Culture Magazine Monday  04/06/2007 G Issue 201
فضاءات
الأثنين 18 ,جمادى الاولى 1428   العدد  201
 

وقفات
هكذا يكافأ روادنا!
سلوى أبو مدين

 

 

سأقدم أولا اعتذاري لهذه الورقة الناصعة الناعمة الملمس التي أصب عليها جزءاً من ألمي واندهاشي ولمدادي الذي يتسارع نبضه ويكاد يتوقف وهو يلهث وراء حروف تبحث عن شيء وأيّ شيء لتكونه لتبوح به!

ولربما تباغت الكثير والقليل هذه الصراحة التي تحتمها عليّ أشياء كثيرة ولن تروق لهم.

ولكن كعادتي سأخترق الصفوف للدفاع وسأكتب ما يمليه عليّ الواجب من منظور كاتب لا من مشاعر جياشة أكنها.!

في هذه اللحظة سأنفصل عن كل ما يربطني بهذه الشخصية الفذة المعطاءة سأفصل جيناتي عنه للحظات، ومشاعري، والوريد الذي ربط بيننا حتى النسب والدماء التي تجري في جسدي لأقول لمن يتنكرون هذه الأسطر علها توقظهم من غفلتهم أو سباتهم!

ما قدمته شخصية هذا الرجل من عطاءات كثيرة لا تنسى، ولن ولا يوفيه حقه الكثيرون ولكن تبقى أعماله شاهدا في صفحات التاريخ الناصع وعلامة فارقة في خارطة الثقافة العربية فهو من الذين ينكرون الذات في سبيل الخدمة ولأنه أكبر من الذات.

من المؤسف أننا في عالمنا العربي نهمش الرموز الثقافية والفنية ولا نقدر عطاءهم الحافل وإبداعهم المميز إلا بعد رحيلهم، وهذا عيب فينا بعكس الغرب تماماً.

هذه الحقيقة الغائبة رغم وجود الضوء، وليت وريقتي البيضاء تقبل عُذيري فقد أصبحنا في عالم بلا معالم في هذا الكون الخانق والذي يكاد سواده يبتلع نجومه البراقة.

ولعل فوضى المشاعر التي اعترتني ما حدث تحديداً مساء الثلاثاء 5- 5- 2007م حينَ احتفل نادي جدة الأدبي بانتهاء الموسم السنوي لنشاطه الثقافي، وكان احتفالا حضره نخبة من الكُتاب والمفكرين والصحفيين وازدانت الصالة تألقاً بحضور سعادة الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الإعلام للشؤون الثقافية. وقدم الحاضرون والحاضرات مداخلاتهم المتعددة والإشادة بنشاطات النادي، وقدمت إحدى الحاضرات ورقتها وهي حاصلة على درجة الماجستير من جامعة أم القرى، وسكبت في أوردتي مكعبات كبيرة من الألم والنكران والجحود ونسيت أو تناست المتحدثة الجهود التي قدمها هذا الرجل العصامي، والتفاني في عطاءات نيّرة بلا مقابل وأذاب شمعة روحه لينير لغيره.

فهو من مؤسسي نادي جدة الأدبي عام 1395هـ واستطاع بحنكته الثقافية إنشاء صالة نسائية ليحث المرأة على المشاركة برأيها من خلال المنبر وأعطاها الفرصة لتكون للمثقفة حرية التفكير مناصفة مع نصفها الآخر؛ فلقد عانى الكثير وواجه المصاعب؛ ليكون لها بصمة تعتد بها، وكان لها ما أرادت فاحتضن الأديبة والكاتبة والمبدعة والمفكرة والشاعرة والأكاديمية، وأصبحت خريطة الثقافة تحظى بالعديد من المبدعات في مجالات متعددة في المملكة خاصة، وعلى مستوى العالم العربي عامة.

وبعد وأنا أشحذ حواسي تَنسب المتحدثة الصالة النسائية ونشاطات السيدات لشخص آخر.

كم ثقباً أمسى في قلبي..!

كم جرجاً وشمته حروفها في خلايا جسدي.

تمتمت بمقولتي أن البشر في هذا العالم وهذا الزمن فقدوا شرطهم الإنساني وهذا سبب الخراب الهائل الذي يحاصر العالم من كل الجهات، لكن علينا أن نراهن دائماً على الإنسان فينا، وفي الآخر وإلا فقد الوجود معناه والحياة قيمتها.

إنه الجحود والنكران الذي يطال النفوس، هذه اللحظة التي نعيشها ثقافة الأنا والذات على مستوى العلاقات الإنسانية فالخيبة والخذلان والجحود من أبرز سمات هذا العصر!

ولا زال أغلب المثقفين يلمعون وينافقون ويجاهرون بشعارات زائفة في زمن الطوفان والاستهلاك الجارف لكل شيء، فالأديب أحد الكائنات المهمشة في العالم العربي وهو من أضاء بروحه لينّير لغيره الطريق.

الزميلة العزيزة نحن في زمن النكران والنسيان والتناسي إن لم يكن الجحود بعينه.

لما كان مفتاحا واستحق بجدارة شرف نقائه ويقينه في هذه الحياة ليكون للحياة لون من الثقافات الحرة في الجسد الفكري فهو رائد التميز الذي أرسى دعائم الثقافة وأبحر بها.

وإن أنكرته كلمتك الشاحبة فلن ينكره التاريخ بصفحاته المشرقة يوماً. وإن تجاهلت ما قدم لهذا المحفل الثقافي؛ فهناك الأوفياء سيذكرونه ما حيوا!

تحية ناصعة لشخصك الوفي الثري بعطائه وليدك التي ما كلت يوماً تعطي بلا مقابل، وقبلة فوق جبينك الأغر يا نخلة باسقة تثمر ولا يجف ثمرها، يا عقلاً متجدداً من الإبداع ويا واحة الربيع الأخضر من العطاء لا يملّ التفيؤ عندها، يا شمعة روحي أدعو الله أن لا تنطفئ يا أبي.

* مرفأ:

حينَ يُكتب تاريخ هذه الحقبة من حياتنا الثقافية، ثم لا يكون أبو مدين في سطره الأول، فإنه عندئذٍ سيكون تاريخاً مزيِّفاً للحقائق.

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة