الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 4th October,2004 العدد : 79

الأثنين 20 ,شعبان 1425

الغذامي حين يسقط النخبة... ويبرز الشعبي «22»
المتحدث في (حكاية الحداثة) لم يكذب..ولم يكن هناك ظلم وتجنّ بل كانت حقائق
* حوار عبدالله السمطي:

يواصل الناقد الدكتور عبدالله الغذامي حديثه المتأمل في يقين الثقافة، فيقبض على أطراف السؤال وصولا الى سطوع الإجابة.. فيتناول في هذا الجزء بعض القضايا الثقافية المحلية، وأصداء قضايا حكاية الحداثة الان بعد ان خفت الضجيج قليلا ليدخل الى صخب الثقافة التليفزيونية وثقافة الصورة.. الغذامي يؤكد على ان المتحدث في حكاية الحداثة لم يكذب، وان من غضبوا عادوا للتواصل، ويرى ان تفعيل الثقافة رهين بمؤسسات تخدم الثقافة لاتديرها، ويؤكد على ان الانتخابات في الاندية الادبية وجمعيات الثقافة كفيلة بإحداث تفاعل اجتماعي ثقافي حر.. والى نص الحوار:
* اغضبت في كتابك (حكاية الحداثة) كثيرا من معاصريك، وحوارييك، لماذا ظلت آراؤك في الآخرين مطمورة في النفس حتى صدور هذا الكتاب؟ هل هو مزيج من حب الخصومة النقدية وبروز الأنا الغذامية؟
الحقيقة لا، فالملاحظة الطريفة جدا هي ان الذين غضبوا غضبوا وقت صدور الكتاب، والان عادوا الى الاتصال والتواصل واللقاءات الشخصية، كأن شيئا لم يكن، ما السبب في ذلك؟ السبب في ذلك انك انت في مجتمع محافظ، والمجتمع المحافظ عادة لا يرغب في التحدث عن ذاته، لا يرغب الناس ان يحكي عنهم الاخرون، ويقولون ان فلانا صدر عنه التصرف الفلاني، او التصرف الفلاني، عادة هذه من الاشياء المستورة، فإذا تكلمنا عنها يفاجأ (المثال الذي كان موضوع القصة) فيغضب، ثم يعود الى صوابه كما حدث فعلا الآن لسبب واحد هو أن المتحدث لم يكذب، كذلك لم يكن هناك ظلم وتجنّ، كانت حقائق رأى الناس الذين تمسهم أنها مؤلمة لهم، وكانوا يريدون نسيانها، ولقد نسوها هم فعلا، احدهم اقسم بالله انه لا يتذكر.
والقصص فيها مجموعة حاضرة لم تكن خصوصية، ولقد تجنبت القصص الخاصة التي تكون فردية، لكن تعرضت للقصص التي لها طابع عمومي، صارت جماهيرية ليست خاصة، وهذا جزء من النسق المحافظ الذي لا يحب الرواية لا يحب المسرحية لا يحب المسلسلة التليفزيونية لانها تكشف خفايا مسكوت عنها ولا يريدون ان تظهر، هذه عادة البيئات المحافظة، انها تتستر على عيوبها بينما المجتمعات المفتوحة تكشف عيوبها: عيوب امراض، او
ظواهر اخلاقية وغير اخلاقية لا يودون التحدث عنها، وهذا طبع المجتمع المحافظ، وتأتي قصص حكاية الحداثة من هذا النمط من نوع القصص التي لا يراد لاحد ان يتكلم عنها، وانا تكلمت عنها لا بوصفها مجرد قصص، لكن بوصفها حكاية، وعلينا ان نفرق بين القصة والحكاية، فالحكاية
هنا ذات رمز اجتماعي، وقيمة اجتماعية تكشف عن حركة الافكار او سيرة الافكار، فالكتاب هو: سيرة افكار وليس سيرة اشخاص، والاشخاص الذين وردوا في القصة لم يردوا الا بوصفهم اطرافاً في الحكاية ولم يردوا بصفتهم الذاتية، لو كانوا بصفتهم الذاتية لما تحدثت عنهم، لانه سيصبح هنا بحثا علميا تدقيقيا، لكنهم وردوا بصفتهم اطراف في حكاية، والحكاية اذا حدثت فأنت لا تكتبها بل هي تكتب نفسها، فأما مسألة ان الوقت مر، وتكلمت الان، فذلك لسببين: السبب الاول كنت انتظر من غيري ان يقوم بهذا الدور بشكل موضوعي ليس طرفا من الاطراف، وهذا لم يحدث، السبب الثاني انني وجدت ان القصص والحكايات بدأت تختفي، وبدأت تذوب والنسيان يطمرها، وكان لا بد من تسجيلها لانها في الحالة هذه هي سيرة مجتمع، وحياة مجتمع وبيئة وكان من الضروري للأجيال الآتية ان تعرف ما الذي حدث، لانها ستتعلم من هذا الذي حدث اشياء كثيرة: تربوية واجتماعية وإنسانية وثقافية، فالدروس المستفادة من هذه الحكايات رأيت انها مهمة ولا يجوز التفريط فيها.
* كيف يمكن أن تكون الخصم والحكم في آنٍ واحد بالنسبة لتقييم أو قراءة سيرة الحداثة في المملكة، هل يصلح هذا من الوجهة المنهجية؟
طبعا لا يصلح، وهذا مأزق اساسي، مأزق منهجي ومأزق اخلاقي ايضا، وكانت المسألة صعبة جدا، وكان هذا احساسي شديد به حتى اوشكت ألا اكتب القصص بسبب انني طرف اساسي فيها، ويتعارض هذا مع الموضوعية، وقد صارحت القارئ في كتابي بهذه القضية، ولذلك كي احاول تصفية
ذاتي وتقليل الذاتية، وضعت شروطا على نفسي:
الشرط الأول: ان تكون الحكاية مشهودة، علنية وليست ذات طابع خصوصي، أي ان تكون خرجت امام جمهور، اما بالصحافة او امام أناس، وبالتالي صارت قصة اجتماعية، وصارت حكاية ثقافية، وهذا يخفف من شرط الذاتية لان القصة العلنية لم تعد ذاتية بل صارت موضوعية.
الشرط الثاني انني حرصت الا تكون الحكاية المروية، محكية لذاتها وانما لقيمتها الرمزية، كأداة معرفية وثقافية، وبالتالي تنتقى من عشرات الحكايات ثلاث او اربع حكايات، وترمز وتعطي المعنى.
وبالتالي هناك اشياء كثيرة مستبعدة، اما لانها لا تضيف شيئا آخر للحكاية المروية او انها لا تقدم قيمة رمزية.
فالحرص على تعريف الحكاية المروية على انها ذات صيغة عمومية وليست خاصة، وانها ذات بعد رمزي، هذان الشرطان هما شرطان منهجيان من حيث الاساس، فبالتالي يساعدانك على ألا تكون ذاتيا مغرقا في الذاتية.
* هل عند تأليف الكتاب نظرت الى المتلقي بوصفه يتلقى طرحا معينا من الغذامي المثير، وبالتالي تتكئ على هذا العنصر فتثير بعض القضايا المثيرة، ام ان هذا كله يأتي لديك خارج عملية البحث؟
لو وضعنا الشرطين السالفين في الاعتبار انتهى الأمر، فالشرطان هما اللذان يحكمان القصص المروية، ويحولانها من قصة الى حكاية، فالقصة تظل قصة لا تتحول الى حكاية إلا بوجود الشرطين، نحن عندما نتكلم عن حكاية مثلا، نعرف بالفطرة ان الحكاية هي المرويات الاجتماعية التي يرويها كل إنسان غير ما نتكلم عن قصة فتكون فردية، فتحول القصة الى حكاية يجعلها عمومية، وتلاحظ ان كل الحكايات التي رويتها في الكتاب اما ان تكون امام ناس، وقائع مشهودة، او تكون منشورة في الصحافة، فبالتالي تحولت من قصة الى حكاية وصارت جزءا من النسيج الثقافي، وان كان في جانبها الاجتماعي.
كما يجب ان تكون ذات بعد رمزي لانها من الممكن ان تكشف شيئا، عندما تضع كتابا عنوانه: (حكاية الحداثة) فأقل ما يتوقع ان الحكايات هنا ذات شحنة تحمل معنى خاصا، وليس مجرد ان فلانا اتى او ذهب أو سافر، ليست الحكاية هنا وقائع يومية،
هي في عصرها وقائع، صارت قصصا ثم صارت حكايات بالشرطين المذكورين.
* ما ابرز مطالباتك لتفعيل الثقافة السعودية، خاصة وانك من الرافضين لانشاء وزارة للثقافة؟ أليس إنشاء مجلس أعلى للثقافة، وهيئة عامة للكتاب لنشره وتوزيعه، واتحاد للكتاب والادباء، ومركز للترجمة من الامور التي يمكن ان تفعل عبر وزارة الثقافة والإعلام؟؟
الذي من الممكن ان يفعل هو وجود ادارات خدمية وليست ادارات تدير الثقافة، الاشكال الكبير الذي يخشى المرء منه ان تتحول وزارة الثقافة او المجلس ان كان هناك مجلس وطني ان يكون لادارة الثقافة وتوجييها، وليس لخدمتها.
لو عملنا مؤسسات تخدم الثقافة لا أن تديرها سيكون الوضع جيدا ومطلوبا. لكن اذا قلنا وزارة الثقافة سنجعلها وزارة ارشاد، اي وزارة تربوية توجه، لان من شأن
الوزارة ان تكون بيروقراطية، وان يكون نظام العمل وطبيعته فيها هو طبيعة عمل الوزارات، يشبه وزارة الداخلية، يشبه وزارة الاعلام، يشبه وزارة التربية والتعليم، وتلاحظ انت وزارة الثقافة والاعلام وهما نقيضان،
دائما هناك صراع بين الاعلام كجهاز رقابي والثقافة كجهاز متمرد على الرقابة، فكيف تجعل الرقيب هو الذي يدير الثقافة؟ طبعا هذه خطورة فيما اتصور.
وهذا يجعلني اقول في هذا الزمن لا نحتاج وزارات للثقافة، نحتاج لمؤسسات خدمية تدعم الثقافة دون ان تشرف عليها او توجهها، كمثال خذ صيغ الاندية الادبية.. في بداية تأسيسها كانت تقوم على الانتخابات، ولذلك نرى ان النادي الفعال في المملكة هو النادي الذي كانت ادارته منتخبة، عبدالفتاح ابو مدين، وانا كنت معهم، ومعنا الاستاذ أحمد المبارك، ومطلق الذيابي رحمه الله وحسن القرشي رحمه الله فالمجموعة هذه كانت منتخبة، فبالتالي بقيت البقية المنتخبة في النادي وظلت منتجة، لكن الاندية التي قامت على التعيين صارت راكدة، فهنا فارق جذري، بين إدارة منتخبة وإدارة
معينة، صحيح ان النادي الادبي بجدة تحول الى معين، بتثبيت مسؤوليه، لان الانتخابات كل أربع سنوات، لو اعدنا روح الانتخابات في الاندية الادبية في الجمعيات الثقافية في المؤسسات، مثلما رأينا في انتخابات هيئة الصحافيين، سيكون هناك تفاعل اجتماعي حر، اما اذا كان الرئيس معينا، والاعضاء معينين فهؤلاء صاروا موظفين حينئذ، وليسوا طلقاء، والرقابة ستكون من جهة الذي عينهم ولن تكون من جهة الوسط الثقافي، لكن لو ان الوسط الثقافي هو الذي انتخبهم فهو الذي سيراقبهم ويحاسبهم، وهو الذي سيزيحهم بعد ذلك اذا لم يؤدوا الاداء الصحيح، الثقافة من شأنها ان تكون حرة، أما اذا قيدت واشرف عليها فستكون خطابا مؤدلجا، ونحن نعرف من تجربة العالم الاشتراكي كله ومن تجربة الاحزاب السياسية ومن تجربة وزارات الثقافة والارشاد القومي كلها ثقافات توجيهية، ولا ينقص هذا الكلام ان نستشهد مثلا بالدكتور: ثروت عكاشة، لانه كان اصلا مثقفا، وله هموم ثقافية بارزة وبالتالي لم تكن المؤسسة هي المنتجة، الفرد هو الذي كان حرا وفاعلا، ما الذي جرى بعد ثروت عكاشة، تحولت الوزارة الى بيت بيروقراطي، الان نجد نشاطات المجلس الاعلى للثقافة مرتبطة بوجود جابر عصفور، ولو مشى جابر عصفور الوضع سيتغير، اننا لم نسمع بوجود المجلس الاعلى للثقافة الا في زمن جابر عصفور، وقبله لم نسمع به، هنا تلاحظ ان الافراد هم الفاعلون وليس الوزارات، هنا من الممكن ان يأتيك وزير ثقافة من اعظم ما يكون فينتج، لكن ليست الوزارة هي الدافع، واذا زال زالت الجهود معه، ان الذي نريده ان نضمن شيئا اذا اردنا للثقافة ان تتحرك وهو ألا تكون مرتبطة بفرد بعينه، ولكنها مرتبطة بحماية مادية ومعنوية تسمح للثقافة بأن تنطلق.
* هل هناك مشاريع قادمة بعد الكتاب الأخير؟
كتاب (الثقافة التلفزيونية) هو القضية الآن، وأرجو ان يصل للقراء بأسرع وقت، وقضية الكتاب ستأخذ بعض الوقت، وهناك قضايا في الكتاب نفسه تحتاج للتوسع فيها، اما عبر مقالات او بحوث او ندوات.. هذه الامور ستأخذ مني جزءا من الوقت المقبل إن شاء الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved