الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th September,2006 العدد : 169

الأثنين 11 ,شعبان 1427

وجوه شامية
من أصدقاء العمر الجميل

بقلم وريشة: د. صباح قباني
شاكر مصطفى
حين تسمع صوته الخاتف الخجول في حديث إذاعي أو محاضرة مسائية وحين تقرأ كتبه الصغيرة المنمنمة تظن أنك أمام مختص في الفلسفة أو الأدب، ولكنك تسأل فيبتسمون ويقولون: (شاكر؟ إنه مدرس تاريخ).
مفكر عذب ورقيق يقدم لك أضخم المسائل الفكرية وأعصاها على الأفهام بلغة بسيطة حلوة رشيقة حتى لكأنها الشعر الحلال.
إنه لا يكلمك، ولكنه يهمس في سمعك همسات صغيرة متواضعة سرعان ما تكتشف أن وراءها عقلا جبارا وثقافة أدبية وتاريخية موسوعية متألقة.
وتجدك حائرا متسائلا: (هل هذا الذي أسمع وأقرأ هو أديب أم مؤرخ؟)
بل إن شاكر مصطفى نفسه هو الذي يتساءل كذلك في بعض ما كتب:
(هل كان عملي طول حياتي في التاريخ أم في الأدب؟)
ولكنه سرعان ما يجيب ويقول: (التاريخ هو مهنتي، والأدب هو هواية عمري).
ومن هنا جاءت كتبه في التاريخ قطعا أدبية لا أجمل ولا أعذب فإذا بالشخصيات التاريخية التي يحدثك عنها تتحول بقلمه البارع إلى شخوص روايات وملاحم يتحركون أمامك وكأنهم يتحركون على مسرح. بل إنه أعاد كتابة أجزاء من التاريخ برؤية غير التي نعرف وبذلك تغير فهمنا لأحداث ووقائع كثيرة كانت عندنا من قبل من المسلمات، فقد كتب مثلا عن المظلومين في التاريخ ليرفع عنهم الافتراء المجحف الذي جعلهم في أعيننا إما مجانين أو بخلاء أو حمقى أو سفاحين. ولكن حين اعتمد شاكر النص الموثق غير صورة هؤلاء وأصبحوا بفضل قلمه المدقق والموضوعي، أهل علم وكرم وعدل وتقوى.
فمنهم كان: الحجاج، وكافور، وقراقوش، والحاكم بأمر الله وغيرهم كثيرون كثيرون.
وتعتبر مقالته التي كانت بعنوان (هل هناك حقا أدب مهجري؟) من أهم ما كتب في هذا السياق، فقد نسف أكذوبة هذه التسمية من جذورها بعد أن عاش في البرازيل خمس سنوات وشاهد بأم العين طبيعتها الموحشة، وغاباتها المظلمة، وأدغالها المرعبة التي تسكنها الوحوش الضواري، والأفاعي الضخمة وأسماك الأمازون المفترسة، ففي هذه الطبيعة البدائية عانى المهجريون العرب الأوائل وضاع أكثرهم في براريرها اللانهائية وأكلت صخورها المدببة من أجسادهم وهم يلهثون وراء الرغيف ولا رغيف، تفترسهم الملاريا ويفتك بهم النمل الوحشي القاتل وتغتالهم سهام هنود الغابات.
وسمع شاكر ممن بقي منهم ملاحم عذاباتهم وما عانوا في ذلك المصهر الاستوائي، فتذكر أنه لم يجد أثرا لكل ما رأى وسمع فيما سمي بالأدب المهجري، وكأن الأديب المهجري كتب ما كتب وكأنه لا يزال جالسا في قريته الوادعة في الوطن الأم أو يتنعم بنسائم البردوني في زحلة!
وهكذا فإنك عندما تقرأ التاريخ على يد شاكر مصطفى ستجدك دائما في حضرة الأديب المتألق؟
الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved