ما عرفت الرجل شخصياً؛ فقد شغلتني الدراسة الصعبة والطويلة في جدة عن الالتحاق بمواكب حائل الإبداعية ورجالاتها المبدعين عن قرب، ولكني عرفته من خلال كتاباته، وكتابات الآخرين عنه، وعرفت كم هو وفيٌ لوطنه الكبير، ومن ثم مسقط رأسه الذي عاد إليه بعد رحلة عمل طويلة خارجه، قدم فيها عصارة علمه وخبرته وروحه الفنان المبدع لكل من جلسوا أمامه طلاباً في مقاعد العلم والمعرفة.
ذلك هو الأديب عاشق الهذال.. عاشق الأدب وعاشق حائل.. نحتفي به كعلم من رواد السرد، وكاتب أصيل من رواد القصة.. عاصر أعلام الأدب الوطني والعربي في عقود طوال، وظل مخلصاً لما أحب وعرف؛ فبقي عنواناً لأدب أصيل قل مثيله في زمننا الحاضر.
عاشق الهذال الذي استقر في حائل ليعلن أنها عشقه.. حائل.. ويكتب القصص عنها ليعبر ويصف بيئتها بكل تفاصيلها الإنسانية غير خجل من عيوبها، ولا مفتخر بنبلها وكرمها.. غائصاً في أرواح الناس وتفاصيل حياتهم، يمزج في سرده بين جمال البيئة الحائلية والمعاناة الطويلة بكل تفاصيلها.. ومن ثم الطفرة وما حملته من إفرازات ليصور ذلك كله في مزيج جميل يحمل بين طياته المعاناة والغربة والانتماء، ويبين عمق التناقض بين الحياة القاسية وشظف العيش، وبين الرفاهية ورغدها.
ويضرب هذا العاشق أروع الأمثلة في وفائه لوطنه وأبنائه، سواء كانوا أساتذة أو رفاقاً، وحتى أبناء، فما انفك العاشق أبداً عن ذكر أستاذنا القدير فهد العلي العريفي - رحمة الله عليه - وحري بمثله ممن يحمل كل ذلك الوفاء أن يبدع في أدبه وعمله الإبداعي الذي يمتلئ بحسه المرهف وكلماته البسيطة المعبرة كل الحقائق عن بيئته ووطنه في تعبير مليء بالعشق لهذه الحياة التي لم تخلُ من شظف، والتي عانى منها، ومن أخطاء البشر فيها، ومن قسوتهم، وأحب فيهم طيبتهم الخالصة، وجمال الروح الأصيل الذي ينتمي إلى عوالم الخير عن فطرة.. هذا الانتماء الذي يجعلهم بشراً في صميم تكوينهم، وينأى بهم أن يكونوا جناً أو شياطين، وهم في ذات الوقت ليسوا بملائكة.
إن السرد الطبيعي البسيط الذي قدمه الأستاذ عاشق الهذال بكل جمال، والذي سخر فيه بكل الحب والإنسانية من الحياة وقسوتها، ومن البشر وحماقاتهم، وعبر من خلاله عن حبه لهؤلاء البشر رغم أخطائهم الإنسانية البسيطة، وسيبقى ما بقي قارئ يحب الكلمات، وناقد لديه القدرة على الغوص في بحار الحروف بحثاً عن المعاني الأصيلة والثرية المعبرة عن روح الحياة الحق دون ادعاء أو زيف، ودون بهرجة أو خوف.
