Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
الملف
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

عاشق الهذال.. دلاّل الحمير
محمد بن عبدالرزاق القشعمي

 

 

التقيته في منزل صديق الجميع الأستاذ فهد العلي العريفي -رحمه الله- قبل ثلاثين عاماً، وذلك أثناء عمله بوزارة المعارف بالرياض، وكنت وقتها أعمل بمكتب رعاية الشباب بحائل وسريعاً ما ألف بعضنا بعضاً.

ومع بداية عام 1400هـ انتقل عمله إلى إدارة التعليم بحائل في الوقت الذي كنت أعمل هناك.. وبعد أشهر قليلة كانت زيارة صاحب الجلالة الملك خالد بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى حائل فشكل سمو أمير المنطقة آنذاك الأمير مقرن بن عبدالعزيز بعض اللجان المنظمة لاستقبال جلالته ومرافقيه فكنت من حسن الحظ مع الأستاذ عاشق الهذال وآخرين في لجنة الإعلام والنشر ومهمة اللجنة تسهيل أمور رجال الإعلام ومندوبي الصحف وتزويدهم بالمعلومات المطلوبة.. فكان نعم الصديق والزميل..

شاءت الأقدار أن نسافر سوياً لبضعة أيام إلى البحرين مما عمق هذه العلاقة ووطدها.. فعرفت أبا عبدالسلام عن كثب وعرفت معدنه الصافي.. ومدى حبه لعمل الخير وتشجيعه الرجال العاملين المخلصين.

وقد سمعت منه شيئاً من ذكرياته مع بدايات عمله مدرساً ثم مديراً لمدرسة في إحدى قرى الطائف، فعاش رغم شظف العيش وانعدام الخدمات وصعوبة الحياة في قرية نائية.. فكان معه عدد من المدرسين وبالذات المتعاقدين من أشقائنا أبناء الدول العربية، كسورية وفلسطين وغيرهم كانوا يتزاورون بعضهم مع بعض في القرى الأخرى وفي الليالي حالكة الظلام إذ إن الكهرباء لم تصل إلى هناك وقتها.. وكان أحدهم لديه سيارة يمكن الاستفادة منها لإيصاله وغيره لقريتهم مع نهاية السهرة.

وصادف -كما روى لي- أن ذهب مع غروب الشمس لزيارتهم في قريتهم التي تبعد ما لا يقل عن 10كم عن قريته رغم صعوبة الطريق ووجود آبار مكشوفة وحيوانات مفترسة لا تخرج إلا في الليل.

المهم أنه وصل إلى مبتغاه بصعوبة ولم يجد أحداً منهم في القرية إذ ذهبوا إلى المدينة للتبضع.

فما كان منه إلا العودة ماشياً على قدميه في الليل الدامس. وقد تعرض لكثير من المشاكل منها هجوم الكلاب عليه. وكاد أن يسقط في بئر.. ولم يصل لقريته إلا في وقت متأخر من الليل.

استمرت علاقتي معه بعد ذلك.. فقد تيسر لي دعوته للمشاركة في الكتابة ضمن (سلسلة هذه بلادنا) التي تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب - الشؤون الثقافية -عندما كنت أعمل بها وشارك في الكتابة عن بلدة (جبة) وصدر الكتاب يحمل الرقم 54 في 1419هـ.

وكان قبلها قد بدأ التأليف في وقت مبكر، إذ أصدر عام 1392ه كتابه الأول (مختارات من الشعر الشعبي)، ولكنه سرعان ما اتجه إلى القصص والحكايات الواقعية والتي لها ارتباط بالبيئة ك(العصامي) و(عرس في المستشفى) و(دلال الحمير) و(الكلب والحضارة) و(الفرسان والفارس).

وكما علمت منه منذ سنتين أو أكثر أنه يعكف في الوقت الحاضر على مشروع تاريخي رائد وهو الكتابة عن تاريخ حائل منذ ما قبل الإسلام وحتى الآن. وقد جمع ذخيرة من المراجع والمؤلفات ومشاهدات الرحالة والمستشرقين الذين مروا بها فلعله يكون قد أوشك على إنجاز هذا العمل الضخم الذي لم يسبق إليه. إلا محاولات الأستاذين فهد العريفي وعبد الرحمن السويداء، فيما أعتقد، وطبعاً الدكتور عوض البادي، في تتبعه للرحالة الذين مروا بحائل وترجمة أعمالهم.

يذكر أن أفضل أعماله انتشاراً وشهرة هو مجموعته القصصية (دلال الحمير) وأنه قد اختار له اسماً آخر.. ولكن الناشر محمد الزايدي بالطائف بعد أن قرأها اختار لها هذا الاسم الجديد لكونه عنواناً لإحدى القصص.. وفعلاً لفت هذا الاسم أنظار القراء.. وأصبحت (دلَّال الحمير) هي الأكثر شهرة.

آخر لقاء لي معه كان قبل خمس سنوات وفي عنيزة أثناء إقامة مركز صالح بن صالح الثقافي حفل تكريم لمعالي الأستاذ الشيخ عبد الله العلي النعيم عام 1423هـ إذ دعي مع مجموعة من الأدباء وكان هو والأستاذ فهد العريفي يزورون عنيزة لأول مرة وقد عرفت أنهم فوجئوا بما وجدوه وشاهدوه سواء في المركز أو في المدينة من تعاون وتكاتف بين أبنائها وكان اللقاء لأكثر من مرة في منتدى (مطلة) للراوية الأستاذ عبد الرحمن البراهيم البطحي -رحمه الله- إذ كان الحديث يمتد من غروب الشمس وحتى وقت متأخر من الليل.

والآن وأبو عبدالسلام قد تخطى السبعين - أطال الله عمره- فقد آن له أن يستعصر خلاصة الشهد في حياته، فبعد أن ينجز عمله الرائد الذي يعكف عليه.. نريده أن يكتب سيرته الذاتية بأسلوبه الجذاب كما عهدناه في قصصه ورواياته.

نريد أن نقرأ معاناته ومن عاصره.. فهذا هو التاريخ الحقيقي.. هذه الأيام لا يعرف هذا الجيل كيف كانت الحياة قبل سبعين عاماً وكيف كانت معاناة من سبقهم ومكابدتهم للحياة وشظفها.

والآن وجريدة الجزيرة ممثلة في (المجلة الثقافية) تحتفي بالرواد والبارزين من أبناء هذا الوطن كل في مجال تخصصه واهتمامه، يحق لنا أن نحتفي ونحتفل بأستاذنا الفاضل عاشق بن عيسى الهذال وهو يلقي عصا الترحال بعد تقاعده ويستقر متفرغاً للبحث والتأليف والتأمل، متمنياً له الصحة والعافية ومزيداً من التوفيق والعطاء المثمر.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة