الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 3rd November,2003 العدد : 35

الأثنين 8 ,رمضان 1424

قصة قصيرة
الهدية
محمد بن صالح القرعاوي
لم تكن الحياة تسير بينهما على خط متوازٍ من التفاهم، فقد كان ذا شخصية متقلبة وهي ذات شخصية نرجسية، منذ أن تعرف عليها ليلة الدخلة لم يستطع مسك العصا من المنتصف.. كان جائراً في أحكامه وتصرفاته.. لم تعرف هي كيف تتعامل مع تلك النفسية..
خالد.. قالتها وهي تنظر إليه في حزن.. هل لتعاملك معي بوصلة..؟
نظر إليها.. حاول أن يهرب من ذلك التساؤل.. لقد تساقطت عليه الأسئلة في سؤال واحد.. يدرك طبعها جيداً.
تركته يلعب في سلسلة المفاتيح التي يحملها لعلها تجد الإجابة حين تحضر القهوة والشاي..!!
أخذ ينظر في ذاك المفتاح الملون.. نعم إنه مفتاح غرفتي في بيت والدي.. آآآه.. لقد فقدت تلك الحرية الذهنية.. أنت يا والدتي جزاك الله كل خير.. إصرارك بالزواج أفقدني تلك الحيرة..!!
تزاحمت في ناظريه الأيام الأولى للزواج.. حينما كان في وضع نفسي لا يحسد عليه.. كان لا يعرفها إلا من خلال الأوصاف التي قادته للقبول.. ولكن..؟؟
هي كانت في تخبط أسود.. لم تعرف الطريقة التي تسبر فيها إلى شخصيتي..!! ذلك الأسلوب الحذر المشترك بيننا في أيام الزواج الأولى.. طبيعة المجاملات التي غلفت مسرح التصارح فيما بيننا..!!
قف.. قف..!!! لماذا أنت تلقي باللائمة عليها.. أنت المسؤول الأول.. أنت القائد..!!
ليتني حددت الخطوط الرئيسة لحياتنا منذ البداية.. نعم سلبتني رقتها.. نعومتها.. الصوت الدافئ.. في تلك اللحظات التي بدأنا بها الحياة أضعت معها بوصلة المشاعر..!!
عبر صوت إذاعة القرآن الكريم المنطلق من غرفة النوم.. غرق في تحليل {هٍنَّ لٌبّّاسِ لَّكٍمً $ّّأّّنتٍمً لٌبّاسِ لَّهٍنَّ..}..
هل هي الملاصقة الفكرية.. أم هي العاطفية.. أم هي أشياء أخرى تكون ذلك اللباس.. ليعبر عنها التلاصق الجسدي..؟؟
هل هذه التركيبة العجيبة من النرجسية.. تتوافق مع تطلعاتي.. وهل الأفكار التي تحملها توافق ذاتي.. ولكن.. لماذا الحيرة تنخر ذاكرتي..!!
.. أنا ماذا أريد.. ماذا ينقصني.. هل أسير وراء تلك التطلعات التي يتحدث عنها شلة الاستراحة.. التي كانت موجودة في هذه الماثلة أمامي.. حسبما صورتها الأيام الأولى من الزواج..!!
قد أكون أنا السبب في هذا التردد والنفور الداخلي.. وقد تكون هي بسبب نرجسيتها الصارخة..!!
وعليكم السلام.. كان هذا هو الماء البارد الذي افاق عليه حينما ألقت عليه السلام.. ليشاركها جلسة القهوة والشاي والمكسرات..!!
حبيبي.. هل أجدك واحة خضراء أرمي عليها همومي التي تتشكل فيك أنت..؟؟
حبيبي.. إذا كان معك تذكرة واحدة لتركب سفينة الوهم.. فكم أتمنى أن لا تبحر بعيداً.. لأن الواقع سيغرق تلك السفينة.. ولكن.. الحياة لمن يعيشها!!
خالد.. حبيبي.. لا تدع لأنانية الأنا تغتال أفراحنا.. في ظل عدم إدراكك لمعنى الشركة التضامنية..!!
نظرت إليه وهو يرتشف فنجان القهوة.. لا تدري ماذا يدور في رأسه..!!
قال لها.. أنت مطلب كثير من الرجال حسبما يدور في مجالنا ولكن..!!
أنا.. وراح في نوبة صمت طويل..!!
قامت وهي تذرف الدموع.. تسترجع حياتهما ساعة.. ساعة.. مواقفها.. مطالبها.. تنازلاتها.. لماذا.. هو لا يقدر الحياة التي يرفل بها.. ليس لي عليه منة بذلك.. ولكنها تربيتي التي تعلمت منها العطاء بلا حدود..
ليته يفتح بوابة فكره لأدرك ماذا يريد.. فألبسها حسب رغبته..!!
في خلال الأيام الماضية جربت جميع المحاولات لكي تطرق عقله دون الإخلال في هتك ستر الزوجية.. أو إفشاء الأسرار وطلب النصح حتى من أقرب الأقربين..
صعدت إلى غرفتها.. مسكت القلم.. إنها المحاولة الأخيرة.. اختارت تلك البطاقة الجميلة التي تعبق بالعطر الذي يحبه كثيراً وكتبت تلك العبارات الصادقة لعلها تردم الهوة التي خلقها التي عكرت صفو حياتهما..
خرجت إليه وهو يهم بالخروج كعادته كل يوم حملت معها محاولتها وهي تدعو الله أن تكون العلاج الناجع..
ناولته البطاقة.. وهي تقول:
حبيبي خالد.. رجائي وأملي.. أن تقرأ هذه البطاقة وأنت في مكان آمن.. لا تخاطر بحياتك فهي غالية عندي..!!
أخذ البطاقة وهو يصمها بالنرجسية المفرطة وركب سيارته ورمى بالبطاقة على طبلون السيارة.. وهو يقول خرابيط مراهقات..!
وقف عند الاستراحة وعندما هم بالنزول حيث الأصحاب.. قرر أن يقرأ ما كتبت له في البطاقة.. ازداد حماسه لمعرفة عباراتها بعد أن فاح عطره المميز.. وهو يقول يكفيني هذا العطر.. وعلى الظرف عبارة «هذه هديتي لك هذا المساء.. أتمنى أن تقبلها ونفسك عني راضية» تسمرت عيناه على ذلك الخط الجميل..
«الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين خير الناس لأهله وعلى صحابته أجمعين..
حبيبي خالد.. أقولها بما تعني كلمة الحب التي جعلها الله بينه وبين عباده وبين العباد أنفسهم..!!
خالد.. هذه الهدية المتواضعة والكلمات اليسيرة.. لم أتكلف عليها سوى رحلة معك عبر أيام ماضية..!!
تجدها.. كلمات بسيطة.. لا أحسبها إلا ممزوجة بالصدق وعبارات لا تنقصها الصراحة..!!
وجهتها إلى أغلى شخص في الوجود.. !! إليك أنت.. نعم إنه أنت.. لا أحد غيرك.. يا من سكنت سويداء القلب.. وتربعت في فضاء البصر..!!
إنك في داخلي بغير حول مني ولا قوة.. أصبحت سر حياتي أحس بك في كل نبضة من نبضات قلبي..
.. أتأملك في كل نفس يصعد وفي كل نفس ينزل من صدري.. أحس بك في كل حركة من حركاتي..
إليك أنت يا من بيدك بعد الله عذابي وسعادتي.. وفرحي وحزني.. وضحكي وبكائي.. إذا لم أصارحك فما فائدة صدقي مع الناس..!! وإذا لم أصدقك فلا خير في كإنسانة..
عشرون عاماً اختزلتها أنت في ورقة تسمى عقداً.. وعقدت جميع جوارحي معك.. تلك الورقة عقدت جميع التطلعات التي كنت أحلم بها وأتصورها فأصبحت أنت بالصورة التي انعكست في كياني..
حبيبي خالد.. لا تظن أن هذا من الخيال بعيداً عن الواقع.. ولكنه الواقع في رسم الخيال..
البطاقة التي تقرأها الآن كانت لا شعور فيها وكذلك كنت أنا قبل أن تكتب تلك العبارات التي خلقت لدي الشعور نحوك..
فهل ستمحي ذلك الشعور..؟؟.. إذاً أعد البطاقة..!!!»
تملكه إحساس غريب تجاه صاحبة الهدية.. أعاد قراءة النهاية.. إذاً أعد البطاقة..!!
هي أنا إلى هذه الدرجة من السادية..؟ إنها قمة العطاء..!!
هل كنت أحتاج لمثل هذه الصدمة الحسية.. كي أعي ما أملكه من كنز..
كيف أعير حياتي للآخرين.. كي أتقمص شخصياتهم.. ولكن.. لا.. لا.. لا.. وألف لا..!!
أدار مفتاح السيارة وعاد راجعاً وهو يردد..
سوف أحتفظ بالبطاقة لنفسي ولن أفرط فيها إنها تحمل رائحتي!!!


dalo46@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved