قصة قصيرة
الدخان
نورة بنت سعد الأحمري
|
دخان يتصاعد ويتلوى في الهواء كأفعى تتفنن في تعذيب ضحيتها بالالتفاف عليها برشاقة وكأنها تحصي ثواني العناق، فتستمتع بتهشيم ودك الأضلاع لتلعق وتمتص بنهم سائل الحياة، ولكن سرعان ما يختفي!!.
أين ذهب..؟؟ هل ابتلعه المكان كما تفعل الأفعى بالتهام فريستها دفعة واحدة دون أن تمزق الجسد الذي تمرغ في أحضانها طلباً للنجاة دون أن تشعره بالعذاب أم ماذا؟؟
وكيف له هذا التحول السريع.. هل الجنون وراء هذه السرعة أم رغبة الفناء التي تحركه؟؟
لا.. قد تكون رغبة التحرر من قفص الأحجام وراء هذه السرعة!!
فما زال الدخان يحمل المفاجآت بحضوره الراقص.. انظر إلى الشراب الساخن من خلف زجاج شفاف فيأتي لونه صافياً وهادئاً لا اثر لارتجاج فيه.. فكيف يستطيع أن يلد الدخان دون ألم ولا صراخ؟؟
تتسارع الأنفاس في أوردة المكان لتخفت الرؤية وتتكون هالة ضبابية على عدساتي فلا أستشعر إلا هيمنة الدخان..
لاصرخ في الكأس هل نتبادل الأدوار وتكون أنت الخارج من التراب مثلي وأتحول أنا إلى أنصاف الحلول وأتصاعد ككيانك في الهواء فأتلوى على الرقاب والأنفاس دون شعور الغير.. فأتعلم كيف أتسلل إلى الطبقات الخفية وفي مسامات الجو..
توقفت فجأة لغة الجماد وتداخلت
اهتزازات الفراغ على عتبة المكان لينبح كلب ضال فيتردد صدى نباحه في أعماق النفايات القريبة.. لأصرخ عليه أيها الكلب اذهب بعيداً عن مسامات جسدي لأكمل عملية التحول فأنا ما زلت في مجادلة.. فتواصل صوته في الاقتراب حتى قرع قشور مكاني فأعادني لرصيف الانتظار وحكاية الأفعى.. يا إلهي هذا الكلب يحاصرني في مساماتي القليلة فألقي به بكرة تتدحرج على عتبات الوقت لتصل إليه مفرغة من الهواء، فيعاود النباح ليشتد غضبي فأرميه بمنديل مشبع بالفراغ فيهز ذيله ثم يغيب، لألمحه رابضاً يتمسح بحذاء مقطوع مرمي بين جذور الرائحة.. فبات يسد عليَّ مسامات الفراغ التي تقيأت سكون المكان وحصار الدخان، أيها الكلب التعيس لقد تشربت مساماتك الدخان الذي كان يعبث في الهواء بعد أن شعرت بالاصطدام بعد مطاردة سكبت في جلدي نار الدخان، كل هذا وأنا أرقبه من خلف عدستي، لتهتز أطرافي فيقع الكأس وينكسر الدخان..
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
