام ونحن نحفر العبارة
على جناح صخرة جبارة.. ونلقي الستارة
في الكهف. في المغارة. منقبين عن سمكة مختارة
وزورق من الورق يضمنا
لم نخش يا رفيقيَ الغرق)
بهذه الرومانسية الحالمة الواضحة الملامح ينسينا شاعرنا الحميدين معاناة درب الأشواك التي زرعها في الكثير من سفره فأدمت أقدامنا جميعاً.. وحدت من حماس إقدامنا.. ويتملكني الكثير من التساؤل.. لماذا وبهذه الجمالية في قصيدته الأخيرة.. وبهذه المقدرة على تملك ناصية الطرح الشعري يلجأ الى متاهات يلغي بها وضوح النص.. وشفافية الفص.. الى درجة الاغماء الذي لا يقظة للفهم معه.. اعود الى مقطوعته الجميلة بعد أن انتهت السكرة. وجاءت الفكرة..
(ماذا يكون عندما يخيم الفسق؟
قلق.. قلق..)
وصدق حسه.. مساؤه اقبل. شهده محمولا على جناح طائر يعوم في الفضاء أي يحوم يردد في اباء (الى السماء.. الى السماء) دعوة للسمو والارتقاء شيء رائع.. وهنا تبدأ الحكاية من البداية الى النهاية.. كما لو كانت حدوتة من عهد النبي سليمان بن داود:
فارس مدعٍ مزهو بقوتة يقطع الجبال والحديد يتحدث عن لنكولن محرر الرق في أمريكا.. ذلك الحطاب الذي يلملم الحطب لبيته العديد كما لو كان اجيرا يخضع لنفوذه وامرته.. مستصغرا عرفته, واصفا اياها بالدونية.. الحكاية في صياغتها الشعرية جيدة..نسبة الى اخواتها.. ومع هذا اشعر ان شاعرنا افرغ في حصيلتنا من خلال هذه الرحلة بعض محصلات:
اولها: ان السرد الشعري.. او النثر الفني لافكاره لم يتجرد من قيد حداثته المغرقة في تحديثها.. هذا من ناحية الاطار اما المضامين فقد حجبها الشاعر عنا وربما عن نفسه بستار الغى الهدف والغاية من قراءتها لدى المتتبع العادي.. وربما المثقف ايضا الذي لا يجيد ترجمة الغيبيات الفكرية.. ولا يراها وسيلة مجدية لاشباع نهم المتلقي وفضوله في استقراء ما يطرح من فكر.
ثانيها: ان مفردات كثيرة حورها واخرجها من سياقها الطبيعي.. دون فهم مقنع بصواب مثل ذلك التصرف.
ثالثها: التشابه الى درجة التوحد في صوره واطاراتها.. مجللة بضبابية انتظار لا ينتهي.. وانكسار لم يحاول شاعرنا الحميدين التخلص منه.. وصبر يهرع كل ما استشرى بناره الى ايوبه دون ان يجد في نفسه المقدرة على الاختراق.. بدافع من سلاح ارادته الفكرية التي تمنحه القدرة على اثبات الذات حتى في مستوى الصراع الداخلي بين طموحه وجنوحه.. ادرك ان صديقي الحميدين قد لا ترضيه مثل هذه المصارحة.. مكتفيا بشهادات رموز الشعر الحر.. أي النثر الفني.. واساتذة الحداثة.. وهذا من حقه.. إلا أن التطواف معه في أكثر من ديوان حملني أمانة ما اعتقده.. وهي واحدة من اثنتين لا ثالث لهما.. ان أكون غبيا الى درجة فقدان الحس.. او أن يكون غيبياً الى درجة أن علم ما يقول عند الله وحده.. أما الشهود فأحترمهم.. رغم اختلافي معهم في الرؤية.. والاختلاف غير الخلاف لا يفسد للود قضية.


الرياض ص.ب 231182 الرمز 11321
فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved