الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th September,2006 العدد : 169

الأثنين 11 ,شعبان 1427

أهم الظواهر الفنية في شعر عبدالله زكريا الأنصاري «2-2»
أ.د.سهام الفريح*

الحب هو الذي فتح له أبواب الشعر على مصارعها، حتى أمسى الشعر ملاذه، وصندوق أسراره، وفضاءه الرحيب، الذي يتنفس من خلاله ليعبر عن تلك النسمات التي تغلغلت في أعماقه لتوقظ في نفسه الدفء والحياة.
فهو لا يتحدث عن الحب والهوى إلا ويكون الشعر رديفهما، حتى نجده يذهب إلى القول إنه لولا الحب الذي غزا قلبه وتمكن من مشاعره؛ لما نظم الشعر، ولكان النثر أغناه، وذلك في مثل ماجاء في قصيدته (تبارك الحب) التي نظمها بتاريخ 10-10-1975م.
وأحسَبُ العمر يحبو نحو غايته من غير خل سوى كتبي وأخداني
ما كنت أدري بأن الحب يرصدني بل إنه قابع ما بين أرداني
والشعر من زمن ما كنت أنشده ولا أداريه حيث النثر أغناني
(مرايا الذات ص)
وتلح عليه هذه العلاقة (الحب والشعر) إلحاحاً شديداً فتدفع به إلى نظم الشعر بتدفق شديد، وبخاصة عندما يشتد شوقه إلى المحبوبة، وعندما يعز لقاؤها ويستحيل ويصعب عليه الإعلان عن تلك العواطف التي تعتلج بين ضلوعه. فيكون الشعر ملاذه ويكون صاحبه القريب الذي يبثه شكواه، ولا يضير أن يطلق عبراته عند هذا القريب، ففي قصيدته (ياربة الشعر).
يار بة الشعر أغنّيّ به والشعر إلهام وإيحاء
أبثه ما جاش في خاطري والوحي أفكار وآراء
ألهمتنيه دافقاً رائقاً حلوّا له وإيماء
يبدو فللأ لن من وقعه شَدو وللآذان إصغاء
أسرى بأشعاري إلى عالم أشتاقه، والشعر إسراء
إن (الحوارية) في شعر الأنصاري لم تكن خاصية يتميز بها دون غيره من الشعراء في الحب، لكن ما يميز هذا الحوار في قصائده أنه حوار داخلي يدور بينه وبين ذاته، وإن كان يسعى جاهداً بأن يجعله على لسان المرأة ليمنح نفسه لذة لقائها والاتصال المباشر بها، لكن قصائده تكشف عن حقيقة هي أن ما كان يرسمه من لقاءات وحوارات لم يكن غالبه إلا صوراً وأمنيات نسجها خياله الخصب الذي عانى الحرمان والصد في الواقع لكنه يمضي قليلاً حتى يستيقظ من أحلامه حين تأتيه سياط الرفض ليس من المرأة، وإنما من ذاته، كما في قوله:
وأنت في سورة الليالي تدنو إلى قعرك الرهيب
تدبّ نحو الفناء دباً وتقطع العمر في اللغوب
أني بنور الصباح أسمي وانت تسعى إلى المغيب
شتان بين الشروق إما يُضئ في الكون والغروب
إنه حوار نمطي غير مقصود لذاته، بهدف تعميق الفعل السردي، أو بنية الحدث ونموه.
فيرتفع صوته الزاجر للذات ليعيده إلى أرض الواقع، بعد أن حلقت به الأمنيات إلى فضاءات الخيال الرحبة:
قد هدني الوجد فيك حتى ضربت في مهمه عصيب
وطرت عن واقعي بعيداً أمضي إلى عالم مهيب
تأتي الرؤى فيه ثم تمضي في جيئه ثم في ذهوب
فقلت ما قلت لست أدري وغبت في جنة حلوب
أقطف منها الثمار قطفاً أمرح فيها بلا رقيب
فالقصيدة عند الأنصاري تبحث في مبحث واحد فقط، وإن تعددت موضوعاته، فهي موضوعات جزئية تتواصل، وتتكامل لتحقيق الموضوع العام الذي من أجله نظم القصيدة، والمقطوعة لذا لا نجد النقلة الفجائية والتحولات الخاطفة من موضوع إلى آخر، فبهذا جاءت قصائده منسجمة في سياق واحد من تناغم الألفاظ مع المعاني يجلها التلاحم، ولا تتجرأ عليها الفجائية المطلقة.
فهذه القصيدة التي وصف فيها إحدى القرى المطلة على البحر، والكويت مرتبطة بالبحر ارتباطاً وثيقاً إلا أن هذا الموروث وهذه الظاهرة الطبيعية الشامخة في بيئة الكويت لم تلق اهتماماً من الشاعر، وهو لم يتجه بوصفه إلى البحر اتجاهاً مباشراً ولم يتوسل بصوره ورموزه في التعبير عنها في شعره، وخصوصاً أنه من جيل عايش أياماً كان للبحر دور في حياة الكويتيين الماضية، لذا لا نعتقد بأن التباعد الزمني محا من ذاكرته ذلك الموروث الذي نجده يمتد حتى أجيال متأخرة من المبدعين يقتبسون من البحر رموزه وصوره ليضمنوها أشعارهم.


* الكويت

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved