Culture Magazine Monday  04/06/2007 G Issue 201
الملف
الأثنين 18 ,جمادى الاولى 1428   العدد  201
 

الشعاع
أ.د. معتصم إبراهيم خليل

 

 

إن أسعدك الحظ بلقائه فإنك تهابه وتنجذب إليه...!! تهاب إشعاع علمه وتوقّد ذهنه وفراسة نظراته ويجذبك صباح وجهه ولباقة حديثه ولين جانبه وحسن معشره ودماثة خلقه.. تأسرك حفاوة لقائه وكرمه، يبتدرك بالسؤال عن صحتك وأحوالك.. أبنائك وأهلك.. يلاطفك معاتباً على انقطاعك.. فتظن نفسك مليك جلسائه وحادي ندمائه!

كان أول لقائي به عام 1404هـ دخلت عليه بمكتبه بالجامعة. ألقيت عليه التحية فرد بأحسن منها.. طلبت منه مرجعاً في الكيمياء فحدثني حديث العالم المتمكن.. فاكتفيت بفتواه العلمية لما كنت أبحث عنه في المراجع.

رجل ناخت له نياق العلم والفكر والفلسفة والأدب.. ينتمي إلى جيل العمالقة الموسوعيين، يحدثك في الكيمياء فتظن أنه يقرأ من كتاب!! يحدثك عن الفلاسفة فتظن أنه عاش عصرهم وساهم في فكرهم ونتاجهم؛ يروي لك الشعر فتعجب من ذاكرة اشفافه!! ينتقد الأدب والأدباء فتدهش لثاقب فكره؛ تقرأ كتبه فتعيد قراءتها لترتوي من سلاسة وطلاوة أسلوبه وجديد أفكاره وحداثة منهجه... فتجد نفسك دارساً لكتبه لا قارئاً مطلعاً!!

رجل دائم البحث عن المعرفة.. عن الحقيقة.. يستكشف مظاهرها يغوص في بحار مصادرها.. يثبر أغوارها.. يحيل عنها ركامها.. يصقلها.. يصفها بأحدث الكلمات الدالة.

رجل مسكون بهموم أمته.. حادب على رقيها.. غيور على دينها ولغتها.. يقول في كتاباته:

(نحن في إصرارنا على تدريس العلوم بغير لغتنا نكاد نكون استثناءً شاذاً بين أكثر الأمم والشعوب...).

ويقول:

(.... إن اللغة الأم لدى أي فرد جذر غائر في كيانه يتأثر ويؤثر في عطائه العقلي والاجتماعي).

وينصح قائلاً:

(علينا أن ننطلق من اللغة العربية لا ننطلق إليها.. أي أن نبدأ من اللغة العربية تفكيراً وتعبيراً).

رجل مطلع على شؤون مجتمعه ومحيطه وأمته وعالمه الواسع.. ناصح أمين.. شجاع في رأيه.. ناقد صريح.. لا يتحرّج في إفحام مشاكسه!!

رجل عاشق متيم بكل جميل.. يأسره الجمال ويحيط به نفسه في المظهر والمسكن والمأكل.. مضياف ومعطاء كريم ولا حاتم الطائي.. ينتقي الدرر من كل شيء!!!!

رجل يتواضع مع جلسائه ويتناغم معهم.. فنحس جميعاً أننا أصحاب الدار.. بارع في استهلال حديثه.. يعرج من موضوع إلى آخر في سلاسة الماء.. يكامل أول حديثه بآخره.. يمحو كل الفواصل بين ما نظنه متفرّقاً من معارفنا العلمية..

يقول:

(... فإذا انفصل العلم عن الفلسفة صار جسداً بلا روح، وإذا انعزلت الفلسفة عن العلم صارت بناءً لا تسنده من الواقع دعائم أو لبنات...).

فيعيدنا إلى نبع واحد نهلت منه كل البشرية.. نبع العقل؛ قال:

(... إن من أسرار المادة وأعماقها ما يقع داخل سور لا يخترقه سوى أشعة الفكر ويتعذر اجتيازها إلا بوثبات الخيال).

يمتد تواضعه إلى قرائه فيسألهم:

(إضافة تسد فراغاً أو تكمل نقصاً أو توضح غامضاً).

ونلهث نحن قراءه نبحث في كتاباته عن فراغ.. عن نقص.. عن غموض فنعجز عن إدراك منالنا!!

رجل رحال.. بروحه وعقله وخياله وجسده.. سما إلى مدارك العلا بروحه.. وغاص في مراجع العلم والأدب والفلسفة بعقله.. وجاب كل عواصم الثقافات والحضارات.. وطاف بآثار أجداده في الأندلس.. ولم يترك منبعاً للفكر والثقافة إلا ونهل منه.. ولم يبخل علينا بتجاربه ورحلاته.. فعهدنا به أنه كريم معطاء..

فقد جاب بنا في أعماق المادة.. وساقنا في رحلاته في العلم والفلسفة من عهد فلاسفة اليونان إلى عهد (كانت) و(بلانك) و(شروديبقر) و(أينشتين) و.... و... وأثبت لنا أن أبا الطيب المتنبي فيلسوفاً وليس شاعراً.. و... و... وحكى لنا عن رحلاته في الكون الفسيح قائلاً:

(إنها ارتياد للأبعاد وإطلالة على المجاهل وتعرّف على الظواهر، وإلمام بالسنن والقوانين المودعة في الكون)!!

ذلكم هو أستاذنا الجليل الأستاذ الدكتور راشد بن عبد العزيز المبارك.

لا غرو، فإن أكبر غنيمة أعود بها لبلادي من المملكة العربية السعودية هي معرفتي وملازمتي ومصاحبتي لذاك العلاَّمة الشامخ..

أنا ومثلي كثيرون سعداء حظٍ أن عشنا عصر راشد المبارك..

أسأل الله أن ينعم عليه ويمتعه بالصحة والعافية ويمد في أيامه ويحفظه ذخراً للأمة.

قسم الكيمياء جامعة الملك سعود


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة