الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

الوشميون يتهادون الشعر
د. عبدالله بن محمد الزيد

تزخر منطقة الوشم بمئات الشعراء منذ القدم وحتى الآن.. اشتهر بعضهم وغفل الزمان عن كثير منهم في زحمة المنافسة الشديدة بينهم في بيئة خلاقة متذوقة للفن الراقي من رائع البيان.. والوشم تتمركز في وسط جزيرة العرب.. تحدها القصيم من الشمال والقويعية والمزاحمية وضرماء من الجنوب وطويق وسدير من الشرق والدوادمي قاعدة العالية من الغرب.. وأهم مدن الوشم شقراء وأشيقر ومرات وثرمدا وأثيفية.. والوشم كانت حوزة لتميم في الغالب، لكن غيور الزمان فرقهم كما فرق غيرهم.. وأصبحت مأهولة ببني لام وقحطان والدواسر وأخلاط من عرب البادية الذين استوطنوا حواضرها في الأزمان المتأخرة.. وغيرهم من مزع القبائل العربية الأصيلة..
وبحسب هذه المنطقة فخراً أنها أنجبت شاعر العربية الفذ (جرير) من أثيفية وشاعرها المجلي (ذو الرمة) من مرات.. وذلك في عصر بني أمية.. وفي العصر الحاضر سعد البواردي من شقراء وحمد الحجي وإبراهيم الزيد من مرات.. وكذلك المؤرخ النسابة الشيخ عبدالرحمن بن زيد المغيري الذي وطَّأ أكناف هذا العلم للمعاصرين..
وحتى لا أبتعد عن صورة الوشامى الذين يتهادون الشعر وهو موضوع هذه المقالة، أذكر أن ذا الرمة كان يتشبب بمية من أهل مرات الغابرين وقد كلف بها كثيراً، حتى إنه خصها بحصة كبيرة من شعره.
ومن زين ما قاله فيها قوله:
ما بال عينك منها الماء منسكب
كأنه من كلى مفرية سَرِب
تزدان للعين إبهاجاً إذا سفرت
وتحرج العين فيها حين تنقلب
ديار مية إذ مي تساعفنا
ولا يرى مثلها عجم ولا عرب
لمياء في شفتيها حوة لعس
وفي اللثاث وفي اثيابها شنب
براقة الجيد واللبات واضحة
كأنها ظبية أفضى بها لبب
كحلاً في برح صفراء في نعج
كأنها فضة قد مسها ذهب
عجزاً ممكورة خمصانة قلق
عنها الوشاح وتم الجسم والقصب
والقرط في حرة الذفرى معلقة
تباعد الحبل منها فهو يضطرب
زين الثياب وإن أثوابها استلبت
على الحشية يوماً زانها السلب
تلك الفتاة التي علقتها عرضا
إن الكريم وذا الإسلام يختلب
تريك سنة وجه غير مقرفة
ملساء ليس بها خال ولا ندب
ليست بفاحشة في بيت جارتها
ولا تعاب ولا ترمى بها الريب
سافت بطيّبة العرنين مارنها
بالمسك والعنبر الهندي مختضب
هذه الأبيات لذي الرمة من قصيدة طويلة قال عنها صديقه وجاره الشاعر الفحل (جرير): (لو خرس ذو الرمة بعد قصيدته هذه لكان أشعر الناس..) ومثل هذا التعاطي في الإطراء بين شاعرين عربيين فذين في زمن مضى يجدد نفسه في تعاطٍ آخر راقٍ بين شاعرين وشميين معاصرين هما الشاعر الأستاذ عبدالرحمن العبدالكريم من شقراء والشاعر الدكتور إبراهيم الزيد.. فحين اطلع الأستاذ العبدالكريم على قصيدة الزيد التي يقول فيها.. وهي بعنوان.. ريح الخزامي:
ما في التغني بحب الدار من باس
إذا أتى الحب عن صدق وإحساس
فحبك الدار حب منك ساكنها
وحبك الأرض إيماء إلى الناس
وليس في ذاك إيماء إلى دمن
من الدوارس إني لست بالناسي
أفدي ثراك بلادي أينما وجدت
بدافق من دماء القلب والراس
ولا أبالي بما ألقاه من فتى
إذا كبحت جماح الطامع القاسي
فموطن المجد لا أرضاه ممتهناً
ولو فقدت به ترداد أنفاسي
فحبة الرمل في أرضي ولو ظمئت
أغلى من التير بل أبهى من الماس
يرح الخزامى بها يذكي مودتنا
وريق الشيح تجديد لإيناسي
ومنبت الرمت في أرضي ولو بعدت
يسري نداه بنا أشهى من الآس
فعيشة المرء في عز بموطنه
أغلى وفاء من الدنيا (بتكساس)
أستشعر الحب إن فارقت حوزتها
يلج بي هاجس يذكي لوسواس
أحب نجداً إذا هاج الصبا سحراً
كما أحب حجاز الله نبراسي
وأفتدي برعماً فوق السراة نما
يضاحك الشمس في دل ومياسي
فأهلها الصيد أهلي والكرام هموا
زكوا أصولاً وبدوا كل أجناس
حين اطلع الشاعر العبدالكريم على قصيدة ريح الخزامى هذه عارضها بقصيدته ريح الروض التي يقول فيها:
ذو الخرد البيض سهل غير مشكاس
في القدر يفضل عباس بن مرداس..
يا صانع الحس شعرا من جوانحه
بكا غد يتهادى عبر قرطاس
لا فض فوك ولا المختار ما نفحت
ريح الخزامى ندياً خير نبراس
تحية من بطاح الوشم أرسلها
منها ومن ساكنيها بعد أرماس
أزفها من ربى شقرا معطرة
بالشيح بالرمث بل روض وبسباس
ألوى بنا الدهر كل في متاهته
للرزق يسعى بنشاب وأقواس
إني وأنت كمن شدا إلى قرن
للغوص في لجنة من دون مرجاس
لا فخر أن تفتخر إلا بمكرمة..
تريش ملتجئاً ذلاً إلى الناس
نشرت في جريدة الندوة - الثلاثاء 14-6- 1413هـ العدد 10227
إن الشاعرين الزيد والعبدالكريم لم يلتقيا فيما أعرف على غير ما كان عليه أمر الصديقين جرير وذي الرمة، لكنه لقاء الروح والمشاعر والرسالة الواحدة لشاعرين يبثان من وجدانهما أصدق المشاعر والأحاسيس لوطن هو وطنهم ولأمة علمت الدنيا معاني الصدق والحب والوفاء.
عن (بشار) أحد مصائف عسير الرائعة يقول:
إن قصائد الدكتور إبراهيم التي تستحق التأمل والوقوف عندها لأخذ عبرة أو حتى للاستمتاع بالصور اللونية المدهشة التي تبهر القارئ بتناغمها وبخفة الإيقاع في جنباتها وألفاظها المتدفقة بالمعاني وسلاسة الأداء البياني المعتمد على اقتناص الصور بكل دقة وعناية لكثيرة يصعب حصرها.. لكنني أدعو كل مستزيد للعودة إلى دواوينه المطبوعة.. أو ما قد يطبع في وقت لاحق من قصائده المطوية التي آمل أن ترى النور قريباً.. مع رجاء أن تتبنى إحدى أندية الأدب في بلادنا إصدار مجموعته الشعرية في مدونة واحدة تسهل على عشاق الأدب والدراسات النقدية العودة إليها في سهولة ويسر.. مع الدعاء إلى الله سبحانه أن يمن عليه بمزيد الصحة وطول العمر آمين.

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved