الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 4th October,2004 العدد : 79

الأثنين 20 ,شعبان 1425

حسن الهويمل ناقداً

جميل حين يتصدى أديب شهير للكتابة عن أديب لا يقل عنه مكانة كادت أن تملأ حرساً وشهباً، ولاسيما إذا كانا رضيعي لبان، فقد تدرَّج شبابهما في بيئة قريبة اكتنزت على نظرية التأثر والتأثير، إذ كانا يختلفان إلى بعضهما منذ اوج الحركة الأدبية في مملكتنا الغالية، فيتبادلان فيوضا من القضايا الأدبية بطيوفها المعشبة بالأخذ تارة، وبالطرح أخرى، وفيها ما فيها من الاتفاق والاختلاف، مما حدا إلى المشاركة الفاعلة في إثراء الساحة الأدبية، ينهل منها القاصي فضلاً عن الداني، مخلفين وراءهما وبين أيديهما موضع أثر لا يفتأ ولا ينفك يلوح كما لاح الوشم في ظاهر يد خولة طرفة، ولا نغلو إذا قلنا إنه باق لا يبرح مكمنه، فما من عاكف على الأدب السعودي إلا له سهم منهما قلَّ أو كثر.
لقد أتحفنا الدكتور القدير حسن بن فهد الهويمل بكتابة شائقة وماتعة عن أديبنا المتألق عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس، وهو ما نشر في جزءين في عددي (11639 11653) من جريدتنا الساحرة برضا واقتناع، تحت عنوان (ابن إدريس ناقداً)، وقد وُفِّق ابوأحمد إلى حد كبير في إنصاف أديبنا، ونفله ما ألهمته القراءات المواضي له، فقد ألفيته كأنه يعتسف ذاكرة تراكمت عليها سنون كضعفي سني تخيير شعيب لموسى عليهما السلام بل تربو على ذلك، فجاء فيه ما كان لزاماً عليَّ أن أهدي بعضاً من الملحوظات التي لا أجد ريباً في اتساع صدرَي أديبينا لها، فقد قال الدكتور حسن (ومن الخير للأمة أن يرحب صدرها لكل طرح).. من هنا، وهنا ليس غير، أطيب خاطراً في إبداء الرأي، وكلي ثقة في علمهما أني لست باحثاً عن إدانة، بل مبدي نصح مشفوعاً بالتردد الذي قطعته هاتيك التفاؤلات التي تعي اختلاف الرأي، وكيف أن دواخل أهليْها مبيضَّة كما البرد، وكما الثوب المنقى من الدنس.
لقد قرأت فيما قرأت في مقال الدكتور حسن استهلالاً يطمئن القارىء إليه، ويأنس به، ويوغل فيه موضوعية وحقا صُراحا، فقد قال في بُعيد البدء: (فإنني سآوي إلى وثائق تعصمني من التجهيل أو التكذيب، وتنجيني من مغبة المجاملة أو معرة التحامل)، ويقول بعد أن وعدنا بنبذ شَرَك المجاملة (ذلك أن الأمر لا يحتمل مثل هذه التحفظات)، ويقول عن نقده لأديبنا (يحفظ التوازن بين الحق والحقيقة.. والحق ألا نقول عنه إلا الحق)، بيد أني وجدت أبا أحمد ينزع إلى إيراد إيجابيات لأديبنا ابن إدريس، لا سيما أنه عوَّل كثيراً وأقول كثيراً بالنقد على كتابه (شعراء نجد المعاصرون)، وكم كنت أتمنى أن يتعاطى النصيحة لرفيق الطلب والمزامنة، وذلك بأن يعرِّج على تلك الأخطاء التي حفل الكتاب بها، فقد اتخذه عضدا، له في مقاله، على أن هذا الكتاب هو الذي قد استوحى منه الدكتور حسن رسالته للدكتوراه في موضوعه، يقول: (ومن تلك الرؤى انقدحت عندي فكرة اتجاهات الشعر المعاصر في نجد، والتي تحولت إلى موضوع أكاديمي)، على أني سبق أن وقفت على رسالة الدكتور فوجدتها خالية من التنبيه على بعض تلك الأخطاء التي أنا بصددها، فأضحى التنبيه عليها بداً مما ليس منه بد.
ومما يحسن هو أن أبدأ بالأخطاء المنهجية، ثم بما بعدها، فمن هذه الأخطاء:
1 اتفق أن أديبنا في خطبة الكتاب نزوعه إلى المذهب النفسي في دراسته لشعر الشعراء، وقد خالف هذا المذهب في كثير من نقده، بل خلط بين المنهج النفسي والاجتماعي، ولم يمضِ بأي واحد منهما، بل زاوج بينهما، وهو ما بدا ظاهراً في قلقه بين المذهب الواقعي والرومانسي؛ ذلك أنه عاب على بعض الشعراء أنه يهرب من الواقع إلى الخيال، وغاب عنه أن من الرومانسية أن يميل الشاعر إلى الخيال المحلق تاركاً وراءه الواقع بما فيه، ص: 47، فلا أرى بيانا شافيا لتحديد مفهوم الاتجاهات والمذاهب الأدبية لكي يقف القارىء على بينة من الأمر، من ذلك أنه عدَّ عبدالله الفيصل شاعراً رومانسياً، ثم قال بعدها إنه (من دعاة الفن للجمال) وهو (ليس ممن يقبع في زاوية الرومانسية المتصوفة..) ص: 86. ومن المعلوم أن شاعر الرومانسية قلَّ أن يكتب في الوطنيات، ومع ذلك فقد أورد بعض القصائد الوطنية له.
2 لقد أقحم أديبنا نظرية (فرويد) في نقده، وهي نظرية تستحلب ما لا يكون عند الشعراء؛ ذلك أنها لا تتكيف مع الثقافة العربية الإسلامية، ثم إنها مذهب نفسي قلما صدقت مع شاعر، فهي مذهب نفسي بحت، لا يجوز أن يتكىء عليها الناقد، وإن اعتمد عليها فهي من قِبَل الشك الذي لا يصل إلى رتبة اليقين.
3 يُعد ابن إدريس في كتابه من الدعاة لنبذ الشعر الذي أسماه (الرومانتيكي)، فقد تنبأ بزوال الشعر التقليدي حيث قال (الشعر التقليدي قد دنت شمسه نحو الغروب، ولم يعد له من وجود يحس إحساساً قبولياً انفعالياً) ص: 37.
4 لم يحدد تاريخاً محدداً للمعاصرة، فقد أدخل مَنْ حقه ألا يكون من زمرة المعاصرين وهو ابن عثيمين.
آتي هنا على مادة الكتاب، وفي بعضه عدم دقة في التدقيق، والبحث المتأني:
1 أنه ترجم لثلاثة وعشرين شاعراً، وعوَّل على ما يكتبه كل شاعر عن ترجمته لنفسه، فليس هنالك تراجم مدونة عن كل الشعراء، إلا أن اللافت للنظر هو أن يعتمد في كتابه على ما يرسله الشعراء إليه من جيد شعرهم، وهو بإيعاز منه، فكان على أديبنا أن يقف على الجيد والرديء ليحقق الدلالة المنهجية لمفهوم النقد الذي هو تمييز الجيد من الرديء.
2 أسقط من كتابه مَنْ حقه أن يضيفه، وأضاف مَنْ حقه أن يسقطه، فمن الأول أنه أسقط الشاعرين ابن خميس، والعمران، وأضاف مَنْ هو
خارج نجد وهو خالد الفرج، صحيح أن خالد الفرج أصله من نجد إلا أنه ولد وعاش وتدرج شبابه في الكويت، وحين عاد إلى المملكة مكث في المنطقة الشرقية، فمن الحق ألا يكون في زمرة النجديين، فليس المعني الأصل، وإنما النشأة والتأثر، أما ابن خميس فمن المعروف أنه مكثر من شعر المديح والمناسبات، وهذا اللون من الشعر هو ما أبعده ابن إدريس من كتابه، على أن لابن خميس شعراً في غير ذلك.
3 أطلق حكماً على ابن عثيمين أنه لا يمدح إلا لعاطفة جياشة، وليس لطلب النوال، وهذا غلط، فابن عثيمين من الشعراء الذين يضربون أكباد الإبل ويفارقون الأهل والسكن لطلب النوال، وديوانه زاخر بذلك، ولو أن المؤلف أستقرأ ديوانه جيداً لما أصدر هذا الحكم المغلوط.
4 اتهم الشعر في نجد قبل المعاصرة أنه لا يعبأ به، فهو لا يمثل الشعر الجيد الذي يتطلع إليه، فهو (لم يعبر عن نفسية الشاعر وانفعالاته، ولم يكن يعطي صوراً حقيقية عن بيئة الشاعر ومجتمعه، ومستوى حياته المادية والروحية) ص: 22.
5 أهمل أديبنا دقة النظر في المراجع السابقة، لكي يستفيد منها، وكيف أنه قد سبق لما جاء في أكثر مما ذهب إليه، ولست أدري سر هذا الإغفال، هل يريد أديبنا أن يكون باكورة عمله التأليفي باكورة في الآراء، أم أنه فعلاً لم يطلع على مراجع سابقة اطلاعاً دقيقا؟
6 في الكتاب كثير من الأخطاء اللغوية والعروضية التي يجب ألا تهمل، بل الواجب أن تصحح، فهي ليست بأخطاء مطبعية فحسب، فأتمنى أن يكرمنا بمراجعته ويعيد طبعه مصححاً.
7 يميل أديبنا في أحكامه إلى التعميم، وإلى عدم الغوص في القيعان، بل يعول على استنتاجات القارىء، ولعل في الأذواق والإدراكات ما لا يخفى على أحد.
والحق أن جملة من الباحثين في الأدب السعودي ضلوا الطريق من خلال تلك التجاوزات، فكان الخليق أن ينبه الدكتور صديقه وأديبنا ابن إدريس إلى تلك الأخطاء، ذلك أن ابن إدريس، لم يعد إلى انتزاعها وتصويبها، وكأن الدكتور يؤيده في ذلك، فقد قال (ولقد كانت لي معه وعنه أحاديث خبرت بها لماذا بادر إلى التأليف، ولماذا فرض شرطه الفني والدلالي على الشعراء المترجمين، ولماذا أراد له أن يظل كما هو، لا يضيف إليه، ولا يحذف منه).
هذا ما استطعت أن ألمّ به في عجالة، ومهما يكن من شيء وأمر، فإن الكتاب ذو قيمة لا تغفل البتة، فهو من أوائل الكتب التي رصدت حقبة من الشعر النجدي وكثيراً من شعرائها، على غرار كتابي أدب الحجاز، وشعراء الحجاز، وغيرهما، إلا أن من الواجب أن يعرج الدكتور حسن على مثل هذه الملحوظات أو بعضها التي هي مآخذ يجب ألا تقع، فمن الواجب إهداء النصيحة، ونبذ المجاملة كما وعدنا أبو أحمد، وللكاتب وللمكتوب عنه أهدي خالص التحية مشفوعة بالاعتراف الريادي.


أحمد بن عبدالعزيز المهوس
ماجستير في الأدب العربي الحديث
khlid71@hotmail.om

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved