الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th July,2005 العدد : 113

الأثنين 27 ,جمادى الاولى 1426

صدى الإبداع
النقد بالسياط «23»
د. سلطان القحطاني
تحدثنا في الحلقة الماضية عن سياط النقد الثقافي، أو ما ظهر به البعض على أنه نقد ثقافي، وفي الحقيقة أنه تلفيق ثقافي، ولعل ما كان يقوله المنظر الاجتماعي (أنطون سعادة) في بداية القرن العشرين هو نفس ما يردده البعض هذه الأيام، وسعادة متأثر بعالم الاجتماع الفرنسي (دوركهايم) وكثير هم الذين تأثروا بهذا العالم الحداثي، خاصة في نظريته المعروفة (المجتمع يصنع نفسه)، ومن أول من تأثر بها طه حسين، وتجاوز دوركهايم تلك النظرية، ولم يحسن سعادة استغلالها في تنظيره حول الأمة (السورية) فهو يرد كل شيء إلى الأمة السورية المسيحية، ويرى أن العرب لا تاريخ لهم، وكل ما سجل عنهم لا يتعدى السلب والنهب وقول الشعر، وأن الرسول محمد على حد تعبيره سوري الأصل انحدرت أسرته إلى (العربة) وهذا اصطلاح لأول مرة يذكر في التاريخ عن الجزيرة العربية، وهو تعبير يقصده سعادة، فحتى الاسم الكامل بخل به على العرب والجزيرة العربية!! وأن طباع النبي محمد اللينة الرقيقة اكتسبها من أصوله الكنعانية، وعلم هذا النبي العرب أصول الحياة، من بيع وشراء وتعاملات يومية. والجدير بالذكر أن هذه الآراء المتطرفة ضد العرب المسلمين واليهود، على حد سواء، قد رفضت من كل الدارسين لخزعبلات سعادة، ويقول أن الإسلام ما هو إلا المسيحية، جاء في رسالتين، ذكر ذلك في كتابه (الإسلام في رسالتيه)!، وسعادة يريد أن يكون توفيقياً في آرائه، بين الديانتين، لكن زلّ به القدم فصار تلفيقيا ومشى مشية الغراب الذي أخطأ مشيته ومشية الحمامة في آن واحد.
إن هناك فرقاً بين رأي يؤخذ منه ويرد عليه، ورأي لا يلتفت إليه أحد، يُرفض من أساسه، مثل آراء سعادة التي عرضنا لها على عجل، ومن قبلها أطروحة أبي يعقوب السجستاني (من أئمة الإسماعيلية) في القرن الثالث الهجري، ومفادها ألا فرق بين الصليب وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) يقول: هذا أربعة أضلاع اثنان متحركان، والثالث استثناء، والرابع ثابت، وكلمة التوحيد، اثنتان نفي والثالث استثناء والرابع إثبات!! ولم يفكر في أن الصلب من أوليات الاختلاف بين المسلمين والمسيحيين!. بعد التثليث طبعاً وعند الكثير من الباحثين هو التثليث، فهل نجح أبو يعقوب في نظريته؟ من البديهي أن يكون الجواب بالنفي، مثلما أن النظرية منفية.
ورأي يُؤخذ منه ويرد عليه، مثل آراء مارجوليوث، ولا يهمنا إن كانت الردود ضعيفة أو حماسية، يهمنا ما أُثير حولها من ردود أثرت المكتبة العربية بما يمثل زمانها، خاصة عندما تبناها طه حسين في كتابه (الشعر الجاهلي)، وإن كنت أختلف مع أخي العزيز الدكتور عبدالملك مرتاض في الجزئيات وليس في الكليات، أوافقه على ما قاله عن ابن سلام الجمحي، لكن ما نشره مارجوليوث في مجلة الدراسات الإسلامية، يحمل مضمون ما طرحه طه حسين، وحرك به المياه الراكدة في زمانه، وجعل الدارسين يقفون موقف المتأمل في هذا التراث يعيدون قراءته من جديد، وليس بنسفه من الوجود، وما أسهل أن يقوم الإنسان بالكذب والتجني على الآخرين بدون وجه حق، فما عرف عن طه حسين أنه قال عن الشعراء العرب الذين مدحوا فأجزلوا وهجوا فأوجعوا وتغزلوا فأحسنوا، لم ينظر لا هو ولا من سبقه من الدارسين إلى ما حصل عليه الشعراء من الهدايا والهبات، إن كانوا حصلوا على شيء، بل اعترفوا بفضل حسان على الدعوة الإسلامية، وتشرفه بلقب (شاعر الرسول)، ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن قصيدته التي رد بها على هجاء أبي سفيان للنبي (صلى الله عليه وسلم) غيرت موازين القوى، بما تضمنت من بليغ القول وحسن العبارة واختيار المفردات الراقية الفخمة، كقوله:
(وجبريل أمين الله فينا
وروح القدس ليس له كفاء)
وقد وجدت قولاً شعوبياً خالصاً لعماد الدين خليل (عضو رابطة الأدب الإسلامي!!!) مفاده أن شعراء صدر الإسلام لم يتفاعلوا مع الدعوة الإسلامية. أليس هذا من العجب؟.. كيف لم يتفاعلوا مع الإسلام وهو الوسيلة الإعلامية، والمحرك لشعور الجمهور المسلم ضد أعداء الله ورسوله؟؟.
وعندما نعود إلى العصر العباسي نجد أبا تمام قد فصل القول في إنقاذ المسلمين في عمورية، بقصيدته المشهورة:
(السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب)
كانت حافزا وسببا في نصر المسلمين، عندما أجج روح الحماس في الجند، ولم يلتفت إلى أقوال المنجمين والمنظرين خلف الأبواب، وجزاؤه في ذلك أن يُنعت بأنه سبب هزائم الأمة العربية، والمتنبي يؤجج روح النصر في جند سيف الدولة فينتصر في معركة الحدث، بقصيدة واحدة مطلعها:
(على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم)
ولعله قبض عليها ما يستحقه من عطاء هو أهل له، ومن قبله حسان وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وأبو تمام.. وغيرهم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved