الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 4th August,2003 العدد : 23

الأثنين 6 ,جمادى الثانية 1424

الطفل والإعلام الإلكتروني 12
د. فهد بن عبدالعزيز الخريجي


يتعرض الطفل السعودي إلى نوع من الإرهاب في نظري هو أشد خطراً من الإرهاب الظاهر الذي يمكن تشخيصه وعلاجه بسهولة أكبر من غيره. ومشكلة هذا النوع من الإرهاب أنه قائم بين أعيننا، وفي بيوتنا لا نشعر به، يعبث بعقول صغار الأطفال على وجه الكرة الأرضية. وهو كذلك أسلوب يقوم على التربية طويلة المدى للناشئة بدون وعي من الوالدين أو السلطات الأمنية القائمة على حراسة الأمن في البيوت وفي أرجاء الوطن. إشكالية أخرى أن الدول الكبرى التي تقول بمحاربة الإرهاب هي الصانعة والمصدرة له في شكل ألعاب إلكترونية من خلال شركاتها عابرة القارات.
وأصبحت هذه الدول تعالج آثار الإرهاب بدلاً من مسبباته، وللأسف هناك صمت مطبق من قبل المؤسسات الرسمية باستثناء جمعيات حقوق الإنسان والطفل التي بدأت تدرك أهمية محاربته. وبعض المشرعين في هذه البلدان يساندون الشركات المنتجة بحجة أن هذا نوع من الترفيه البريء.
هذا النوع من الإرهاب ما زال ينمو رغم آلاف البحوث في أمريكا وغيرها التي أظهرت نتائجها أن ممارسة الأطفال للعنف أو مشاهدتهم له يسبب أمراضاً نفسية للأطفال وربما يؤدي بهم إلى تطبيقها فعلاً والشعور بالانتماء لها. ولكن في ظل غياب المتابعة الذكية، وتمرد الشركات العالمية أصبحت هذه الألعاب المسلية في ظاهرها سماً زعافاً يتجرعه الأطفال في عقولهم بدون أدنى مقاومة من الوالدين أو السلطات المختصة.
لو رجعنا إلى الفرضية الأولى لوجدنا أنها تقول :إن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر. وهذه القاعدة من التفكير واسعة الانتشار بين ثقافات الأمم. وتنطلق المؤسسات التعليمية لتلبية هذا النداء من خلال برامجها المتعددة في العناية بطرق تعليم الأطفال وتنشئتهم. وهذا شيء جميل بصورته الباهتة أحياناً والمضيئة أحيانا أخرى. وإذا كنا نعتقد بتلك المقولة فلماذا نسمح للشركات العالمية أن تحقق الربح على حساب أمننا الوطني، وأغلى استثمار يمكن أن نفكر فيه حاضرا ومستقبلاً. وإذا كانت المدارس في المملكة تعلم الأطفال الأخلاق والرحمة والمحافظة على المال والنفس والعرض واحترام الآخرين، تأتي هذه البرامج لتدرب الأطفال على احتقارها وعلى من يقوم على حمايتها.
والمخيف أن هذه البوابة تنقش في الحجر كل بشكل متواصل بدون رقيب ولا حسيب. فكثير من دول العالم لم تلتفت حتى الآن إلى مخاطر هذا الإرهاب المدمر، الذي تم إنتاجه في دول تحارب الإرهاب مثل أمريكا وأوروبا.
هذا النوع من الإرهاب قادر على تنشئة أجيال ترضع الكراهية، وتحب الدم، وتحتقر النظام والولاء وتحب العيش كالخفافيش في أحضان المافيا الافتراضية بل وتتزعمها.
هذه البوابة هي الألعاب الإلكترونية التي تهيئ أجيال 2010م وما بعدها إلى جني ثمار مخيفة وأخلاق إرهابية تعرف فنونه. والغريب أن إفرازات هذا الجيل بدأت تظهر بشكل بسيط في حصد ثمارها في أشكال الجريمة الغريبة التي هزت مجتمعات آمنة وأصبحت رديفاً للمخدرات وتجارة السلاح.
وحتى الآن لم يقف في وجه تصدير هذا النوع من الإرهاب إلا دولة واحدة وهي أستراليا وسيليها قريباً دول أخرى عرفت مغزى صناع هذه اللعبة في تصدير الإرهاب وحصد الأرباح على حساب أمن الشعوب والدول. وسأذكر لاحقاً الموقف الأسترالي الإيجابي.
نقول: إن النوايا ستبقى حبيسة لأصحابها ولا يمكن لأحد التنبؤ بمغزى هذه الألعاب إلا من خلال التعرف على الأهداف التي تحققها هذه الألعاب الإلكترونية. وفي رأيي أن أهم أهداف هذه الألعاب هو نشر ثقافة المصدر وغزو الثقافات الأخرى من خلال تعزيز الثقافة المهيمنة تقليدها في طبيعة الحياة والملابس واللغة والقيم وغيرها. فالعنف في بعض البلاد له ثقافته وأصبح إحصاء جرائم القتل والسرقة والاغتصاب بالثانية وليس بالدقيقة.
سأتطرق إلى مثال واحد من أشكال تصدير الإرهاب للمملكة وبسعر رخيص جداً، بل أرخص من الدول الأوروبية وأمريكا. فهو يباع في المملكة مع كل جهاز Play Station 2 بسعر 25 ريالاً بينما سعره في أوروبا وأمريكا حوالي 200 ريال أي بعشر القيمة الفعلية له. وهو منتشر في بيوتنا كانتشار النار في الهشيم تحت سمع وبصر من لا يسمع من أرباب الأسر.
المثال الذي ذكرته هو GTA3 فايس سيتي، دعنا نقول بكل صراحة ما هي المشكلة؟ إنه برنامج تسلية للأطفال. هذا صحيح ولكنه في نفس الوقت تسويق وتدريب للأطفال على فنون الجريمة، وصناعة الدعارة وقيادة عصابة المافيا، والتدريب على أشكال الاغتيالات وأعمال القناصة بشكل مشين. فالأطفال من خلال هذا البرنامج يقومون بإجراء الترتيبات اللوجستية لنقل رئيس العصابة لمكان «الأكشن»، وربما يقود الطفل افتراضياً العصابة بنفسه للأعمال الشريرة.
والطفل يدخل بيوت الدعارة ويقتل العاهرات اللاتي لا يلبين طلبه ويسترجع نقوده ويزور المراقص ويجمع الأموال من الداعرات، ويزور الشواطئ الإباحية. ويعيش بيئة التفاعل الافتراضي كأن يدخل الطفل غرفة افتراضية وتدخل عليه امرأة للرقص أمامه بلبس خليع جداً. فهذه اللعبة نقلت ثقافة من آلاف الأميال بدون رقيب ولا حسيب. تحرص الأسر الأوروبية والأمريكية المحافظة على ألا يتعرض أطفالهم لهذا النوع من المحرمات.
إنه الإرهاب النائم في أرجاء الكرة الأرضية تغذيه شركات يابانية أو أوروبية أو أمريكية لا تنظر إلا إلى الإثارة والربح السريع على حساب العقول الصغيرة. وقد سألت بعض الأطفال عن أهم ما في الشريط قالوا «أحسن شيء أنك تهبل بالشرطي» وهنا يتعلم الأطفال كيفية قتل رجال الشرطة والاستهانة بهم، وضربهم ضرباً مبرحاً حتى القتل بالعصا أو بالرفس واللكم، بالإضافة إلى التدرب على الاغتيال بكافة أشكاله حتى للعجائز والأطفال والأبرياء. فإذا جاز لنا أن نعلم مثل هذه الأفعال المشينة في المدارس فإنه يمكن القول: إن هذه الألعاب آمنة وغير ضارة بالمجتمع.
كنت أتمنى ألا نكون سلبيين وفي حال دفاع عن الذات فقط، بل نتجاوزه إلى مخاطبة جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية والحكومات لتحريم تصدير وصناعة هذه الأشكال من الإرهاب وحماية الأطفال منها. بعض جمعيات حقوق الإنسان تحركت بشكل ضعيف في هذا الجانب لأن الدوافع السياسية شغلتها عن الهموم الإنسانية الخاصة بالطفل والمرأة في مواجهة الشركات الجشعة العابثة.
فأقل القليل في مضمار محاربة الإرهاب أن تتحمل الدول الصناعية جزءاً من مسؤوليتها تجاه هذا النوع من الإرهاب الافتراضي وتبني سياسات صارمة لإيقاف هذا المد المشين للإنسانية وكبح الشركات المصنعة له.
وليس من المجاملة الإشادة بأول دولة تحظر وتمنع تداول GTA3 حيث قامت دائرة ومكتب الأفلام والتصنيف الأسترالي بمنع هذه اللعبة وكان السبب وراء المنع هو وجود الداعرات في اللعبة، وبشكل خاص المشاهد التي يمكن فيها للاعب اللعبة أن يقتل الداعرة لاسترجاع نقوده. لقد تم سحب كافة النسخ من أرفف المبيعات في هذه الدولة ودعت المواطنين لإعادة النسخ التي تم شراؤها.
في أمريكا تم بيع ما يقارب المليون نسخة وتوقع دوقلاس لونستين رئيس منظمة البرامج الرقمية التفاعلية في أمريكا ألا تتخذ الحكومة الأمريكية أي إجراء ضد البرنامج تحت مظلة قانون الحريات الأمريكي.

++
يتبع

++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved