الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th September,2006 العدد : 169

الأثنين 11 ,شعبان 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة)«9»
نايف فلاح
أما عن (رفات عقل) الذي استدركه بالجمع والتحصيل صديقه (عبد الحميد مشخص) سوف نتعرض في خطف لأغمض نقطة فيه بما هي النقطة التي من خلالها نتعرف على نظرية المعرفة لدى شحاته لكن لا أحسب أنه يصح لنا الشروع من هنا دون أن نتساءل: علام تكوَن ومما أنشئ هذا الأثر والأدق هذا الكتيب؟!
(رفات عقل) وريقات جمعت من الشتات, لحقها التحصيل من كثير تبدد وذاب في الضياع تمثل في جمهورها احتباس فن وضجيج فنان لما تغادره, يوماً, الانتفاضة والرفض لكن بموضوعية، فللفنان أيضاً موضوعيته الخاصة به, والتي تناطح الاصطلاح غالباً، ليتذوت فيها ويتحقق، ففي هذا الكتيب نشر شحاته من حديث نفسه بقدر ما طوى, دون اعتبار لأحد سوى نفسه، فيه من مشاغله وهواجسه ما يجعله حقيقاً أن يوصف بأنه نطف تبحث عن مبايض.
ندد بالقراء كما ندد بالكتاب, كاشفاً عن رغائب الأوائل, وعن تلعاب الأواخر, ملوحاً بالتطرف الأرعن في قياس الأمور، واضعاً قلمه على سر الشهرة لدى معظم الآتين على الثقافة أو الكتابة فهم لا يأتون إلا من طريق عوجاء وعرة أو من طريق معكوسة, ليتعرج لهم بقلمه الساخر:
إذا كنت لاتهاجم النساء بجنون أو لا تدافع عنهن بحماقة؛ فمن الخير لك ألا تضع اسمك على مؤلفاتك.
القراء لا يطيقون المداورة ولا يفهمونها إلا على أنها خطيئة الكاتب هذا لأنهم يجهلون أن القلم شيء, والهراوة شيء آخر.
من الحقائق المحزنة؛ أن حاجة الكاتب إلى قراء أكثر من حاجة القراء إلى كاتب ولا يبدو أن هناك أملاً في أن يتغير وضع هذه العلاقة في بلادنا.
يفرض على الكاتب أن يستعمل الطريقة التي تخاطب بها العفاريت, وتستحضر الأرواح لا الطريقة, ولا استحضار الأرواح مما يستغل بها الكاتب غفلة القارئ, لكن حب الاستسلام للأوهام من غرائز الجماعة, أو مما تستثار به كوامنها الدفينة، هذا عندما يسع الكاتب أن يقول شيئاً مفهوماً وعلى درجة من الوضوح والحدة تحرك عواطف الجماهير أو تستثير حماسهم.
الكاتب كم هو مسكين؛ عندما لا تكون طريقه معبدة، أقصد عندما يضعه ذكاؤه في مستوى أقل أو أكثر من مستوى قرائه.
هذه المقاطع فيها ما ينخس الذهن وينبه على ما بكَر بشحاته ودفعه ليصدف عن تعاطي الكتابة جهاراً في المناشير الأدبية كيما يرى في الكتابة لذاته لذة ومسلاة يتعزى بها في خلوته الطويلة، ولعل في هذا تفسير للغامض أو لبعضه في سيرته الأدبية, إذ لاحظ أن هناك تلقياً مهترئاً في قبالة إرسال مشوش لتكون هذه معادلة بالنسبة له أغلبية في حركة الفكر والأدب وللكاتب أن يسأم من حال كهذه ولكن ليس لأي كاتب ذلك إنما لكاتب يكون في منطلقات شحاته الأخلاقية والاجتماعية الذي ما ونى في جميع كتاباته محاولاً العثور على صيغة لعقد اجتماعي يضبط الناس في مسار ويوجههم نحو هدف وصولاً إلى مجتمع يضيئه التوسط, من غير تموقع في رأي, أو تعدد في عبث.
(رفات عقل) أول كتاب تصيبه يدي من مؤلفات شحاته أسهم بقوة في انحراف حياتي عن حياتي، كتاب ملتهب فاجع في كلمات أو توقيعات لاهثة تدفعك إلى لفظ الكتاب عنك لترتد مفكرا فيه غائباً في مراميه, ولست تطرحه من يدك إلا على شوق إلى استئناف النظر فيه, كأنك تنفخ في ذبالة النظرة الأولى مصغياً لحسيس الفنان عبر كلمات مشرقة وأسلوب رشيق... لم يتحدث شحاته قط عن نفسه بفعل الكينونة إلا في هذا الأثر, ولم يبث نظراته التي يسري فيها روح الشعر كما بثها هنا، بيد أنه لم يقل شيئا تاركاً للقارئ لمدى حضوره لتأويله أن يقول, لكن من تراه يدخل الأكناه.
(من أنا؟ يبدو لي أنني لم استقبل حياتي منذ وعيت؛ حتى هذه الساعة، كنت أعيش متأثرا بجملة الظروف والدوافع والمقاومات، أسير، وأتقهقر، وأقف، وأحياناً أعدو بجنون، وحيث يتاح لي أن أتأمل ذاتي؛ أرى أنني أداة تملى عليها مقدرات حركتها وسكونها، لم أشعر قط بتحرير إرادتي، وحين بدا للآخرين أنني اكتملت بحكم السن, واتساع أفق التجربة، وجدت أن ما يسمى بالإرادة فينا ليس إلا حاصل ظروف وعوامل ينسحق فيها ما هو ذاتي وداخلي تحت وطأة ما هو خارجي... فإذا قلت الآن بصدق؛ إنني أجهل من أنا، أو ما أنا، فلأني لم استقبل قط؛ ما استطيع أن اسميه حياتي) عندما سألتني البلاد: من أنت؟ ذهلت، لأنني لم أجد في حياتي كلها, ما يعينني على أن أعرف من أنا؟!
نعم وبمزيد من المرارة والخجل والحيرة والضياع: من أنا؟!


Nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved