الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th April,2005 العدد : 100

الأثنين 25 ,صفر 1426

«الثقافية»: لعبة الحكمة وحكمة اللعب
عبد الله السمطي

تغتبط (الثقافية) اليوم وهي تحتفي بصدور عددها المئوي، غبطة لها مغزاها، ولها دلالاتها العميقة في الساحة (الثقافية). إن هذا الوصول للعدد المئوي، بالألق نفسه، وبالتوهج الذي تجلت به (الثقافية) منذ عددها الأول الصادر منذ أكثر من عامين، إنما ليؤكد مبدئياً أن الفعل الثقافي، مهما كانت الظروف والأسباب، جدير بالبقاء، وبالنبض في جواهر الأشياء، وبالوقوف الدائب على حد السؤال.
كما ينبئ هذا الوصول إلى العدد المئوي عن أن ثمة ذهنية تخطط، وتفعل، وتحرك حتى لا يؤول الوضع إلى رتابة ما، ويفضي إلى تحقق حميمية وسخونة في الأفق الثقافي.
لقد كانت مادة (الثقافية) بمثابة الحكمة التي يبحث المبدع عن ضالتها، إنها لعب بالحكمة، الثاوية في مكامن الإبداع بمختلف أجناسه، الجارية في أفق بيت من الشعر، أو في لقطة سردية في رواية ما، والمزجاة في لقاء شخصيتين في مشهد قصصي، أو تلك التي تترى على لسان ناقد، أو مبدع شاب يتحسس خطواته الأولى.. إن اللعب بالحكمة، ليس بالضرورة لعباً بالعقول، بل هو ضرب من التأمل، والاستشفاف، والمكوث على حواف الضوء. هذا ما تفعله (الثقافية). إنها تستبطن وتشف، إذ تضمر وتكني، وتبوح وتعترف إذ تخبئ عناوينها في أعالي المطلق ونهايات الكلام. واللعب بالحكمة، الذي مضماره غاية الكلام، وجمالياته، وشوطه مدى الأنساق والخطابات وآيته ألا يتألم المبدع إلا رمزاً، هو حق ضروري لابتكار الحياة، ولعب بلحظاتها لاستيلاد اللحظة الممكنة الحالمة. هكذا هو المغزى العميق ، فيما يبدو لي، لحضور (الثقافية) في المشهد الثقافي
2
معرفياً، تندرج (الثقافية) ضمن منظومة الاتصال الثقافي الذي يرمي إلى وضع مجريات الواقع الثقافي حيال القارئ العام من جهة، وتلقاء المثقف المتخصص من جهة أخرى، وهي بهذا تسعى لتوصيل نمط ثقافي يتوسط الرؤية المنهجية النخبوية العالية، والأفق الثقافي العام الذي يمثله القارئ العام، ولعل هذه الرؤية تضمن من وجهة إعلامية توصيل حالة من حالات الثقافة، لا تهدف بالضرورة إلى التأثير، والنمذجة بقدر ما تهدف إلى توتير الفعل الثقافي في أقواسه القارئة.
ولعل هذا التوسط يؤذن بأن تمتلك (الثقافية) شوطها الخاص في المشهد الثقافي، فهي ليست مقالية صرفة، كما أنها لا تتكئ فحسب على المادة الحوارية أو الخبرية أو التحقيق الصحفي الثقافي، وتستكتب طائفة متنوعة من الأدباء والنقاد والفنانين المعنيين بالشأن الثقافي، ليس بكونه شأناً جامداً، بل متحرك وحادث وفعال. هل هي كتابة الممكن؟ كلا ليست كتابة الممكن، ولا الجاهز وإلا وقعت (الثقافية) في نمطية لا تسمن ولا تغني من جوع، ونحن كمجموعة من الزملاء والمتابعين نربأ ب(الثقافية) أن تقع في هذه النمطية، لأنها عنوان ثقافة، وآية عقل، ونموذج للحوار والتفكير.
3
فيما كنت متوجهاً لعملي في صبيحة أحد أيام الاثنين مررت بأحد تموينات حي الروضة بالرياض لشراء إفطار خفيف، فقمت بتصفح بعض الصحف ومنها ملحق (الثقافية)، وفيما كنت أتصفحه بادر أحد الزبائن بشراء صحيفة الجزيرة التي انتزعت ملحق (الثقافية) منها، وهم بدفع ثمن الصحيفة لصاحب البقالة، فناديته بأن يأخذ ملحق (الثقافية) مع الصحيفة، فقال لي: لا أريدها، كررت عليه: يا عم اقرأ (الثقافية)، فأجابني: (خرابيط) ومضى مسرعاً في اتجاه سيارته. لماذا هي الثقافة عند بعض القراء مجرد: (خرابيط)، القراء الذين يتأبطون الصحف الرياضية أو المجلات الفنية، أو حتى الصحف اليومية، يطالعون كل شيء إلا (الثقافة).. هل هي مسألة ثقافة أم مسألة وعي؟ لماذا كانت الأجيال القديمة تتلهف على ما هو ثقافي، وتفخر بأن توسم بأنها مثقفة؟ لماذا لا نجد الأمر نفسه لدى جيل اليوم؟ هل لتطور وسائل الاتصال وتنوع مصادر المعرفة؟ وماذا نقول في الشعوب الغربية وقد تنوعت لديها وسائل الاتصال ووسائط المعرفة ومازالت القراءة لديهم نامية وبنسب مرتفعة؟
لماذا القارئ العام يعد الثقافة نوعاً من ال(خرابيط) فيما نحن غارقون في أعماقها؟
أعتقد أن الخطأ ليس من صاحب مقولة: (خرابيط) هذه؟ بل من المثقفين والكتاب، الذين فرضوا على أنفسهم نوعاً من العزلة والاغتراب داخل المجتمع، ودارت أحاديثهم حول البنيوية وجاك دريدا وفوكو وإيكو، ونسوا هموم عبدالمتعال، وعبدالمعطي، وعدنان وقحطان....، أعتقد أن المثقفين هم المخطئون بانشغالهم ببنية الصورة، وحكاية النسق، وإبستمولوجيا الشكل، وهيرمنيوطيقا المعنى، ولم ينشغلوا بأزمات المجتمع وقضاياه وشجونه، وهمومه.. هل هذه دعوة للالتزام بالقضايا العامة؟ نعم هي دعوة للالتزام!!
4
كيف يمكن أن تتخلص (الثقافية) من صفة (خرابيط) التي سمعتها أيضاً من قبل من أحد موظفي مهرجان الجنادرية في تعليقه على بعض إصدارات المهرجان، كيف يمكن لها أن تتطور أكثر باتجاه المجتمع والقضايا العامة وهي تخطو إلى مئويتها الثانية؟
أعتقد أن هناك أموراً يمكن الالتفات إليها وهي كالتالي:
توسيع أشكال الثقافة ومفاهيمها وصيغها بحيث لا تقتصر على الشعر والأدب والنقد فحسب، بل تشمل مختلف مجالات الحياة، فهناك ثقافات كامنة في الهندسة والطب والمعمار والإدارة.. إلخ.
توسيع مجالات الحوارات الدينية والفكرية وطرحها بشكل ثقافي جديد.
التعامل مع الأكاديمية والطلاب بشكل مباشر في طرح قضاياهم وآرائهم.
مناقشة القضايا العامة من منظور ثقافي: كالتعليم، وقضايا الشباب والمرأة، وقضايا الإرهاب، وقضايا الحوار الوطني... إلخ هذه القضايا العامة.
استضافة الأطباء النفسيين وعلماء الاجتماع والفقهاء بين الحين والآخر وطرح القضايا العامة حيالهم.
التواصل مع الناس بإحداث خطوط هاتفية مباشرة لتلقي أسئلتهم وقضاياهم (الثقافية).
أن تكون (الثقافية) وسيطاً استشارياً بين الطلاب والأساتذة في اقتراح بحوث للدراسات العليا، أو طرح استفسارات معينة حول كتاب أو معلومة.. إلخ.
وضع أبواب ثقافية جديدة عامة، مثل: مكتبة المنزل، ضيفكم على هاتف (الثقافية)، مفكر العدد، زيارة لمكتبة أديب، من أرشيف مثقف، وثائق نادرة.. الخ.
طرح القضايا (الثقافية) في ملفات بدلاً من الملفات التي تركز على الأشخاص.
إعطاء مساحة كبيرة لكتابة المرأة، وللكتابات الأخرى خارج نطاق الأدباء إلى كتابة التجارب الإنسانية البارزة ببعد ثقافي.
الابتعاد عن المجاملة في النقد أو في عروض الكتب أو في الحوارات (الثقافية).
مراقبة النشاط الثقافي للمراكز (الثقافية) بشكل حقيقي ناقد، لا بشكل تقريري خبري.
نشر اقتراحات ببرامج ثقافية لمؤسسات ثقافية معينة.
نشر اقتراحات بموضوعات لطلاب الدراسات العليا الذين يقفون بطابور: (فلان الفلاني: حياته وشعره).
هذه الاقتراحات وغيرها قد تمحو شيئاً من كلمة: (خرابيط)، وإن كنا نأمل أن تمحوها جميعها، وبهذا تتحقق لعبة الحكمة ، ولعبة صعود (الثقافية) لمئوياتها الجديدة.
الصفحة الرئيسة
المئوي
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved