Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
فضاءات
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 

العد بين التنازل والتصاعد
أحمد طيب منشي

 

 

بعد مضي سنين من العمر، فلينظر كل منا ماذا قدم ؟

أتذكر قبل أكثر من عقدين ونصف كنا في اجتماع دوري نحن مجموعة من الفنانين وكان من بينهم كل من الفنان: يوسف جاها، حسن عبد المجيد، بكر شيخون، سليمان باجبع، وكنا قد طرحنا تساؤلاً لماذا نمارس الفن التشكيلي؟ وهو تساؤل قد حير الكثيرين من الفنانين على المستوى المحلي والإقليمي، وكانت الإجابة متفاوتة بل مختلفة من فنان لآخر.. وقد استفزني ذلك التساؤل كثيراً، خاصة عند أيقنت بأنّا مقلدين ولسنا بمبدعين، وهو رأي يختلف معي معظم من بالساحة التشكيلية، إلا أنه مثل قناعة ذاتية إلى وقتنا الرهن.

وعليه قلت للمجموعة فلندع الإبداع جانباً، ولننظر ما الذي يمكن أن نقدمه للأجيال القادمة، دعونا نستصلح الأرض.. نحرثها.. نخصبها.. نبذر البذور بها.. ليأتي الجيل الذي بعدنا.. يسقي.. ويرعى.. النبتة، ومن ثم يأتي جيل بعده، يعمد على الاهتمام بصحة نمائها، ويحسن تلقيحها لتثمر ثماراً جيدة، ليأتي جيل آخر تال، يجد النبتة قد أينعت، ونضجت ثمارها، فيحق له قطفها.

هذه القصة أسردها اليوم بالذات من سجل مذكراتي، فقد نال حديثي السخرية ما نال، فقد أنكر علي ذلك القول جملة وتفصيلاً، واتهمت بأني لا أعرف مدى قدراتي وقدرات الآخر.. ويوماً بعد يوم أرى بأم عيني تكالب المحن والصراعات وهي تفترش وسطنا التشكيلي ناسجة الحواجز تلو الحواجز، التي تسبب نوعا من التمزق والتشتت وعدم الالتقاء حول لحمة الفن، فساد تأليه الذات، كسلوك قيمي وافد إلى مجتمعنا وعمت الفوضى في ظل غياب التنظيم والرؤى والتصور الموحد الفكر والثقافة.

واليوم كأن التاريخ يعيد نفسه، عندما بدأ العد التنازلي لموعد الاجتماع التأسيسي للجمعية السعودية للفنون التشكيلية، المزمع إنشاؤها، وذلك لمناقشة لائحة النظام المقترح الذي أعدته اللجنة التحضيرية للجمعية، فمما لا شك فيه أن هذه الفكرة كانت تراود معظم الفنانين التشكيليين بدواخلهم، ولكن جاء من تمكن من إخراجها إلى حيز الوجود، لتطفو على السطح لترى بالعين المجردة حقيقة ماثلة، وهو فعل يؤرخ في المسيرة التشكيلية السعودية، كونه إنجازا حضاريا غير مسبوق في مجال الفن التشكيلي المحلي، فالشكر والتقدير منا لكل من صنع معروفاً فاتحاً باباً من أبواب الفكر والمعرفة، في محاولة لتصحيح المسار غير المتناسق في وسطنا التشكيلي، فما يذكرني بالأمس القريب ما يلمسه المتعايشون مع الأوضاع المتردية للساحة التي سادتها الغوغائية كنوع من الفوضى العارمة، فسيقت التهم والطعون والتشكيك في مصداقية إخراج هذه الفكرة من عنق الزجاجة، دون وعي منا أو مراعاة لما نحن مقبلون عليه بنظرة مجردة ووزن للأمور، فاختفت روح التفاؤل الباعثة على الاطمئنان وراحة البال، نظراً لانقلاب الموازين التي تمثل في هذه الحالة انتقال الثرثرة النسوية إلى عوالم الرجال، في حين آثر النسوة العمل في صمت وبنوع من الحكمة في التعامل مع الموقف.

ففي الوقت الذي يتوجب علينا وضع أيدينا على مكمن الخلل.. أخذنا نفكر فيما يملأ فراغ ذواتنا، حيث انصب التفكير والسخط في العملية الانتخابية، وهو مؤشر يؤكد أنّا قد اخترنا الاتجاه الخاطئ لنسير فيه دون وعي منّا بأن العملية الانتخابية في حقيقتها لا تمثل إشكالية على الإطلاق، وما علينا سوى التوجه إلى ما هو فاعل وفعال بذاته، الذي وقف أمامنا كحجر عثرة منذ النشأة.. وقد آن الأوان لنجتاز تلك العقبة، عقبة انعدام النظام أو التنظيم، فإذا وفقنا في وضع لمساتنا على لائحة النظام نكون قد أنجزنا ما عجز عن إنجازه غيرنا ممن سبقنا في هذا المضمار، ونكون قد تجاوزنا أصعب مرحلة من مراحل التكوين أو التأسيس أو الإنشاء، وبالتالي فإن أي عضو من الأعضاء العموميين لن يجد أي إشكالية لإدارة دفة الفن التشكيلي طال الزمان أو قصر.

وقد يتساءل البعض ما الضامن للتجاوزات ؟ فأقول لهم : إن التجاوزات ليس بالإمكان القضاء عليها في أي زمان أو مكان، ولكن بالإمكان التخفيف من أثرها بصورة إيجابية، إذا ما أحكم النظام الذي قمنا بصياغته، ولكي يرتاح الجميع من الوساوس التي تخالجه من حين لآخر أقول لهم : في حالة حبك النظام جيداً، يتوقع حدوث الأمور التالية في حال التجاوز من قبل أعضاء مجلس الإدارة :

* بروز من كان جاداً ومخلصاً ومتفانياً، وهذا أمر محبب للنفوس.

* الانسحاب الطوعي من عضوية مجلس الإدارة لظروف خارجة عن الإرادة، وليس نتيجة قصور منه.

* الرفض لفاقد الشيء الذي لا يعطيه.

* الرفض لكل من تسول له نفسه تجاوز لائحة النظام.

وعليه فالكرة؟ الآن في ملعبنا أيها الفنانون وعلينا أن نعيد الكرة في ملعب وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، ليتعدى دورها الإشرافي إلى الدور الداعم والمؤازر بكل قوة، ولكن كيف يتسنى لنا ذلك ؟ أعتقد جازماً أنه سيكون من خلال المبادرة الموجبة من الفنانين المؤسسين، حيث إنهم مازالوا يبحثون عن الدعم المادي والمعنوي، بل أجزم أنهم مازالوا يطالبون بهما معاً بمناسبة أو بدون والتساؤل المطروح في هذا المقام، ما المبادرة الإيجابية التي قام بها الفنانون كي تتحقق مطالبهم؟ وأترك الإجابة عنه للفنانين أنفسهم علهم يملكون الإجابة عليه دون مراوغة.

وهنا يتبادر إلى ذهني التساؤل التالي: لماذا رفضت وكالة الوزارة للشؤون الثقافية بوزارة الإعلام، وضع صناديق الاقتراع بجميع مناطق المملكة أو أي وسيلة حديثة أخرى تفي بالغرض؟ بدلاً من إصرارها على أن يكون الاقتراع بمدينة الرياض في عملية الانتخاب، وما الحكمة من ذلك القرار ؟

بكل بساطة أحبتي هي دعوة للفنانين الصادقين في نواياهم، والعاقدين العزم لتحقيق أحلامهم، والجادين غير المتخاذلين أو مهزومين والمقرنين أقوالهم بأفعالهم، لتشكل هذه الدعوة المحك الحقيقي لمعدن الفنانين، الذي وضعنا فيه مهندس الثقافة المحلية، د. عبد العزيز السبيل، وكيل الوزارة للشؤون الثقافية، فلا تخذلوا أنفسكم بأنفسكم، وأنا هنا ناصح لكم ولتعلموا أنه من أصحاب الفطنة والفراسة، فزياراته المكوكية بين أطراف البلاد المترامية لم تكن من أجل العبث وإنما لقطع دابر الشك باليقين، فما صدور قراره التعسفي شكلاً والبالغ الحكمة موضوعاً الذي جمع فيما بين نقيضين إلا رسالة راقية موجهة إلى كل الجادين في نواياهم والمؤمنين بقضاياهم والعاشقين للمغامرة، فليس من سمع كمن رأى، فإما الفلاح ونيل شرف الانتماء، وإما أن نسمح باغتيال الطموحات والتطلعات نتيجة للرؤى القاصرة، التي لا تستدعي الحد الأدنى من الاحترام أو التقدير.

فتلبية الدعوة قد غدت واجباً وطنياً لا مفر منه، بعد إقبالنا عليه ممن كان له سبق الشرف في التأسيس، وهي دعوة لا تحتمل التشكيك بناءً على اسقاطات من الماضي، لا تصدر إلا من ضعاف النفوس، فالفرصة مازالت قائمة إذاً ومشروطة ببعدنا عن الوساوس وتخلينا عن الثرثرة غير المجدية، لنعمد على مناقشة لائحة النظام في أجواء صحية سليمة بروح الجماعة المتآلفة والمحبة للخير والصالح العام، لنخرج تلك اللائحة في شكلها النهائي بما يتوافق مع متطلبات واحتياجات الوسط التشكيلي، فهي فرصة للتغيير والإضافة، وهي فرصة للعمل بفكر وقوة الفريق الواحد، كتجربة أولى غير مسبوقة وبذلك نكون قد جمعنا أيضاً فيما بين العد التنازلي والعد التصاعدي بكل اقتدار في هذا الاجتماع التاريخي المبارك بحول الله وقوته.

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة