الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 4th October,2004 العدد : 79

الأثنين 20 ,شعبان 1425

صدى الإبداع
ظفار.. قصة الحضارة في معجم الذاكرة
د.سلطان سعد القحطاني

1 الموقع:
في أقصى الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية على بحر العرب عندما يلتقي بالمحيط الهندي تقع محافظة ظفار الجزء الجنوبي لسلطنة عمان، ويحدها من الجنوب الجمهورية اليمنية، والمملكة العربية السعودية من الغرب، أما من الشرق فيحدها بحر العرب، وقد تميزت ظفار منذ القدم بموقع جغرافي مميز، من الناحية الاستراتيجية، بما حباها الله تعالى من مواقع حصينة تتمثل في جبالها العالية، وأوديتها السحيقة وطبيعتها الخلابة وخيراتها الوفيرة، في البر والبحر، فقد جمعت صفات البحر والبر والجبل، وهذه ميزات قلما توجد في بلاد غيرها، فالظفاري يستطيع أن يتكيف مع كل هذه المتغيرات البحرية والبرية والبدوية، وحتى الذين هاجروا إليها من البلدان الأخرى استطاعوا العيش فيها، بالرغم من صعوبة اللغة التي يتكلمها الظفاريون، لكن هذه الأقليات تعيش في عاصمة المحافظة (صلالة) وهي مدينة من أعرق المدن العربية والعالمية، على مر التاريخ والعصور، وإن كانت المصادر تقول: إن هناك مدينة أقدم منها، وهي (مرباط) التي سنأتي إلى الحديث عنها في الصفحات القادمة، فقد جاءها الكثير من الصوماليين والحضارم، وبعض من أهل الساحل الإفريقي، عندما كانت تحت الحكم العماني، فالعلاقات الظفارية بالهند والساحل الإفريقي والخليج العربي كانت قوية منذ قديم الزمن، بحكم تجارة اللبان الظفاري والعطور والجلود والعسل، وهي صادرات رئيسية، واستيراد المنسوجات والأغذية من الهند وموانئ الخليج العربي وبلاد فارس. وبما أن محافظة ظفار تحوي ثلاث فئات متجانسة من السكان، تجمعهم ثقافة واحدة، ويتكلمون لغة خاصة محلية بينهم (اللغة الجبالية) في العرف المتداول، وهي اللغة الحميرية، كما يؤكد الكثير من الباحثين العرب والأجانب، إلا أننا نقول: إنها اللغة العربية الجنوبية القديمة، قبل أن توحد اللغة في نظام صوتي واحد، أو ما يعرف بلغة حمير في المصادر العربية القديمة التي تحولت فيما بعد إلى لهجة من لهجات العرب، محدودة التداول، بحكم العزلة، وهذا موضوع سنفرد له دراسة خاصة، فالظفاريون ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
البدو وهم رعاة الإبل والغنم المتجولون في صحراء ظفار، ويسمون أهل (النجد)، وأهل القرى في الجبال وهم يربون الماشية من البقر والغنم.
وأهل المدن (الولايات) وهم يربون الغنم والبقر ويشتغلون بصيد السمك، وجني العسل ولا يعني هذا التقسيم الفوارق الكبيرة، فقد تتداخل المهن مع بعضها في كل من التقسيمين الثاني والثالث، كما أن ليس هناك فوارق جغرافية بعيدة بين السكان، فقد عرف الجميع بالتجارة والسفر منذ القدم، والعمل في الكثير من مناطق الخليج العربي والساحل الإفريقي والهند، كما أن أهل المدن كانوا يذهبون في فصل الخريف (الصيف) وهذا مصطلح خاص بأهل ظفار إلى الجبال القريبة من مدنهم لما يجدونه من جو لطيف بارد، حيث تكون المدن حارة في هذا الفصل من السنة، مما جعل الجميع يتكلمون لغة واحدة هي لغة أهل الجبال التي يطلقون عليها اللغة (الجبالية) نسبة لأهل الجبال الذين لا يعرفون غيرها من اللغات، قبل النهضة الشاملة التي نهض بها جلالة السلطان قابوس في الثالث والعشرين من يونيو، سنة 1970م حيث توفرت الوسائل الحديثة فلم تعد الحاجة ملحة للتنقل الى الريف في الجبال طلباً للراحة، مما جعل أبناء الريف ينزلون من الجبال الى المدن، وخاصة صلالة للعمل والتجارة، والبعض منهم يسافر الى المدن التي يوجد فيها جامعات، مثل العاصمة (مسقط) وبعض البلاد الأوروبية والعربية، ففي فترة وجيزة من الزمان حقق العمانيون تفاعلا مع نهضتهم المباركة، وأدوا أدواراً حضارية أعادت لهم المجد التليد الذي عرف عنهم منذ الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم اللغة والعروض، وركوب البحر الذي عرف به البحار العالمي أحمد بن ماجد، والتجوال في الصحاري وتصدير اللبان والمنتج العماني، بكافة أشكاله، وما كان ذلك ليكون لولا النهضة التي جعلت العماني في الصفوف الأولى، ويكفينا مثال واحد، وهو البيئة التي عبث بها الإنسان، وحافظ عليها العماني، تحت قيادته الموفقة، منطلقاً من جذوره الحضارية العريقة، ومن هذا المنطلق الحضاري اختارت منظمة اليونسكو عمان نموذجاً للحفاظ على البيئة، واختير جلالة السلطان قابوس بن سعيد متحدثا عن البلاد العربية في مؤتمر قمة الأرض الذي عقد في البرازيل، في عام 1992م. كما أن هناك جائزة عالمية في مجال البيئة تحمل اسم جلالته، تتولاها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، وفي الحلقات القادمة سيكون لنا حديث حول الكثير من المواضيع الحضارية والفنية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved