Culture Magazine Monday  04/06/2007 G Issue 201
الملف
الأثنين 18 ,جمادى الاولى 1428   العدد  201
 

صاحب موقف ومُثُل
عبد الرحمن الشبيلي

 

 

كثيرون هم الذين يحبونه، وكثيرون هم الذين يواظبون على حضور صالونه الثقافي (الأحدية) الرصين، وكثيرون هم الذين يأنسون بأحاديثه، وهناك - مع ذلك - من يختلف معه في الرأي ويشاغبه في الطرح، لكن الجميع، المحب والمتفق معه والمختلف، يحترمونه وينصتون إليه حين يتحدث، لأنهم يدركون ان أفكاره وآراءه تصدر عن موقف، وأن مواقفه تعبر عن مثل، وأن مثله لا تتغير بتغير المخاطب، ولاتتبدل وفق الظروف والأحوال.

ذلكم هو د. راشد بن عبد العزيز المبارك، منذ أن خبرته قبل أكثر من ربع قرن في وزارة التعليم العالى، ثم توثقت المعرفة به بعد أن حل عضواً في المجلس الأعلى للإعلام محل شيخنا الكبير العلامة عبد الله بن خميس - متعه الله بالصحة وطيب الحياة -.

نحب فيه علمه، ونقدر له وطنيته ونحترم منه مثابرته على عقد أحديته، ونجل فيه تواصله مع العلماء والأدباء والمفكرين والمستشرقين، ونثمن عزوفه عن الأضواء، ونكبر فيه وقوفه مع المهزومين، ونصرته للظالمين والمظلومين، ومتابعته المطلعة لأحوال أسرته ومعارفه، ونغبطه على تكريس وقته وماله للآخرين، والوفاء لأقاربه واصحابه ومحبيه.

ونشاركه حب الأحساء وأهله، ونمجد معه تاريخ الأحساء ماضيه وحاضره، ونشعر بأنه وجه مضيء لذويه الذين سجلت كتب السير أسماء العشرات من العلماء والقضاة والشعراء والأفاضل فيهم، وأنه مثال حي على كرم أهل الأحساء وطيبة مجتمع الأحساء، وأنه يحمل في طباعه عبق الأحساء.

من عرفه عن قرب، يحس بأنه (ظاهرة) ونموذج مختلف في مجتمعنا، كونه جمع المواف والمثل، والعلوم والفكر، والتضلع في الشعر والنثر، وأصول المنطق واحترام الاختلاف، والتعبير بشجاعة ولباقة عن فكره وآرائه، وأنه متعمق في حفظ التراث عاميه وفصيحه، وفي الفقه، ويعود أهل بيته على التمسك بالعربية والالتزام بالنطق بها في تخاطبهم، وفوق كل هذا وذاك، فهو يجيد الاقتباس من القرآن الكريم، ويلم بتفسيره، ويستنبط حججه واستشهاداته منه.

وهو مع كل ما ذكر، ذواقة للكلمة البليغة والمعنى البديع، وراوية للجيد من نصوص الشعر، العارف بأوزانه المتذوق للحن والإطراب الرفيع.

كان بإمكان أبي بسام أن يكون في حال من الوجاهة المظهرية أكثر مما هو عليه، ومن الفرص أكثر مما نال، وأن يحافظ على كثير مما كان فيه، لكنه رجل مواقف، ويحمل من المثاليات ما ينقل كتفيه وفي مجتمعنا - إلا ما ندر - يحتاج أمثاله إلى نسبة من التنازلات والتحلي بمجاملات أكبر.

كتب قبل عامين ونيف في رثاء الاديب الراحل د. عبد الله الوهيبي كلمات تحس - عند استعادتها - أنها تصور حال كاتبها، وأنها تنطبق عليه بالقدر نفسه، حين قال:

(أناس ممن يجب أن تتزين المجتمعات بعطائهم، وتتمثل بآرائهم، لم ينشر لهم ذكر، ولم يحتف لهم بأثر، لقد توارت نبضاتهم زهداً منهم في الضجيج الذي تعج بهم السوق، وخفتت ومضاتهم في الأضواء التي تطلقها محطات صناعة الإعلام، بهذا السبب ماتت بذور، وذبلت زهور، وجهلت مواهب) إ هـ.

ومما يميز المحتفى به في هذا العدد أنه يميل إلى تجنب التصنع، ويبتعد عن التكلف والمبالغة، وهو لا يبدو خلاف طبعه في تصرفاته، وهو في صراحته لا يجرح وفي جرأته لايسيء.

أما (أحديته) التي أكملت سنتها الخامسة والعشرين، فالمعتقد أنها الأكثر استمرارية ومحافظة على الانعقاد بين مثيلاتها، وربما تفوقت عليها في المضمون، ولعل في ثقافة راعيها ومشاركته الفاعلة في مناقشاتها، ما أضفى عليها تلك الأصالة والتميز.

أعلم أن في هذا (الاطراء) ما يخدش تواضعه، لكنه ينطلق عن قناعة، ويعبر عن واقع، وقد أتاحت فرصة تكريمه في هذه المجلة - الصحيفة البوح بالقليل منه.

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة