الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 4th October,2004 العدد : 79

الأثنين 20 ,شعبان 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
رئيس جمهورية.. يعيش عزلة سياسية عن العالم!!
بقلم/علوي طه الصافي

في اليوم الثاني زرنا أبرز مساجد الجزيرة، وصعدنا جبلاً ساحقاً صعب المسالك، إستراتيجي عسكرياً، وفي قمته شاهدنا قلعة حربية رووا لنا أن القائد المسلم الذي أنشأها هو (صلاح الدين الأيوبي) إذا لم تخني الذاكرة بالتقادم، كما زرنا مشهد ضريح الشهداء!!
وفي الظهر أقام لنا رئيس الجمهورية (رءوف دنكتاش) مأدبة غداء، ومن حسن حظي أن مقعدي كان بجوار الشيخ (الحركان) الذي يقعد عن يمينه الرئيس، والمترجم السوري الأخ (محمد صفوت الشط) الذي كان يتقن اللغة التركية، وقد همست في أذن الشيخ (الحركان) أن يسمح لي من حين لآخر توجيه بعض الأسئلة للرئيس، فرد بروح الأب الودود: خذ راحتك، فأنتم رجال الصحافة تبحثون عما لا نبحث عنه، ثم داعيني: لا تضع وقتك أمام شهية الأكل!!
رددت عليه أن شهيتي للكلام والسماع ومعرفة الجديد أوسع من شهيتي للأكل!! فقال مداعباً مرة أخرى: لهذا تتمتع بجسم نحيل!!
وحين وجدت الوقت مناسباً سألت الرئيس:
* عرفت أنكم تعانون العزلة السياسية عالمياً، لكن ما مشاكلكم الداخلية؟
رد أن العزلة السياسية التي أشرت إليها جرَّت علينا عزلة تجارية واقتصادية مما أضعف هذين الهيكلين فساءت الأحوال، وبسبب الحرب مع الشطر الجنوبي تقوضت البنيتين التحتية والفوقية، ولك أن تتصور بأننا نلقي بأغلب منتوجاتنا من الفواكه والخضار في البحر!! في الوقت الذي كان من الممكن أن نكون مصدِّرين، لكننا محاصرون من كل الجهات!!
* وماذا عن موقف تركيا؟
لقد تحملت الكثير، ولولاها لكنا تحت هيمنة وظلم الشطر الجنوبية غير المسلم، الذي تولى سكانه كل شيء في السياسة والتجارة والاقتصاد والإدارة التي احتكروها محولين المسلمين من الشطر الشمالي إلى منبوذين مثلهم كمثل المنبوذين في الهند، ولم يكتفوا بهذه الحرب القاتلة الصامتة، وإنما بدءوا يشنون حرباً غير صامتة من خلال المدافع والدبابات كرد فعل لمطالبتنا بحقوقنا كمواطنين، فهل تتوقع أن نتركهم يسحقوننا، ليقضوا على الروح الإسلامية التي تخفق وتضطرم داخل قلوبنا، وتجري في شراييننا وأوردتنا، ولم يكن أمامنا إلا مواجهة الحرب بالحرب، فساعدتنا تركيا، وانتصرنا وأعلنا استقلالنا بتأسيس (جمهورية قبرص الشمالية التركية) عام 1983م، وقد دفعنا ثمناً باهظاً من الشهداء المسلمين.
* ولماذا قام الشطر الجنوبي بكل ذلك ضدكم؟
لتحالفه مع اليونان وأوروبا!!
* لماذا لم يعترف بكم المجتمع الدولي كدولة مستقلة؟
الأنكى والأكثر إيلاماً أن شقيقاتنا من الدول الإسلامية لم تعترف بنا باستثناء تركيا!!
* وبماذا تفسرون مواقف الدول الإسلامية هذه؟
هذا سؤال جيد يفترض أن يوجه للدول الإسلامية نفسها!!
شعرت إنني نبشت جرحاً كبيراً على مستوى مساحات الدول الإسلامية مجتمعة، فلزمت الصمت من منطلق أن الصمت في كثير من الأحيان أبلغ من أي كلام، ويكون أكثر بلاغة حين يكون الكلام دون مستوى القضية، أي قضية.
أحسست أننا شارفنا على الانتهاء من تناول الطعام فتداركت لقيمات، وحين قام الرئيس، نهض معه الشيخ (الحركان) فاقترب منهما المترجم ليقوم بدوره في الترجمة.
بعد ذهاب الرئيس ناداني الشيخ (الحركان) فبادرته بالاعتذار إذا كنت سببت له وللرئيس شيئاً من الضيق لكثرة أسئلتي، فقال الشيخ: بالعكس، لقد كان الرئيس مسروراً فسررت من جانبي لذلك، وأزيدك ما يعكس هذا السرور أن الرئيس أعلن استعداده للقاء خاص معه.. فما رأيك؟
قلت له: فضيلتكم تعرفون أن مجلتي ثقافية، بعيدة عن السياسة الضيقة البحتة إلا ما كان في دائرة الثقافة، على أساس أن الثقافة لا يمكن أن تكون بمعزل عن السياسة، فنحن نهتم بالتنمية مثلاً والتنمية لا تبعد عن السياسة، وفي هذا الإطار يكون تحرك مجلتي، لكنني أستفيد من هذه الأحاديث الجانبية بتسجيلها في مفكرتي الخاصة لاستغلالها في الوقت المناسب.
ثم سألت الشيخ: بصفتك أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي ماذا يمكن أن تقدموا لهم بمناسبة هذه الزيارة؟
رد: لقد فكرت في الأمر فوجدت أن ما يمكن تحقيقه لهم هو منحهم بابتعاث عدد معين من الشباب المؤهل في تخصصات يحددونها حسب مجالاتهم لأنهم يفتقرون إلى الكفاءات المتخصصة للعمل في بعض المؤسسات الإدارية، لأنهم في أمس الحاجة في هذا الوقت الذي ينشئون فيه مؤسسات استشارية، وتنفيذية.
قلت له: هذا جهد المقل!!
ابتسم، والتزم الصمت، وسرنا معاً ليذهب كل منا إلى غرفته للراحة وقت القيلولة.
وأتذكر راجياً أن لا أكون قد نسيت أن الرئيس أقام حفل غداء وداعي للشيخ (الحركان)، وأفراد المؤتمر، وعدد من المسؤولين القبارصة، وأخذت مقعداً حاولت ألا أكون فيه قريباً من الرئيس، لكنني فوجئت بالمترجم الأخ (السقا) الذي كان يعمل بالرابطة يدعوني للجلوس بمقربة من الرئيس حسب رغبته، وهذا ما حدث.
لكنني هذه المرة تحاشيت توجيه أي أسئلة للرئيس من باب اللباقة، فكانت المفاجأة الثانية أن المترجم استفزني حين سألني: يقول الرئيس هل نفذت أسئلتك؟
شعرت بالإحراج مبتسماً في وجه الرئيس تعبيراً عن شكري للفتته الكريمة، ووجهت كلامي للمترجم: الأسئلة لا تنتهي، لكنني أقدر وقت الرئيس الثمين، وحين نقل المترجم كلامي للرئيس، عاد ليقول لي: إن الرئيس سيكون سعيداً لأي أسئلة أخرى، شعرت بعد ذلك بذكاء الرئيس وحنكته، لأنه يريد أن يخرج من عزلته بإيصال صوته، وصوت جزيرته وقضاياها بواسطة وسائل الإعلام، ولكي أؤكد له أن حديثه السابق معي ما يزال حاضراً في ذاكرتي، فقد بدأت من حيث انتهيت في اللقاء السابق.
* وماذا عن دور الأمم المتحدة؟
كيف تريد من الأمم المتحدة الاعتراف بنا، ودول العالم لا تعترف بنا، لا بد أن يكون لنا أصوات تعترف بنا داخل أروقة الأمم المتحدة، وهو ما تعتقده جمهوريتنا.
* هل قمتم بتحركات سياسية من جانبكم؟
كانت لنا اتصالات مع أمين عام الأمم المتحدة، لكن تظل المشكلة قائمة، وهي عدم الاعتراف بنا بصفتنا دولة لها كامل حقوق الدولة المستقلة.
* وماذا عن تركيا؟
كأي دولة لها مشاكلها الداخلية، والخارجية، وقد قامت معنا في حربنا من أجل الاستقلال بدور لن ننساه، ولو كان في وسعها عمل شيء فلن تتردد ونحن في تحركاتنا نحرص على التنسيق معها في أمور شتى بصفتها دولة كبيرة شقيقة.
* لفك العزلة التي تعيشها جزيرتكم هل فكرتم بإقامة أي نوع من أنواع الاتحادات مع الشطر الجنوبي مع حفاظكم على استقلاليتكم؟
لو قبلنا من جانبنا بمثل هذا الاتحاد فإن الشطر الجنوبي لن يقبل به إلا بشروط تمس كرامتنا واستقلالنا الذي حاربنا من أجله نتيجة ما عانيناه حين كان الشطران يمثلان (قبرص الواحدة).
* هل أفهم أن ما قمتم به كان انفصالاً، وتشطيراً لقبرص الواحدة، أم إنه استقلال ذاتي اقتضته الضرورة؟
بل هو استقلال من استغلال الشطر الجنوبي، وتسلطه على كل مظاهر الحياة، والسياسة، والإدارة، إذ كان كل شيء في قبضة الشطر الجنوبي غير المسلم، في مقابل تهميش الشطر الشمالي المسلم.
* هل لاختلاف ديانتي الشطرين دور فيما كان يحدث؟
اختلاف العقيدة هو جوهر ولب القضية القبرصية.
* هل أدركتم ذلك منذ زمن؟
نعم، أدركنا ذلك منذ زمن، وكنا نتصور أن روح وعنصر المواطنة القبرصية سوف يغلب على الاختلاف، أو الخلاف العقائدي، لكننا كنا نتصور وهماً، ونعيش خيالاً، وحين جاءت ساعة الصفر من خلال الحرب فكان لزاماً علينا حسم الأمر عسكرياً، وإعلان جمهوريتنا الشمالية القبرصية التركية المستقلة المسلمة.
* هل فكرتم في هذه العزلة قبل إعلانكم استقلال جمهوريتكم؟
القضية كانت قضية مصير، فإما أن تكون أو لا تكون، وفضلنا واخترنا أن نكون، ولم يدر في أذهاننا ماذا يمكن أن يكون، أو ما يخبئه لنا المستقبل، كنا كجيش طارق بن زياد في التاريخ الإسلامي.
* هذا يعني أن الاستقلال مسؤولية كبيرة، وتضحيات وتحديات أكبر؟
دون أدنى شك، ولهذا سنتحمل كل التضحيات والتحديات، وعليكم يا عالم يا إسلامي مساعدتنا على تحمل المسؤولية.
* مثل ماذا؟
أساساً بالاعتراف كجزء منكم عالمياً، ولأصحاب الثروات البترولية مساعدتنا بتزويدنا بالبترول لبناء أنفسنا كمسلمين، لأن الشطر الجنوبي غير المسلم يتلقى كل أنواع المساعدات.
وها أنا ذا أوصل رسالة (رءوف دنكتاش) رئيس جمهورية قبرص الشمالية التركية المسلمة، رغم تأخر موعد توصيل الرسالة لعدة سنوات، رغم أنه لا جديد في القضية إلا إلى الأسوأ كما أوضحنا ذلك في بداية الموضوع.. والله المستعان.


alawi@alsafi.com
ص.ب (7967) الرياض (11472)

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved