الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 4th October,2004 العدد : 79

الأثنين 20 ,شعبان 1425

أعراف
ينابيعُ الذاكرة: عودةٌ إلى (العودة)!!(1)
محمد جبر الحربي
أحتفظ للشاعر والمثقف الكبير عبد الكريم العودة بأربع قصائد هي (خيول المتنبي على أبواب كافور)، (توقيعات على رمل الخليج)، (فاتحة القصائد)، و(البكاءُ بين يدي فاطمة).
وهي قصائد تشبه عبد الكريم إلى حد بعيد: فهي عالية رقيقة، دافئة عميقة، هادفة ثائرة ذات طابع سيمفوني.
وهي حوار أمواج: مد وجزر، وأسئلة داخلية، وغموضٌ هادفٌ. ولها أرضية ثقافية خصبة، وخلفيات متحركة من الرمادي للأسود، لكنها تحاول إيجاد منافذ للضوء، وللزرقة:
(يبارحك الأصدقاءُ، إذا بارحتك الأغاني الحزينة...
أو بارحتك الهمومُ
تبارحك الفرحة البكر، حين تبارح (أرواد)
يخمد ذاك البريق المشعشع في عين (فاطم)
تنكرك الطرقات، وينكرك الطيبون
إذا عثرت خطواتك في سيرها
فأنت مدين لهذي الطفولة، بالحزن والوطن المتناثر
خلف البحار).
هكذا يفتتح عبد الكريم قصيدته الكاملة الشاملة (البكاء بين يدي فاطمة).
إنها قصة الشاعر الشاهد عبر (فاطم)، والدرس، والوطن، الواقع والأمل، عبر النظرة الفاحصة عن بعد، ومن خلف البحار، حيث تكون الصورة مكتملة، وتكون العاطفة في أوج اشتعالها وصدقها لتزف الفجيعة والعزاء في آن:
(وما أنت إلا الشهادة للعصر
لست الشهيد الوحيد على أمرهم
فحين تحاصرك الهمهماتُ، وتقفوا الوجوه
التي تتدبر أمرك،
تلزق مثل اللبانة بين شراشف نومك
كالزيت في فتحات ثيابك
لا تبتئس.
فلست الوحيد الذي نبذته العشيرة
ضيّعه أهله
تركوا أمره للدروب العسيرة تحثوا عليه التراب).
ولا تبتئس فهنالك فاطم/ الطفولة، هنالك نافذة للأمل:
(أكنت تعلِّم) فاطم هذه القراءات كيف
يعد الصعاليك قهوتهم..
ثم كيف ستقفز فاطم في ثوبها المتورد، يلعب فيه الهواء الندي، تأخذ دلتها
وفناجين جدتها وتصب لهم قهوة الكبرياء
تودعهم بمقاطع من شعر (سعدي)
وما قاله الشعراء عن النخلة العربية
تهمس في خيلهم: لن تطيلي الغياب،
وترفعُ حناءها للوداع)
وهنا تأتي قيمة الشعراء الكبار، والمثقفين الكبار الذين لا يزرعون اليأس،
ولا يغلقون النوافذ، ولا ينزعون إلى تتفيه أمتهم وحضارتهم، ولا ينسلخون عن جلودهم، ولا يلبسون نظارات غيرهم لرؤية واقعهم ومستقبلهم، رغم أن هذه القصيدة كتبت هناك في الغرب البعيد:
(ستفتح (فاطم) شباكها، بعد دهر من الانتظار
ولا بد، في البدء، من أن تزيل الغبار الذي ملأ السقف
ما نسجته العناكب بين فساتينها من ركود المشاوير
تفتح شباك غرفتها للهواء الجميل مع الصبح
للصخب المتوهج عند الصعاليك
للأغنيات التي اشتعلت نارها في ثياب العشيرة
تنشدها الفتيات الصغار
ستهتف فيها طيور الحديقة
ترسلها السعفات إلى شجر الطلح
يغتسل الرمل والسنبلات بماء الأناشيد
تدخل هذي الأناشيد في كل بيت
كما يدخل الضوء في غرفةٍ
ملّها الانتظار..)
ويحق لك أن تسأل هنا، في حضرة هذا الشعر العذب، لماذا لا يكتب شعراء اليوم معظمهم بمثل هذه الروح، هذه الحرقة، وهذه الإجادة؟!
لم لا يغنون أوطانهم؟!
ولم يهربون من قضاياهم؟!
لماذا يزيفونها؟!
ولماذا أصبحت الكتابة على أيديهم، وعبر مشوارهم، ممسوخة تافهة باردة، لا دفء فيها، لا شموس ولا هواء، لا نوافذ ولا أسئلة؟!


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved