Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
الملف
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

عاشق القصة.. عاشق الهذال
محمد حمد البشيت

 

 

عاشق الهذال.. عاشق الكلمة الجميلة المؤثرة في حياكة (القصة) المروية من تراث الآباء والأجداد ذات النسق الاجتماعي المتناسق لتلك الحياة الرتيبة في منابت الصبا والتي يستدعيها لنا في (قصصه)؟!..

وكأنه وهو يرويها لنا لتبرز حائل على شاشة الذاكرة متجسدة بشخوصها وناسها مفعمة بتلك الحميمية والإلفة والمحبة المتأصلة داخل الوجدان؟!..

إنه يكتب بلغة جميلة وسهلة.. يكاد المرء أن يراها ماثلة في كل مكان بل في كل قرية من قرى مدننا، وما أكثرها النابضة بالحياة البدائية القاسية التي لم تطالها يد الزخرفة والبهرجة الحضارية!

أقول هذا ليس مقتاً وتجاهلاً للحياة المدنية الحديثة، ولكن تبقى القرية هي الأصل والمنبت في الذاكرة، وذات النكهة الخاصة المحافظة على طابعها الشخصي المتوارث عليه من حيث العادات والتقاليد القروية؟!.

ولا أبالغ إذا قلت إنه ذلك (الغازل) الذي يغزل بمغزله وبين يديه (كومة) من الخيوط المتعددة الألوان، في الوقت الذي يعرف وبعين الخبير المتمرس المتهرس في كتابة (القصة) كيف ينتقي الخيط الذي ينسج على مغزله نسيج (قصته) المؤطرة بالمرؤة والعفة والنخوة والكرم!.

كيف لا.. وهو ابن تلك المدينة الجميلة الوادعة المحتضنة جبلي (أجا وسلمى) الجبلين الذين حدثنا التاريخ عن قصة حبهما منذ العصور الغابرة.. والمتحضنة أيضا (قبر) حاتم الطائي.

يالها من مصادفة رائعة أن يطلب الصديق الزميل الروائي عبدالحفيظ الشمري.. المشاركة بكلمة للملف الثقافي، الذي ستصدره (مجلتنا الثقافية) ملفاً خاصاً تكريمياً عن القاص الأستاذ عاشق عيسى الهذال.

وقد راودتني الفكرة أن أكتب عنه من قبل.. إلا أن الوقت لم يمكنني من ذلك.. وقد سبقتني (الثقافية) ومن ثم أيقظت فيني روح الحماس لكتابة هذه المقالة التي وددت كتابتها منفرداً ب(الهذال) وها هي أتت على استحيا من جهد المقل.. أملاً أن تكون كلمة وفاء وتقدير من (الثقافية) قبلي للمحتفى به (عاشق عيسى الهذال)؟!.

الأستاذ عاشق الهذال.. انبثق عشقه (للقصة) من عشقه لمدينته، فاستثمر مخزونه الأدبي في تطويع (أقاصيصه) من البيئة الحايلية وليذكرنا كيف كانت الحياة عليه، حياة القرية قبل المدينة، وكيف كانت الحال عند القرويين وهم يصارعون الحياة بكل مشقة وكبد، حيث الزراعة، والصناعة اليدوية، ليكونوا لأنفسهم مكانة يرتضونها.

كلما تذكرت قراءاتي (لقصص) ضيفنا المحتفى به وما تحتويه من مادة مشوقة، يعاودني الحنين لقراءتها مرة ثانية وثالثة، لأنه ليس باستطاعة قارئ مثلي الفكاك منها دون إتمامها، يعود ذلك للأسلوب السهل واللغة البسيطة والتصوير القصصي الجميل، والبعيد كل البعد عن الأساليب الملتوية الغامضة ذات النمط الأجوف، إن قصصه مختصرة وهادفة ومفيدة وسريعة الهضم، يألفها القارئ وتشده إليها!.

تذكرني بعض قصصه في (قنديل أم هاشم) ليحيى حقي، أو (عصفوراً من الشوق) لتوفيق الحكيم، بل (الأيام) لطه حسين، ذات البناء القصصي العذب الذي يسلب (لب) القارئ أخذه به من مكانا أكثر رحابة وإيناس..!

عاشق المصور القصصي الماهر، الذي ينقلنا بقصصه من المدينة إلى القرية حيث بيوت الطين آنذاك.. والذي ما أن ينزل المطر إلا ونشتم تلك الرائحة المميزة التي لا زالت عابقة بأنوفنا، ثم يأخذنا لمناظر أكثر نضارة، حيث الجبال السمر الشامخة جبال الرعيله، وبلطه، وجانين، ومشار، والنصيه، والجثامية، وعقده، وغيرها، وحواليها البيوت الطينية المتناثرة وسط حقول المزارع البدائية ذات المجهودات الذاتية والمنبعث منها هدير (مكائن البلاكستون) لتضخ المياه على هيئة جدول تسقي كل مزارع الفلاحين، والتي كانت أمنية الفلاح في الزمن الغابر، حيث كانت دنياه بيته الطيني ومزرعته التي يقتات منها قوت أولاده.. تلك المزراع الجبلية الناظرة التي تحيط بها الجبال من كل مكان كما تحيط الأسورة الجميلة في معصم غادة حسناء!؟..

حينما صدرت له (العصامي) أقاصيص وحكايات من البيئة، في صفر عام 1394هـ مارس 1974م، أهداني نسخة منها، ولا زالت بمكتبتي.. تلاها عدة قصص طبعت له، وله مشاركات أدبية وصحفية في معظم الصحف المحلية.

أبا عبدالسلام، أيها (العصامي) المخضرم، سلمت عيناك يا رجل وقد أتعبتها بالقراءة والكتابة ردحاً من الزمن، مصوراً لنا حياة الريف صورة حية نابضة بالمعاني والأمثال التي جادت بها قريحتك في معظم قصصك.. وحلوة تقطر شهداً لا تقل حلاوتها عن (تمرة) الحلوة (الحايلية) التي افتقدناها يا سيدي في زمننا الردي وقد جفت الينابيع واندثرت الآبار وشحت المياه حتى عن ذلك البئر الشهير بالبلدة المسمى (سماح) حينما كان ذلك البئر مصدر ثروة مائية تسقي (نخيلات) المدينة، ويشرب من مائها (القراح) العذب ساكنيها، والحياة رغدة نتيجة لوفرة الأمطار ونزولها يشكل مصدر فرح عند المزارع بمزرعته وعند الراعي حيث مرعاة!!

عبر الثقافية لك التحية والتحية أيضاً مزجاة للثقافية والقائمين على شؤونها لما يوالونه من إصدارات تكريمية حافلة ومحتفية بمنهم مثلك وأمثالك في دنيا الثقافة والأدب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة