الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 03th October,2005 العدد : 125

الأثنين 29 ,شعبان 1426

في سبيل خلق وعي نسوي
أمل زاهد
تخرج علينا ما بين الآونة والأخرى أصوات نسائية تكتب أو تتحدث عن رفضها لأية محاولة لتغيير أوضاع المرأة السعودية الاجتماعية المتدنية، ولا ترى في الحديث عن حقوق المرأة إلا تآمراً على الدين وخيانة للمُثل والقيم المتعارف عليها في مجتمعاتنا، ومحاولة لاستهداف المرأة واخراجها من حصنها المنيع ومن ثم تحويلها إلى سلعة جسدية ممتهنة.. ثم تركز هذه الأصوات على الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة التي تحتم على المرأة البقاء بين جدران المنزل حفاظاً على كرامتها وحرصاً على كينونة الأسرة وابقاءً على استقرارها، وتشدد على أن المرأة مهيأة فقط للأمومة والعناية بالأطفال ورعايتهم، والاهتمام بالمنزل وإدارته.
ثم يطيب الحديث عن أن المرأة السعودية محسودة على نعمة البقاء في المنزل وعدم الاضطرار إلى خوض غمار العمل، وأن مَنْ يريد تغيير أحوالها وإشراكها في الشأن العام وفي تنمية ونهضة بلادها، يريد أن يستلبها من النعم التي ترفل فيها. ثم لا بد أن تستدعي أيضاً تهم التغريب والخيانة والعلمنة والرغبة في إفساد المجتمع.. وهنا تستحضر أيضاً حالات التفكك الأسري والطلاق في المجتمعات الغربية والتهتك الخلقي والتسيب الجنسي، للمقارنة والخروج بالنتيجة الحتمية بأن بقاء الحال على ما هو عليه سيشكل جسراً يحمي مجتمعاتنا من سيول التغيير التي ستكتسحها ومن المفاسد والآفات المصاحبة لهذه العملية.
وتغفل صاحبات هذا الرأي أن مجتمعاتنا بواقع حالها الآن الذي يقصي المرأة ويبعدها عن الشأن العام، ويهمش مشاركتها في العملية التنموية والذي تقر معظم نسائه في بيوتهن ليس بريئاً من حالات الطلاق ولا عارياً من التفكك الأسري، ولا خالياً من المشكلات الاجتماعية والفساد الأخلاقي.. وأن وضع وصاية على تصرفات الناس وحراسة على أفعالهم لا يحميهم ولا يمنعهم من مقارفة الرذائل بقدر ما يخلق منهم أفراداً يعانون من ازدواج الشخصية لأنهم يضطرون إلى ممارسة ما يريدون في الخفاء ومن وراء الستائر المغلقة، وأن الحلول الحقيقة تتبلور في التربية والتعليم والتهذيب وتكوين الرادع الخلقي الذاتي الذي يجذر ويكرس للقيم الفاضلة دون حاجة إلى رقيب خارجي أو حارس يقف على بوابة الفضيلة كي يذود عنها.. وأن إهمال المرأة لأسرتها وأبنائها ليس ناتجاً عن العمل بقدر ما ينتج عن التربية على الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية التي تعاني منها المرأة في مجتمعاتنا.
والحقيقة أن مفردات الخطاب المذكور متجذرة في الوعي النسائي الشعبي، ولو قدر لك أن تستمع لأحاديث النساء في المجالس الاجتماعية لعرفت أنهن راضيات بوضعهن وحريصات على نعمة الدعة والراحة والرفاهية التي تغرق فيها المرأة السعودية. فتحولت كثير من السيدات بفضل هذه النعم إلى عالة على المجتمع؛ لأنهن لا يقمن حتى بالمهام التي تُناط بهن من إدارة للأسرة أو تربية للأطفال، بل يوكلنها للخادمات الآسيويات، ثم ينخرطن في سباق محموم للتنافس بالأزياء واستعراض للمهارات في تنظيم الحفلات والسهرات النسائية الحافلة بما لذَّ وطاب من صنوف الطعام.. فهذا هو المخرج الأمثل لتزجية أوقات الفراغ واستثمارها!!، وهذا هو الحال عندما نحيط المرأة بدوائر لا يمكنها الخروج منها فتجد نفسها وجها لوجه أمام الفراغ والبطالة فلا تملك إلا أن تغرق في لجتهما.
والوعي الشعبي لم يصل إلى ما وصل إليه إلا نتيجة لرؤى معينة تسكب فيه حتى تملأه وتطلعه على جانب واحد فقط من الصورة، فتحتكر الحقيقة وتزعم الامساك بتلابيبها والتمكن من أدواتها، وهو ما يكرس لأحادية الفكر والانغلاق على صورة معينة لا يمكن الخروج من أطرها.. وهذا ما ينطق به خطاب هذه الشريحة المهيمنة على الساحة الثقافية، فإلباس هذه الرؤية جبة الدين وخروجها من تحت عمامته يتيح لها فرض ما تريد وحقن الوعي الشعبي به، فهي تعتقد أن قراءاتها للواقع حق مطلق يجب أن يعمم وأن يؤخذ به من كافة شرائح المجتمع، بل تنزع إلى فرضه بالقوة وتطالب بوقف جميع من يكتب عن تحرير المرأة بغض النظر عن المنابع التي ينبثق منها خطابه، وتتعامى تماماً عن احتمالية خروجه من منطلقات دينية، فتضع كل من يكتب عن ذلك التحرير المفترض والحقوق المستلبة في خانة الترغيب والتآمر على الدين، وبالتالي يتحتم تكميم صوته وقصف قلمه لتبقى الساحة خالية ومتهيئة فقط لتقبل رأي واحد وقراءة معينة.
وتبرز هنا الحاجة الماسة لتخصيب بِنْية المجتمع بالتعددية، وضرورة صناعة وعي نسوي مختلف عن الوعي السائد ومواز له شريطة أن ينطلق هذا الوعي من رؤية متوازنة ومقدرة على تفكيك مشاكل المرأة واحاطة بالبُعد الاجتماعي لهذه المشاكل وتمرس بكيفية فك الالتباس بين الديني والعرفي وبالتالي التحرر من ربقة التقاليد التي تشد المرأة إلى الوراء.. فالمرأة السعودية تحتاج إلى أن تنزع العصابة الموضوعة على وعيها لتدرك أن هناك قراءات متعددة للدين وأن الأوضاع الاجتماعية المتدنية الملتفة حول عنقها ليست إلا محصلة لإرث عرفي يخرج من عباءة حضارات ومجتمعات نظرت إلى المرأة نظرة دونية، وجاهد الإسلام كي يخلصها من ذلك الإرث المقيت بينما راحت الأعراف الاجتماعية والقراءات البشرية ترمي بها في أتونه من جديد.
وحتى تتم صناعة هذا الوعي يجب أن تخلق قاعدة جماهيرية له، ويكون ذلك بتمكين النخب الثقافية من مخاطبة المتلقية عبر الثقافة السمعية التي أثبتت أنها الوسيلة الأنجح في مخاطبة الجماهير وفي تكوين الوعي وتشكيل مفرداته. وحتى نخلق ذلك التوازن في الساحة الثقافية يجب أن نساعد تلك النخب ونضع لها الاستراتيجيات التي تمكنها من رسم معالم هذا الوعي ونسهل لها الإجراءات كي تحاضر في المؤسسات التعليمية والمعاقل التربوية والجمعيات الخيرية.. وفي الفضاء متسع لكافة الآراء والأفكار وما على المتلقية إلا أن تقرر أي الرؤى هي الأنسب لها والأقدر على حل مشاكلها، ويتعين على النخب المثقفة أن تهبط من أبراجها العاجية وتتفاعل مع هموم وشجون المتلقيات ومشكلاتهن، وأن تخاطبهن بلغة بسيطة بعيدة عن اللغة النخبوية المسيطرة على المناخ الثقافي العام.. لغة تنزلق بمهارة ورشاقة بين مسايرة مستوى الوعي الجمعي للمتلقيات وبين القدرة على فتح آفاق جديدة على مستويات مختلفة من الوعي ترتفع بالمتلقيات إلى سماء أكثر اتساعاً وأرحب مجالاً وأكثر قدرة على استيعاب وفَهْم واقع المرأة السعودية وحقيقة المشاكل التي تواجهها.


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved