الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th September,2006 العدد : 169

الأثنين 11 ,شعبان 1427

عربية أم عبرية؟
هوية اللغة التي كلَّم الله بها موسى عليه السلام
ندى الفايز
تُعد اللغة العربية إحدى أقدم اللغات إن لم تكن أولاها على الأرض، فلسان سيدنا آدم كان عربياً لأنه نزل من الجنة كما أخبرنا الرسول الكريم هي اللغة العربية ولقد علم الله آدم الأسماء كلها في الجنة قبل أن ينزل وحواء إلى الأرض وعليه كان لسان أبينا آدم عربياً.
وحتى سيدنا إبراهيم عليه السلام والد إسماعيل وإسحاق عندما بنى الكعبة المشرفة في مكة كانت القبائل العربية ومنها قبيلة جرهم الأمر الذي يوضح وجود العرب الناطقين بالعربية قبل التاريخ الإسلامي وبقية الأديان السماوية.
وامتثالاً لقول الله تعالى لإبراهيم {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، ولكي يلبوا نداء الحج فلا بد أن يكون الأذان بالعربية لأن القبائل التي تسكن هناك عربية.. إذاً لسان إبراهيم كان عربياً أيضاً.
أما عن اللغة العبرية الموجودة الآن فهي حديثة ومحدثة في نفس الوقت، أصل كلمة عبراني مشتقة من عابر حفيد سام بن نوح وتدل كذلك على الانتقال والتحوُّل من مكان إلى آخر أو العبور من شط إلى شط آخر، والعبريون هم قوم عبروا النهر فسموا عبرانيين، مثلهم مثل البدوي الذي يتنقل ويترحل في الصحراء.
وظهرت كلمة عبري بالتوراة في سفر التكوين 1314 لإشارة إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام باعتباره عابر النهر فلم يكن أصلاً للكلمة دلائل أخرى لعدم وجود الديانة اليهودية أو ابتعاث موسى عليه السلام بالرسالة مع العلم أن أسبقية نزول الديانة اليهودية على بقية الأديان في الأرض لا تعني بالضرورة أسبقية اللغة العبرية نظراً لوجود الشعب الكنعاني (العرب القدماء) في فلسطين قبل مجيء اليهود إليها وقبائل جرهم العربية التي صاهرها إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام عندما نزل في مكة المكرمة.
واختلف العلماء حول نشأة اللغة العبرية بالصورة التي يتحدث بها اليهود اليوم، فمنهم من يرجح قيام أحد المستشرقين الألمان بتحويل في اللغة العربية وإضافة بعض الكلمات من الإنجليزية والألمانية وإيجاد اللغة العبرية التي اقتصر استخدامها في البداية على الحاخامات اليهود وعند قراءة النصوص الدينية ومن ثم أخذت في الانتشار بين اليهود.
والغالبية ترجح أن إحياء الرطنات المبهمة التي كان اليهود يستخدمونها فيما بينهم جاء عبر تطويرها إلى اللغة العبرية من قِبل الحركة الصهيونية بغرض توحيد اللغة التي يتحدث بها اليهود خلال السنوات الأولى لاستيطان اليهود قامت العديد من المعارك الثقافية والفكرية حول اللغة التي سيتحدث بها اليهود وكان التيار الغالب يفضل استخدام الألمانية أو الإنجليزية وكادت تلك الصراعات أن تمزق وحدة الصف وتقرر بعدها توحيد اللغة واستخدام العبرية المشتقة من العربية.
توضح قصة موسى عليه السلام أنه نشأ وتربى في مصر منذ لحظة ولادته حتى شبابه وغادرها إلى مدين بالأردن وتزوج من ابنة النبي شعيب عليه السلام، وحتى عندما قاد بني إسرائيل خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد إلى فلسطين غير أنه لم يدخلها وتاه في صحراء سيناء مع قومه 40 سنة.
واستناداً إلى ذلك فيمكن تأكيد أن الله عز وجل لم يخاطب سيدنا موسى عليه السلام بالعبرية لأنها في الأصل غير موجودة في تلك الحقبة الزمنية.. هذا بجانب أنه وعند الرجوع إلى النسيج اللغوي بمصر القديمة ومدينة مدين يتضح الآتي:
أولاً: معروف أن الطفل يتعلم اللغة من البيئة التي نشأ فيها وكذلك المهاجر والوافد لا بد أن يتحدث بلغة الشعب الذي هاجر إليه أو اندمج فيه.
عاش موسى عليه السلام في مصر القديمة وتحديداً في زمن آخر فراعنة مصر القديمة التي كانت في ذلك الوقت تتحدث اللغة المصرية القديمة سواء العامية منها أو العربية الفصحى التي هي نفسها اللغة المنطوقة للشعب مصري منذ العهد الفرعوني القديم وحتى العهد الحديث.
واللغة المصرية هي من اللغات الحية التي لم تمت في التاريخ البشري وأكثر لغات الأرض حياة وحيوية نظراً لتعاقب الحضارات المختلفة على مصر التاريخ والحضارة.
فكلمة بص بالمصرية القديمة والحديثة والتي تعني انظر أو شاهد هي في الأصل كلمة عربية اشتقت من البصر.
الكلمات المصرية هي عربية تتبع ما يُعرف بالقطع باللغة العربية، وعليه يمكن التأكيد على أن موسى عليه السلام كان يتحدث في بداية حياته بلسان أهل مصر لأنه عاش معهم منذ ولادته وكان رسولاً يحمل رسالة إلهية ولا بد أن يحمل رسالة الدعوة والتبليغ لأهل مصر وفرعون باللغة المتداولة في ذلك المكان والزمان باعتبارها لغة القوم الذي عاش وتعامل وتخاطب معهم.
ثانياً: كان بمصر القديمة ولا يزال الأقباط وكانت اللغة السائدة عند الأقلية القبطية بمصر القديمة آنذاك هي الهيروغليفية وبالرجوع للموسوعات التاريخية فإن أصل كلمة (هيروغليفي) مشتقة من الكلمتين اليونانيتين (هيروس) Hieros و(جلوفوس) وGlophos المقدستين حيث إنها كانت تستخدم للكتابة على جدران الأماكن المقدسة مثل المعابد والمقابر.. كما أن الهيروغليفية كانت عبارة عن كتابة منقوشة تتم على الأحجار بأسلوبي النقش البارز أو الغائر على الجدران الثابتة وعلى الآثار المنقولة مثل التماثيل واللوحات والصلايات وتتكوَّن الكتابة الهيروغليفية من مجموعة من النقوش المستمدة من الحياة اليومية فهي كتابة تصويرية.
ولا يضاهي الهيروغليفية في القدم سوى الخط المسماري الذي ظهر في بلاد النهرين وهو أقدم خط رمزي وليس أقدم خط حرفي ويجب التفريق بين الخط بأنواعه الرمزي والحرفي وبين اللغة والمحادثة التي سبقت التدوين والكتابة، فأسبقية الخط وبخاصة الخطوط الرمزية لا تعني أسبقية في اللغة، وبالرجوع إلى النقوش اليهودية بمصر والمخطوطات الأولى يتضح أنها كانت بالهيروغليفية لا العبرية وتُعد تلك الآثار والمخطوطات والنقوش الإرث الأول لثقافة وحضارة اليهود.
ثالثاً: عندما خرج موسى عليه السلام من مصر إلى مدين التي عاش فيها عشر سنوات إيفاء بالعهد الذي قطعه مع شعيب عليه السلام وتزوج إحدى بناته معلوماً لأن شعيب عليه السلام كان عربياً وهناك حديث شريف مفاده (وأربعة من العرب: هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر).. وعليه تحدث موسى عليه السلام العربية هناك باعتبارها لغة شعيب وقومه.
أما عن بني إسرائيل المتواجدين بمصر منذ زمن يوسف عليه السلام عندما أتى بإخوته وأبويه إلى مصر وعاشوا فيها مكوِّنين الأسباط الاثني عشر لبني إسرائيل فينطبق عليهم ما ينطبق على المهاجر والوافد الذي لا بد أن يندمج مع النسيج اللغوي للمجتمع المصري القديم والحضارة الفرعونية فيه ويتحدث لغة المجتمع الذي يعيش ويتعامل معه وهي اللغة المصرية القديمة.
هذا ويلاحظ تأثير اللغة المصرية على المصطلحات والأبجدية العبرية، ونرى كيف أن أبجدية اللغة العبرية (اليهودية) مستمدة في الأصل من أصوات الحروف المصرية القديمة حتى إن حرف (ج) بالعبرية يُنطق كما ينطق المصريون اسم (جمال).. وبينما تتكوَّن اللغة العربية من 28 حرف هجاء تتكوَّن العبرية من 22 حرف هجاء كما يلي:
ألف بيت جيمل دالت هه واف زاين حيت طيت يود كاف خاف لمد ميم نون ثمخ عاين فه صدق قوف ريش شين سين تاف أل.
وحتى إن حافظ بنو إسرائيل من ذرية إسحاق عليه السلام على لغتهم الأساسية فهي تاريخياً تُعد كنعانية وليست عبرية، وعليه فاللغة الثانية لسيدنا موسى كانت اللغة الكنعانية وهي العربية القديمة.
والكنعانيون هم أصل العرب والسكان الأصليون في فلسطين والأردن وكانوا يتحدثون هم والمهاجرون والوافدون اللغة العربية القديمة لكن بلهجات مختلفة لا تختلف عن اللهجات العربية الحالية كثيراً وهذا هو بالتأكيد لسان أم موسى التي أرضعت ابنها بقصر فرعون عندما رفضت المرضعات وهو لسان النبي شعيب وبناته بمدينة مدين.
خلال تلك الحقبة الزمنية الممتدة سنوات والتي عاشها موسى عليه السلام في مدين مع زوجته ابنة شعيب بالتأكيد تحدث اللغة العربية وتغلب الكنعانية لغوياً واجتماعياً على النسيج المكوِّن لشخصية سيدنا موسى عليه السلام.
وعرفت الأبجدية الكنعانية (العربية القديمة) باسم أبجدية الأوغاريتية ورُتبت حسب الترتيب الآتي: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت.........
وعليه يمكن حسم إشكالية هوية اللغة في خطاب التبليغ الإلهي والدعوة خصوصاً أن العلماء والمؤرخين قد أسهبوا في تدوين ونشر جغرافية التوراة ولم يعطوا دراما اللغة الحق الكافي بالبحث والتدوين.
***
ومن أجل التلخيص.. يتضح وبالاستناد إلى جغرافية التوراة والنسيج اللغوي المكون لشخصية سيدنا موسى عليه السلام إتقان موسى عليه السلام المصرية القديمة في مصر التي تُعد إحدى اللهجات العربية وإتقانه للعربية الكلاسيكية في مدين التي اشتد وصلب فيها عوده عندما تزوج ابنة شعيب عليه السلام وعاش عشر سنوات.
بعدها خرج في رحلة العودة إلى مصر واصطفاه الله من البشرية لحمل الرسالة وكلمة الله عز وجل باللغة العربية دون سائر أنماط اللغات الأخرى بتلك الحقبة الزمنية إذا لم تكن اللغة العبرية موجودة فرضياً ومنطقياً في عملية الحِراك الاجتماعي أو النسيج اللغوي.
وحتى عند الاطلاع على سفر التوراة يُلاحظ عدم ورود كلمة عبرية إطلاقاً وكانت الإشارة إلى اللغة تأتي تحت مسمى لغة كنعان، التي ترجع جذورها إلى اللغة العربية القديمة باتفاق العلماء رغم اختلاف مشاربهم على عروبة لغات العالم.
ويبقى للتذكير.. أن على علماء اللغة العربية وخبراء اللسان العربي مسؤولية البحث والتدوين خصوصاً أن اللغة العربية هي أصل لغات العالم أجمع ما عدا الصينية واليابانية ومن الخطأ الفادح عدم تفعيل حركة النشر والتأليف في ذلك وعمل القواميس العلمية التي توضح وترجع جذور مختلف اللغات إلى اللغة العربية التي تُعد بمثابة لسان الألسنة، فالتراث العربي يبحث عن مطالبين.. وسيترتب على تلك البحوث الكثير.


nada@journalist.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved