Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
فضاءات
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

عبدالرحمن الشبيلي.. و(أعلاَمٌ بلا إعلام)
عبدالرحمن بن محمد الأنصاري *

 

 

يمتاز الإعلامي البارز الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي، بمفاجأته للوسطين: الإعلامي والثقافي، بمادة مؤلفاته التي أصبحت - ربما من حيث لم يقصد - (حولية) أو شبه حولية.. فكتابه الجديد (أعلام بلا إعلام) الجزء الأول، هو مفاجأة لي على الأقل، لخروجه على ما ألفنا من أن تكريم المؤلفين والكتاب، لا يكون في العادة إلاّ للأموات.. وأما الأحياء فإنّ تكريمهم مُؤجّلٌ وسابق لأوانه مع أن الكثير من معاناة الأحياء، هي النتيجة التلازمية لمعاناتهم من الجحود والنّكران، فتجد الكثيرين منهم يتمنون سماع كلمة حق أو شكر تُقال في حقهم، أو سداد دين أثقل كواهلهم، مع إفنائهم حياتهم في سبيل الصالح العام، وتعليمهم الناس ما كانوا يجهلون. ولكن ما إن يُغادر أحدهم هذه الدنيا الفانية إلا وتجد الأقلام تتسابق في تدبيج محاسن (المرحوم) ومحاولة تذكّر ما كان منسياً منها.. وإنّ مما يُضحك حقا، النماذج النمطية لتلك المراثي والبكائيات، التي يتسابق الجميع على تدبيجها، وغالباً ما تكون من جنس هذا النمط: (أول ما عرفتُ المرحوم قبل ثلاثين عاماً، حيث جمعتني به بعثة دراسية.. وكان .... وكان.... وكان ...).. أو من قبيل:

(لقد أحزنني خبر فقدنا للفقيد.. وما أحزنني حقاً، أنني لم ألتق به منذ أمد طويل.. فآخر لقائي به كان قبل عشر سنوات، حيث التقيتُ به فجأة وبغير موعد في صالة أحد المستشفيات، وعلمتُ فيما بعد أنه كان يعاني من أزمات صحية ونفسية وضائقة مادية، وكنتُ أهمّ بتفقد أحواله والعمل على مواساته، ولكن القدر كان أسرع.. إنا لله وإنا إليه راجعون ...!).

وأما المضحك المبكي فهو ما ستراه من تسابق الصحف في رثاء المرحوم، والبحث عن المتحدثين عن أعماله الجليلة وإبداعاته المتميّزة، وما أفنى عمره في تحقيقه لمجتمعه وأمته.. وهي نفس الصحف التي كانت تتجاهل (المرحوم) يوم كان يمشي على رجليه، وتتقاعس عن نشر إنتاجه، فكان ذلك التجاهل، أولى بداية له مع أزماته الصحية والنفسية التي عجّلت به الانتقال إلى الدّار الآخرة..!

لقد خرج د. عبدالرحمن الشبيلي في مؤلفه الجديد الأنيق هذا، على ذلك النمط المألوف من أن التأليف والتكريم لا يكون إلا للأموات.. فجاء كتابه الجديد (أعلامٌ بلا إعلام) مُكرّما للأحياء، بتناوله سيَرهم، مثلما هو مكرّمٌ في الوقت نفسه، لمن اختارهم الله لجواره ممن كان الحديث عنهم مادة ثرية للكتاب.

إنّ دلالة الكتاب على عقل ومكانة كاتبه، حقيقة مُسَلَّمة نطق بها الحكماء من قبل، وهي أجلى وأظهر ما تكون في كتابات ومؤلفات الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بصفة عامة، وفي كتابه هذا الذي نحن بصدد الحديث عنه بصفة خاصة، فأناقة الشكل، ذات الدلالة على أناقة وجمال المضمون التي هي من سمات أبي طلال الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، جلية وواضحة في الكتاب، إنّ جمال الإخراج والحجم المناسب لحروف الطباعة فضلاً عن أسلوب المؤلف البياني، أمورٌ لا يُعادلها شيء في بلوغ الغاية، سوى تواضع المؤلف، المعروف عنه سعة باع معارفه، وتنوع آفاق ثقافته، فهو إلى جانب كونه أحد أساطين الإعلام البارزين: أستاذ جامعي، ومتحدث بارع، يقرأ ويكتب بأكثر من لغة، ويتحدث بأكثر من لسان، له العديد من الكتابات والتأليف الموزعة بين الإعلام، والسّيَر والتراجم، فضلاً عن عضويته للعديد من المجالس التشريعية وذات الشأن في صنع القرار.. ومع ذلك كله فإنه يصف تجربته في التأليف بأنها (تجربة قصيرة ومتواضعة، وأنها لا تتعدى الهواية، ولا تُدخله بين المؤرخين).. ومع عدم تسليمنا له بذلك أو موافقته عليه، إلاّ أنّا نحمل ذلك على أنه خُلق من الأخلاق التي درج عليها (الكبار) وألفوها عندما يتكلم أحدهم عن نفسه.

يقع هذا الجزء - وهو الأول - من الكتاب في (400 صفحة) و(43) ترجمة مع صور شخصية ملونة في غالبها، وفي غاية الوضوح للمترجَم لهم، وذلك ما يجعله مرجعاً هاماً للمؤلفين والباحثين ووسائل الإعلام. ولم يلتزم المؤلف بترتيب المتَرجَم لهم بحسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم، وهو أمر يمكن فهم دواعيه، ولكنّي أُقدّرُ أنّ المؤلّف، وإن لم يذكر العدد الذي ستصل إليه أجزاء الكتاب مستقبلا، إلاّ أنّي أقدّرُ أنه سيكون في أجزاء، ربما تتجاوز العشرة، مما يجعله بمثابة الموسوعة الشاملة للأعيان ووجوه المجتمع في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي أحسَبُ أنّ التّرتيب الأبجدي لأسماء المُترجَم لهم قادمٌ، ولكن عند بلوغ الكتاب لتمامه.

أختم بالتنويه بالمقدمة البليغة التي قدم بها معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر الكتاب والتي أوضح فيها بجلاء أنّ (تدوين حياة هؤلاء الأعلام تسجيلاً لتاريخنا، ونحن في حاجة إلى رسم جوانبه من جميع النواحي، إنّ في ذلك الحديث عن هؤلاء الأعلام بالطريقة التي اختارها الدكتور عبدالرحمن، توضيح صور لا يُمكن أن تُتصور أو تُعرف إلاّ عن طريق مثل هذا العرض المتقن، والمبني على بحث مستفيض، وتحقيق دقيق، وتحرّ للحقائق في صورتها الموثّقة....).

- الرياض - المستشار الإعلامي بوزارة الداخلية alansari1@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة