الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 3rd May,2004 العدد : 57

الأثنين 14 ,ربيع الاول 1425

قصة قصيرة
سلوى أبومدين
عنوان آخر للدموع.!
كيف اجعل حروفي وكلماتي تدركك يا صديقي وأنت أضحيت جسداً مسجى، لكن كيف أعلنها اليك.؟!
رحلت يا صديقي في ظلمة الليل، وقد قضيت نحبك فوق ذاك الرصيف الأصفر، وضُرج دمك قارعة الطريق، فوق ركام من الأحلام وتحت جنح الليل..!
هاك بجسدك الواهن حملوك..وانزلوك مرقدك الأبدي.. الذي ستبقى فيه ليالي طوالاً وحيداً وهو بقاء الى يوم البعث.!
إنني أبكيك فهل تقرأ تلك الدموع؟ يوم حملوك اتبعت مسيرتك. وسقطت دموعي وأنا أتذكر تلك الوردة الندية التي قدمتها لي..
وقلت لي: إنك تحب اقتناء الورود بعد أن يذهب شذاها.!
عندها ضحكت قليلا وبكيت كثيرا، فأنت تعلم عشقي لأشياء قد تكون غير ذات أهمية لغيري وربما تفاصيل صغيرة للغبار ولكنها كانت تعني لي شيئا.!
لا زال مقعدك الذي أحببته في ذاك المقهى الشرقي الذي يطل على رائحة السمك الشهية يشكو الوحدة مثلي.!
كانت عبارات مخنوقة تصدرها نفسك المتهالكة يوم أخبرتني عن ضيف ثقيل سيحل أبدي.. كانت تلك الشعيرات البيض التي غزت رأسك دون استئذان منك؛ وان كنت كارها لها وتحاول في كل مرة أن تقتلعها؛ وكأنها تعلن لك عن قدوم زمن آخر في حياتك.!
فأشرت لك في زاوية المكان عن شجيرة خضراء وقد جفت أوراقها.. وجاء صوتك يخترق حجب الصمت، وهول الموقف وانتشلتني من حيرة قاتلة، إنه العجز..!
حينذاك قرأت بوادر الفجر في عينيك فشع منهما نور ملأ كياني.. وها هي كلماتي تعاجلني لاعترف لك.. وها هو صوتك يرتفع.. ورفعت رأسي المطأطئ بابتسامة مسحت ذاك الصمت الكئيب.!
لا أعلم كيف ستمضي ليالي الشتاء من دونك وأنت تنصت لقرع حبات المطر فوق زجاح حجرتك الصغيرة قرب موقد الحطب الأرجواني، وعناقيد السعادة تدلت من سماء غائمة، فقدكنت تنتظر حضورها لتعلن عن سقوط ندف ثلجية في يوم ميلادك السعيد..
حتى الشمس الخجولة قدّمت اعتذارها عن الحضور في تلك المناسبة لتفسح للغيوم البقاء لتشاركك فرحة يومك فودعتنا بخفر.!
أتذكر تلك الليلة القمرية التي هاتفتك فيها لأخبرك عن أماني معقودة بحلم قرمزي خبأتها في علبة بين مقتنيات خاصة.. وكان شاهداً على حديثنا القمر ذو اللون الفضي فكان يزداد ضياء من نافذة أحلامي.. حتى إذا ما نفذت من لحني غلفته لي بشرائط ملونة من التصفيق فرحا.!
ولا زال المقهى الذي احتضن دموعنا وآهاتنا في ساعات الوجع.. كنا نشكو الزمن ونسينا ان النفوس تتبدل وتتغير، والبعض تطأ أنفسهم سعار الأنانية، كنت تبتسم حينا وتتألم أخرى..!
وشمعة صغيرة تحتضر فوق منضدة خشبية وهي ترثي الحياة حتى إذا ما ملها الوقت تنفست الصعداء.!
وقهوتك المشاكسة؛ التي تتحرش بك في كل مرة وتفوح رائحتها من حولك وتحيطك من كل الجوانب وأنت متناسيها.. ومتعة الحديث الذي شدونا فيه لحنا عذباً أنساك ان تستطعم مذاقها، كل هذا والطريق لم ينته بعد.!
وما زالت الدموع تذرف من مآق عار فيك، وأردت أن تصلك كلماتي وأنت تحمل فوق تلك الأكتاف هموم الحياة.!
وطالما حدثتني عن الفراق وأعلنت لك أنه شبيه بالسفر.. فتعجبت من تشبيهي! وعندها أخبرتني أنه شعار المتعبين في الحياة.!
دعنا لا نظلم اللحظات اليتيمة التي أمتعتنا وأسعدتنا ونحن نجول حول الأوراق الصفراء المهترئة.. ونصب عليها غضبنا وهي تتحملنا رغما عنها.!
حتى إذا ما سرقنا الزمن المتثاقل حملتني معك على أمل اللقاء بك في اليوم التالي.!
وكعادتي استيقظت في ساعات الصبح المتأخرة على أمل ان احظى منك بورقة مشاكسة تسخر مني فيها على تأخري وتخبرني بعباراتك القارصة ان افطاري قد مل الانتظار.!
في ذاك اليوم مرت الأوقات عصيبة على نفسي وأنا أترقب صوتك ذا النبرة المستفزة وأنت تعلن لي قلقك وأمازحك بهدوئي لأثير غضبك المحبب اليَّ..!
شعرت بغصة تنتابني.. وساورني القلق وسارعت طبول الخوف والترقب تقرع باب قلبي. وما ان وصلت مكاننا المعتاد.. لم أجد سوى صدى الوحدة والوجوم الذي خيم على المكان..!
وسواد اكتسى مقعدك وانتظرت بلا أدنى أمل.!
وعادت قافلتي بخطى متثاقلة وجرح يسافر بي ويمضي، وهناك انتظار سقيم حل على أرصفة نفسي المظلمة.!
وحتى هذه اللحظات وهم ينزلونك مرقدك ويهيلون عليك التراب.. كنت أعيش بين اليقظة والحلم.!
لقد ودعتني بصمتك.. وأحلامك التي بُعثرت فوق ذاك الرصيف..!
تركت معنى قاتماً للرحيل.. في زحام المارة تركت عنواناً آخر للدموع وغادرت بحلم بنفسجي، وصدى مزق صمت الماضي، وذاكرتي تحوطها أيام ثكلى لموطن الألم.!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved