الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th July,2005 العدد : 113

الأثنين 27 ,جمادى الاولى 1426

«مكة 1426» العاصمة الثقافية الإسلامية
«أدب الحجاز».. أول كتاب أدبي صدر بعد التوحيد
محمد القشعمي

لعله من المناسب أن نلقي الضوء على بواكير الانتاج الأدبي المطبوع بالمملكة، ولعل تحديد هذا العام 2005م لاختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي.
يكون مدخلاً مناسباً للمجلة الثقافية في أن تقدم لقرائها الأعزاء لمحة ولو موجزة لما كانت عليه الحالة الأدبية في المملكة وبالذات في منطقة الحجاز وتحديداً في مكة المكرمة العاصمة المقدسة.. فقد كانت لها الأسبقية من بين مناطق الحجاز ومدنه في معرفة الطباعة والصحافة منذ بداية القرن الرابع عشر وبالتحديد عام 1300هـ (1883م) حيث أنشأت الحكومة التركية فيها مطبعة رسمية هي (المطبعة الأميرية) وقد أنشأها الشيخ أحمد زيني دحلان، وقد تغير اسم هذه المطبعة بعد دخول الملك عبدالعزيز الحجاز عام 1343هـ فأصبحت تسمى (مطبعة أم القرى).
والذي يهمنا في هذا الموضوع هو إعطاء لمحة موجزة عن بداية معرفة المملكة بالمطبوعات الأدبية الحديثة، فنجد الدكتور عمر الطيب الساسي يقول في كتابه (الموجز في تاريخ الأدب العربي السعودي): منذ أن اطمأن الناس وهدأت النفوس وسعدت بتوحيد أقطار هذه البلاد وتثبيت الأمن في ربوعها، اتجه الجميع إلى العمل المثمر، كل في ميدانه، فوحدت مجموعة من شداة الأدب جهودها، واشتركت في تجميع آثارها الشعرية والنثرية، وإصدارها في كتاب، فكان ذلك هو أول إصدار أدبي طبع ونشر بعد توحيد هذه البلاد، وحمل ذلك الكتاب عنوان (أدب الحجاز)، وأصدره محمد سرور الصبان في شهر شوال سنة 1344هـ حاملاً آثاراً شعرية ونثرية لمجموعة مؤلفة من خمسة عشر أديباً شاباً آنذاك، ووصفه ناشره، محمد سرور الصبان (رحمه الله) بأنه: (صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية)، كما كتب في تقديم الكتاب يقول: (أقدم بين يدي القارئ الكريم صفحة فكرية من أدب الشبيبة الحجازية، شعرها ونثرها لهذا العهد، ولأول مرة في التاريخ الأدبي لهذه البلاد، بعد فترة طويلة، وقرون كثيرة، قضى بها سوء الطالع، أن يكون علم الأدب فيها غريباً، والأدب مبتذلاً).
كيف كان يجتمع الأدباء في السابق قبل أن يكون هناك أندية أدبية أو جمعيات نجد محمد علي مغربي مثلاً يذكر في (أعلام الحجاز) ج1: (كان الأستاذ أحمد قنديل ينشر شعره في صوت الحجاز بتوقيع (الصوت الحساس) وقد استرعى هذا التوقيع انتباه الأستاذ حمزة شحاتة فسألني إن كنت أعرف هذا الشاعر الذي بدأت بواكيره الطيبة منذ القصائد الأولى التي نشرتها له صوت الحجاز فقلت إنه الأستاذ أحمد قنديل وهو مدرس بمدرسة الفلاح وأعرفه منذ أن كنت تلميذاً بها وكان هو في الفصول الأخيرة ثم أستاذاً بالمدرسة المذكورة، وطلب مني الأستاذ حمزة أن أجمعه بالقنديل بل وأعرفه عليه وكان شحاتة يومها أديباً جهيراً وشخصية مرموقة فاتصلت بالقنديل رحمه الله وأعربت له عن إعجاب الأستاذ حمزة بما ينشره من شعر وضربت له موعداً للاجتماع بالأستاذ حمزة في مربعة الجمجوم وهو مبنى كان يومها خارج مدينة جدة بالعمارية قريباً من مقبرة حواء، كان قد بناه المرحوم الشيخ محمد أنيس جمجوم، وكان هذا المبنى الخلوي الذي يسمى مربعة أشبه ما يكون بنادٍ يجتمع فيه آل جمجوم وأصدقاؤهم عصر كل يوم وصدرا من الليل، وكنت والأستاذ حمزة شحاتة من رواد هذا المجتمع الجمجومي كل أصيل ونحن جميعاً في مطلع الشباب في أوائل الخمسينات من هذا القرن وقد استمرت صلة القنديل بالأستاذ شحاتة منذ ذلك الوقت وإلى أن توفي الأستاذ حمزة شحاتة.
وقال في موضع آخر: (كنا نجتمع في مكة المكرمة الأستاذ حمزة شحاتة وأحمد قنديل رحمهما الله وأنا وكان الوقت صيفاً وكنا نهرب من حر مكة اللاهب إلى أطراف الشهداء وكان في موضع مكاتب وقراج الشركة العربية للسيارات بالزاهر مقهى لرجل اسمه العم حمزة وكان العمران في مكة ينتهي عند قشلة جرول وكانت الأرض بعدها خلاء وكنا نجيء إلى هذا المقهى مع الغربو ونتسامر صدراً من الليل ونتناول عشاء خفيفاً ثم يأوي كل منا إلى فراشه الذي كان يحفظ في داخل المقهى والذي يحضره لنا العم حمزة مع ابتداء الظلمة وكنا نتخذ من كراسي المقهى العادية الطويلة سرراً ننام عليها تحت السماء.
وقال أيضاً محمد علي مغربي: إننا نستطيع أن نؤرخ لظهور الأدب الحديث في الحجاز بظهور كتابي أدب الحجاز والمعرض اللذين أصدرهما المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان وهما مجموعة مقالات وقصائد لأدباء الحجاز في ذلك العهد وقد شارك فيهما الأستاذ عواد رحمه الله مشاركة واضحة وكذلك بظهور كتاب (خواطر مصرحة) للأستاذ محمد حسن عواد وهو كتاب مستقل بذاته وجميع هذه الكتب ظهرت في النصف الأول من الأربعينيات وفي أوائل العهد السعودي عام 1345هـ ولقد كان الأدب والشعر في هذه البلاد في حالة ركود تام والأدباء الذين ظهرت بعض آثارهم من قبل كانوا أدباء تقليديين إن صح هذا التعبير فالنثر تضيع معانيه بين ثنايا السجع، والشعر تغلب عليه المحسنات البديعية التي تحفل بالمبالغات والاستحالات، والجو الأدبي يخيم عليه الركود والانحلال.. في هذا الوقت بدأ شباب مكة وجدة ممن تعلموا في مدارس الفلاح خاصة يفتحون عيونهم على ما تحفل به الصحف المصرية من نثر وشعر وما تنتجه المطابع العربية من ثمرات القرائح والأفكار لأدباء العرب في مصر وسوريا ولبنان بل وفي المهجر فقد كانت هناك الرابطة القلمية ولها مجلة تصدر في نيويورك وكانت تنشر آثار الأدباء السوريين واللبنانيين المهاجرين في أمريكا كما تطبع مؤلفاتهم ومن أبرزهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي وغيرهم.
وكانت هذه الصحف وتلك الكتب بما تحتوي عليه من أفكار وما تضمه من آثار تجد صدى عظيماً في نفوس الشباب المتعطش للعلم والراغب في تجديد الحياة في جميع مجالاتها، فلما أتيح لهؤلاء الفتية من المتعلمين أن يعبروا عن رغباتهم وأفكارهم كان هذا التعبير ممثلا أولاً في الكتابين اللذين أصدرهما المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان وهما كتاب (أدب الحجاز والمعرض) وفي كتاب الأستاذ محمد حسن عواد (خواطر مصرحة).
وتقول المراجع والرعيل الأول من أدبائنا: إن المقاهي الشعبية في أطراف مكة وجدة كان لها دور كبير في تجمع الكوكبة الأولى من أدبائنا، فهي المجلس المناسب والخصب للتدارس والمناقشة والمحاورة والمساجلة، فكثير من المعارك الأدبية التي دارت بين محمد حسن عواد وأنصاره وحمزة شحاتة وأعوانه، كانت تبدأ من تلك (المراكيز) فنجد بعض المتحمسين مثل عبدالسلام الساسي بمجرد أن يقول أحدهم قصيدة بالآخر إلا ويستنسخ باليد سريعاً قصيدة وتوزع ويرد الآخر وهكذا... وسنعرض فيما يلي لبداية تلك المطبوعات الأدبية وهي تمثل الإرهاصات أو البدايات الحقيقية للأدب في المملكة.. وبالذات منذ دخول الملك المؤسس الحجاز.. إذ كان قبل ذلك التاريخ لا توجد محاولات أدبية مطبوعة تستحق الذكر.
ولنلق الضوء على أولى هذه المحاولات وهو كتاب (أدب الحجاز) أو صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية.. شعراً ونثراً.. جمعه ورتبه محمد سرور الصبان.. طبع المكتبة الحجازية بمكة المكرمة، وحقوق الطبع محفوظة لها (وتعود المكتبة المذكورة للصبان نفسه).
وقد طبع الكتاب في المطبعة العربية بمصر شارع المزين أبالموسكي لصاحبها، خير الدين الزركلي عام 1344هـ:
وفي الصفحة الثانية جاء الإهداء (إلى شبان الحجاز وناشئته الأدبية أهدي: أدب الحجاز.. مكة المكرمة في 20 رمضان 1344هـ محمد سرور الصبان.. وجاءت الصفحات الخمس الأولى مقدمة بتوقيع الصبان قال فيها:
.. لأول مرة في التاريخ الأدبي لهذه البلاد بعد فترة طويلة وقرون كثيرة قضى بها سوء الطالع لهذه الأمة ولهذا الوطن أن يكون علم الأدب فيها غريباً والأديب مبتذلاً طريد الأمراء وأعوانهم من الذين قالوا إنهم علماء، وكأن العلم كل العلم عند القوم قشور من الخلافات المذهبية والفروضات الفقهية وتعمق في فهم الخصومة القائمة والضرب المستمر بين زيد وعمرو، وأما ما عدا ذلك من بقية العلوم الأدبية وغيرها فلغْوّ والاشتغال بها عبث.
واختتم مقدمته بقوله: وأخيراً أعتذر بكل خجل وأسف وامتعاض إلى القراء من نشرت لهم شيئاً من منظومهم ومنثورهم، فقد اضطرتني الظروف إلى أن أنتخب من ثمرات أقلامهم وكد أفهامهم مالا يرضيهم ولا يعجبني فقد أغضيت عمداً وبسبق إصرار عن الشعر الوصفي وصف الطبيعة كما يقولون وعن مجالس الأفراح والليالي الملاح وما في ذلك من عبث الشباب ودعابته، واحتفظت بكل ذلك إلى جزء آخر أخذت منذ اليوم في إعداده وتهيئة مواده وسأنشره إن شاء الله في الوقت المناسب.
وهكذا يصدر اليوم هذا الجزء مهشماً مقطع الأوصال قاصراً عن الغاية التي أريدها، وما ذاك إلا استعجالاً للوقت واغتناماً للفرصة من أن تضيع، وشفيعي في ذلك حسن القصد ونبل الغاية. والله الموفق للصواب.
قسم الكتاب إلى قسمين: قسم المنظوم من ص8 إلى ص33 وقسم المنثور من ص34 إلى ص78 والبقية ترجمة للصبان وإضافة بعض المقاطع.
جاء القسم الأول ضاماً قصائد لكل من: عبدالوهاب آشي، محمد صبحي، محمد حسن عواد، محمد عمر عرب، محمد صلاح خليدي، محمد سعيد العامودي، عبدالقادر عثمان، عبدالوهاب النشار، شاعر حجازي لم يشأ ذكر اسمه.
ونجد في القسم الثاني المنثور مشاركات لكل من: محمد جميل حسن، حامد كعكي، محمد سعيد العامودي، عبدالوهاب الآشي، عثمان قاضي، محمد حسن عواد، محمد البياري، محمد علي رضا، محمد عمر عرب، عبدالوهاب النشار، عبدالله فدا، محمد شيخ حمدي.
ثم جاءت ترجمة الصبان ونماذج من شعره ونثره، وقال في ترجمته: لقد أديت ما وجب عليَّ أو ما شعرت أنه واجب عليَّ نحو إخواني فقدمتهم إليك بصورة موجزة وحسبما أردت.
ثم عدت إلى نفسي وخطر لي أن أهملها وأعلنت بعضهم بعزمي هذا فثار ثائرهم وعلا ضجيجهم، أتدري أيها القارئ لماذا: إنهم يقولون بوجوب نشر شيء من شعري ونثري وأنا شاعر إنني لست بشاعر ولا كاتب غير أن إخواني يحسنون الظن بي كثيراً ويرونني بعين الرضا فأجاريهم بطبيعة النفس الميالة إلى قبول الإطراء (...) أنا محمد سرور الصبان ولدت في أواخر سنة 1316هجرية في إحدى مدن الحجاز وليس في مكة بالطبع (القنفذة) وتعلمت القراءة والكتابة والتجويد والحساب فقط لا غير في جدة ومكة في المدارس التي كانت موجودة (...).
واختتم ترجمته بقول: أما صورتي التي طلب مني أحدهم أن تكون في أول صحيفة من هذا الكتاب ولم أوافق فهي من قبيل قول القائل: (سماعك بالمعيدي خير من أن تراه).
لون أسود فاحم، يضاف إليه طول القامة كأنك أمام عمليق من العمالقة وبقية الوصف أشفق على القارئ من إيرادها ويكفيه أن الكتاب يقرأ من عنوانه.
ولهذا يقول الدكتور علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية أن للشيخ محمد سرور الصبان مأثرة أدبية كبرى، ينفرد بها حين يكتب التاريخ الأدبي للحجاز، فقد كان أول من أصدر كتاب (أدب الحجاز) وكتاب (المعرض) وكتاب (خواطر مصرحة) للأستاذ محمد حسن عواد، وله مآثر كثيرة فقد طبع ونشر على نفقته كتباً كثيرة جليلة منها: كتاب (تفسير معاني كلمات القرآن) للشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية، وكتاب (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) للفاسي وكتاب (الصحاح) للجوهري، وكتاب (جواهر العقود ومدارج السالكين وذرات البلاتين) وكتاب (الأنصاف) في الفقه وهو أحد عشر مجلداً، وديوان العرب الكبير فؤاد الخطيب، وغيرها.. وكانت هذه الكتب تطبع وتوزع على نفقته بغير مقابل.. كما أن الشيخ محمد سرور كان مؤسس ورئيس الشركة العربية للطبع والنشر التي اشترت جريدة ومطبعة (صوت الحجاز) من صاحبها محمد صالح نصيف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved