Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
فضاءات
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

ما تحت الأدبيّ في النصّ الروائيّ
د. شهلا العجيلي

 

 

ينظر النقد الحديث إلى العناصر الثقافيّة - الاجتماعيّة التي تدخل في تكوين النصّ الروائيّ الى أنها عناصر تحت أدبيّة، ويتضمّن ما تحت الأدبيّة: الأساطير، والمخزونات الثقافيّة، والأغاني الشعبيّة، والأهازيج، والمواويل، والأمثال، والحكايات، والمقالات الصحافية، والمدوّنات، والمقولات التراثيّة التي تحمل نظم تفكير البنية، وينظر إلى هذه العناصر تحت الأدبيّة بعين الريبة، نتيجة سطوتها المتزايدة على النصّ، إذ بات يخشى منها على أدبيّة الأدب، واستمرّت هذه النظرة إلى ما تحت الأدبيّ حتّى شيوع النقد الثقافيّ، وحلوله شيئاً فشيئاً محلّ النقد الأدبيّ.

لعلّ نموّ فنّ الرواية وتطوّره، وإقبال المبدعين عليه، جعل أدوات الكتابة تستنفد بسرعة، ممّا يدعو إلى الحاجة إلى التجديد، ولمّا بدأت الإديولوجيّات تنهار منذ ثمانينيّات القرن العشرين، وتخبو الدعوات القوميّة، بدأ المبدعون يبحثون عن ينابيع جديدة ينهلون منها لإغناء نصوصهم بعد جفاف ينابيع الإديولوجيا، فتمّ الإقبال على معطيات الثقافة غير العالمة مع البحث عن تجلّيات مثل هذه الثقافة، فوجد المبدعون ضالّتهم في ما تحت الأدبيّ.

يعدّ العكوف على ما تحت الأدبيّ سمة رئيسة من سمات النسق المعارض في الكتابة، يستعين بها في إثبات ذاته ووجوده أمام النسق المسيطر، لأنّ الأخير لا يحتاج إلى إثبات ذاته، ولا إلى إثبات عراقته، أو أصالته، أو تاريخ وجوده، لأنّ قيمه وأعرافه عامّة ومعياريّة.

يمكن القول إنّ استعمال ما تحت الأدبيّ في الجنس الروائيّ هو عمليّة تسخير الجماليّ لخدمة الأنثروبولوجيّ، وقد يكون تسخيراً للأنثروبولوجيّ في خدمة الجماليّ، فهو إثبات للهويّة، مهما كانت محاولة إتيانه بريئة يهدف المبدع من خلالها إلى التغاير والاختلاف، وهي عمليّة معرفيّة وممتعة، ما لم تتحوّل ممارستها إلى فوبيا.

تميل الأنساق المعارضة الإثنيّة منها والدينيّة إلى استخدام ما تحت الأدبيّ بكثرة ولا سيما الأسطورة، وأسطورة تكوين النسق بخاصّة، وذلك لإثبات النسق حقوقه التاريخيّة في الوجود، والسيادة أمام الأنساق المسيطرة التي تهمّش ذلك الوجود، فأسطرة الحضور الإثنوثقافيّ، واستعمال الأسطورة، بل وصناعة الأسطورة أيضاً أو ما يسمّى الأسطورة الثانية من أكثر الثيمات الفنيّة شيوعاً في نصوص الأنساق المعارضة.

وتلجأ تلك الأنساق الثقافيّة إلى إحياء طقوسها البائدة، ومعاييرها الجماليّة، وأعرافها الأخلاقيّة، ودساتيرها الخاصّة، لإثبات تغايرها النسقيّ واختلافها التام عن غيرها ومنهم النسق المسيطر.

لقد منحت الدراسات الثقافيّة أهميّة كبرى لما تحت الأدبيّ في النصّ الروائيّ، مستدلّة من خلاله على أنماط المعيشة ونظم التفكير، وحقائق المواجهات النسقيّة، ممّا يشي بخطورة هذه العناصر ما تحت الأدبيّة، هذا ما يجب أن يدفع المبدع إلى التمحيص في المخزون الثقافيّ لبنيته، وانتخاب ما يمكن أن يظهر الوجه الأجلّ لثقافته، رافعاً إياها فوق الشقاقات النسقيّة، منتبهاً إلى خطورة عمليّة الكتابة، وواعياً لمسؤوليّته تجاه الأجيال التي قد لا تملك، في يوم ما، من دوالّ على تاريخ بنيتها وثقافنها سوى هذا النصّ الروائيّ.

* مدرّس الأدب العربيّ الحديث والآداب العالميّة في جامعة حلب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة