Culture Magazine Monday  03/09/2007 G Issue 214
نصوص
الأثنين 21 ,شعبان 1428   العدد  214
 
قصة قصيرة
جواً وليس براً
خالد الحاجي

 

 

يعرب أحد أبناء الأمة العربية واسمه يحمل اسم العرب جميعاً واسم أمته ذات الآلام والآمال المشتركة، بدءاً من الهدف وانتهاء بالمصير ومروراً على التاريخ الواحد واللغة إضافة إلى الدين ذلك الرباط الأقوى، وكان يعرب يحملها في ضميره ووجدانه ويسري في دمه شعور الأخوة والحب لكل أبناء أمته، ويهفو إلى تلك اللحظة التي يمد يده ليصافح أخوة له في أي مكان من بلاد أمتنا التي لا تفرق بين أبنائها أينما كان مسقط رأسهم وأي كان اللون والجنس.

وفي يوم من الأيام تحمس يعرب لزيارة أخ له يعمل في إحدى الدول العربية واتصل به يعلمه ذلك ورغبته في زيارة تلك الدولة للتعرف على معالمها لم لا وهي جزء من بلادنا العظيمة ذات الروابط المشتركة!! بل هذه رغبة جميع أبناء الأمة بزيارة بلادهم الغالية التي تعزهم وتفديهم بالغالي دون الرخيص وبالفعل يحصل له أخوه على تأشيرة زيارة بعد جهد جهيد وزمن مديد ولولا وجود أخيه في تلك الدولة لما حصل على تأشيرة، وما إن تصل التأشيرة ويحصل عليها يعرب حتى كاد يطير من الفرح ومشوار الحلم قد بدأ.

ويسرع بتجهيز ما يلزم للسفر ثم ينطلق بسيارته ترافقه زوجته وأولادهما والسعادة تغمرهم جميعا وينتاب يعرب شعور الصدق وأن ما قرأه وسمعه عن الروابط المشتركة هو حقيقي وليس خيالاً ولم يخالجه الشك أبدا، وهو يسير باتجاه تلك الدولة ويسارع الخطا وينظر في ساعته مرة ومرة في عداد سيارته ليعرف كم قطع من المسافة ويجري عملية حسابية في ذهنه ليعرف كم بقي من المسافة ليصل إلى تلك الدولة، إذ إن اللوحات الإرشادية قليلة والوقت بالنسبة للوصول طويل وقصير بالنسبة للمدة التي سيقضيها في ربوع تلك الدولة ويخاف ألا يكفيه للتعرف على معالمها والمكوث مع أخيه أطول وقت ممكن، وبخاصة أن مدة التأشيرة محددة آه آه، يتمتم متى سيصل؟ ويجتاز عدة نقاط عند انتهاء حدود كل دولة أو بدأ فيها، فالأمر ميسر كما لو أنك تسافر من مدينة إلى أخرى ضمن دولتك أو كأوروبي يقطع أوروبا من أولها لآخرها بدون تأشيرة أليس كذلك؟! ويسير بدون توقف اللهم إلا عند نقاط الحدود أو لملء خزان وقود السيارة حتى أنه وعائلته يأكلون داخل السيارة دون أن يستريحوا ليكسبوا الوقت ويصلوا بأقصى سرعة وليحقق يعرب أمنيته ويترجم إحساسه إلى واقع عملي، وها هي حدود تلك الدولة الذاهب إليها تلوح لناظريه حيث تظهر بعض اللوحات الإرشادية التي تحدد ما بقي من المسافة - اللوحة الأولى 40 كم، الثانية 30 كم وهكذا بعد تنازلي كلما قصرت المسافة تزداد ضربات قلبه وما هي إلا دقائق حتى يصل يعرب إلى نقطة الحدود ويوقف سيارته وهو يبتسم ابتسامة عريضة، ويأخذ نفساً عميقاً بعمق الروابط المشتركة وينظر إلى الخلف متصوراً المسافة الطويلة التي قطعها التي تزيد على ألف كم ومتاعب الطريق وعثراته وكل ذلك زال بوصوله وكأنه لم يقطع كيلو متراً واحداً ويترجل من سيارته ويقترب من كوة الموظف المسؤول لكي ينهي إجراءات الدخول ويحيي الموظف بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والتي هي جزء من الروابط المشتركة - ويا له من استقبال بالغ الحفاوة والتكريم لهذا المسافر والأخ العربي الذي تحمل المشاق والأخطار المحدقة بذلك الطريق الصحراوي الموحش فكانت أول كلمة من الموظف انتظر وهو يرتشف الشاي ويدخن وينفث دخانه باتجاه يعرب برائحته الذكية وهذا بدلاً من البخور والقهوة العربية والتي درج تقديمها للضيف في بعض البلدان، ويبتسم يعرب ويحدث نفسه لعل الموظف مشغول علماً بأنه لا يوجد غيره خارج الكوة، وينتظر قليلاً ثم يتقدم فيجد الموظف غير موجود ويسأل عنه فيجاب إذا كنت مستعجلاً فانتظر ليأتي الموظف، وينتظر يعرب وأشعة الشمس العربية المشتركة اللاهبة تمده بحرارة الروابط المشتركة وتزيد عنده روح التفاؤل بأن إحساسه سيتحقق ويأتي الموظف ويتقدم يعرب نحوه ويقدم له جوازه، ويحملق الموظف ثم يكشر ويغضب ويقول له أنت كيف وصلت إلى هنا وتجاوزت الأنظمة والقوانين؟ ويذهل يعرب!! أيتها أنظمة وقوانين يا أخي؟ هذه تأشيرة رسمية و.. ولكن الموظف قاطعه رسمية نظامية؟ لا يهم فأنت المفروض أن تدخل الدولة جواً وليس براً يا... ويتلفظ بكلمات نابية وهنا ترتخي أعصاب يعرب ويكاد لا يصدق الذي حدث ويردد جواً.. جواً كيف هذا وما الفرق بين الجو والبر.. أليس الغاية هي الوصول! ولكنه لا يقطع الأمل ويعود للموظف ويحاوره ويرجوه هو وغيره من المسؤولين الأعلى والأدنى ولكن الجواب كان قطعياً لا يحق لك الدخول وكان الموقف صلباً لمواقف العرب في زماننا هذا وهم يقولون له: عد من حيث أتيت يا أخا العرب والإسلام، ويدور يعرب إلى الوراء بخطا متثاقلة يحمل رجليه حملاً وهو يتمتم ويقول: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ويردد جواً.. براً.. براً.. جواً، وعلى فرض أنني أخطأت أفلا يرأفون بحالي وحالة عائلتي حيث تحملنا الصعاب ويسمحون لنا بالدخول دون أن نعيدها مرة أخرى، ولما كان الوقت ليلاً ومتأخراً وهو في حالة إرهاق شديدة، اضطر أن يمضي بقية تلك الليلة قرب بوابة الدخول وينام ليستيقظ على أحلام الروابط المشتركة ثم أدار مقود سيارته وعاد من حيث أتى تاركاً كل الروابط المشتركة وغير المشتركة تغور تحت رمال الصحراء، ولكن الأمل ما يزال يحدوه بزيارة تلك الدولة وغيرها ولربما في القرن الحادي والعشرين أو الذي يليه.

ص.ب 41980 - الرياض 11531


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة