الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

الزميل الدكتور إبراهيم الزيد
راشد الحمدان

كان اللقاء عام (1373هـ) في الطائف طلاباً في دار التوحيد.. أعظم مدرسة متوسطة وثانوية.. قدمت لهذه البلاد العظيمة.. قادة التعليم والقضاء، وتعرفت على الدكتور إبراهيم الزيد في تلك السنة هو ومجموعة من الزملاء من مختلف قرى نجد، وكان يكبرني قليلاً على ما اعتقد.. يتمتع برزانة عجيبة، وتوازن أخلاقي رائع فلا هو بالمسرف في المداعبة ولا هو بالمسرف في خنقها، صاحب مروءة متناهية، وعاء معرفة وعلم.. كأنما هيئ لتلقف المعرفة والعلم.. قامت بيني وبينه وإخوته ووالدهم - رحمه الله - علاقة مودة حميمة كأنما هم أهلي، وكأنما بذرات أطلت برؤوسها في عقلينا قطافها أدب وشعر رغم صغر سننا.. أصدرت وإياه جريدة حائطية ونحن في القسم الداخلي بدار التوحيد سميناها (العَلَم) كان لنا منافسون فكنا نجدها أحياناً محطمة ومرمية من الحائط الذي تعلق فيه في (السيب) الطويل (للمهجع) لكننا كنا نعيد ترتيبها مرة أخرى، ونمت صداقتنا لتجتمع مع الزمالة ولتكوِّن شخصيتين متحابتين متفقتين منهجاً في كسب العلم والمعارف.
كان بيت (الزيد) بيت علم ومعرفة من الأساس.. والده من أولئك العصاميين الذين جاهدوا من أجل كسب عيش كريم، ويبدو لي أنه من الذين طوّفوا في مختلف البلدان من أجل البحث عن العمل، وقد عرفت ذلك عندما كان يتكلم لنا بضع كلمات فارسية قلت لعله من أهل نجد الذين رحلوا من قراهم نحو (الكويت، وإيران، والعراق، ومصر، الشام) طلباً للرزق، وكانت هذه صفة شائعة لدى أهل نجد ثم استقر به المقام مع أولاده في الطائف ومكة.. حتى وافاه الأجل (رحمه الله).
نشأنا زميلين في دار التوحيد وتعلمنا من علومها ومعارفها الغنية ثم تركناها إلى مكة المكرمة، حيث أول كلية للشريعة في المملكة؛ وأنهينا تعليمنا الجامعي عام (81 - 82هـ) وفرقنا العمل وفي عام (1386هـ) أمرنا الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وزير المعارف آنذاك أنا وزميلي الدكتور إبراهيم الزيد بالتوجه إلى أبها لإنشاء أول مركز لرعاية الشباب هناك، وكانت أبها ما زالت في بداية التحديث، وكنا نسكن في بيت ليس به كهرباء وقضينا خمسين يوما هناك ننشر المعرفة بين أبناء أبها في صور مختلفة، وبعدها رجعنا حيث توجّه كل واحد لعمله الرسمي، ولم يقف طموحه - عافاه الله - عند التعليم الجامعي بل تعداه إلى الدراسات العليا حيث أكمل ذلك في بريطانيا ونال شهادة (الدكتوراه) وتبعه إخوانه عبد الله، وعبد العزيز ثم رشح ليعمل في إمارة الباحة كوكيل للأمير ثم قام أخيراً بأعمال الإمارة لما عرف عنه من رزانة وفراسة في الرأي، اكتسب ذلك من ولعه بدراسة تاريخ القبائل والشعوب ثم عاد للتعليم ليعمل في جامعة الملك عبد العزيز أستاذا للتاريخ.
وأتذكر أننا عندما عدنا من (أبها) بعد انتهاء مهمتنا في إنشاء المركز الصيفي لرعاية الشباب نشر الزميل إبراهيم الزيد - شفاه الله - هذه القصيدة في جريدة المدينة حيث أهداها إليّ بعنوان (لواعج الذكرى) يقول فيها:
تذكرت والذكرى تثير لواعجي
وقد سبحت عيناي في الأفق الأعلى
وخلت كأن الأمس ذيّاك حاضر
وأنجمه اللاتي تداعينا قبلا
إذا افتر ثغر الصبح يوماً ذكرته
وإن مرَّ.. نسم تخيلته هلاَّ
وإن لاح في الأجواء طير حسبته
وقد راح يشدو من ترانيمه تتلى
وإن مال غصن أو تدلى (بلوزه)
تلفتُ حوالي مثل من تاه أو ضلا
ولو أن واد قد عبرناه ضحوة
يحدثنا.. صخراً قطعناه أو رملا
لقال مقالاً تعرف (البئر) صدقه
بأنا هنا سراً دفناه لن يبلى
وأنَّ هنا ماض عبرناه رائعاً
فسل دارهم فالدار من فقده خجلى
وزهرة عمرٍ ما نعمنا بمثلها
تبادلنا حباً.. وإطلالة عجلى
تقول وقد ألويت بالدار عابراً
رجعتم إلينا بعد يأس فيا أهلا
ولولا حياء قد تبدّى بوجهها
لهاجت بكاءً مثل من ودّع الأهلا
فقلت الهويني قد أثرت عواطفي
بعينيك - قالت أنت في عيننا أغلى
وقد أجبته (أعاده الله إلينا سالماً معافى) بقصيدة قلت فيها:
أهجت الذكريات السالفات
وأيقظت المشاعر من سناها
وأرجعت القديم وفي فؤادي
جراح لونت فكري.. دماها
وعادت (للهوى) نفس تعزت
وذاب الصبر من شوق براها
تلذ بعيشها فيه وفاءً
ولو كان (الهوى) فيه رداها
رعى الله (الجنوب) وساكنيه
وأودية تنسمنا شفاها
وعجنا بالديار فلم نلاقي
سوى ربع كرام في حماها
أتيناهم فنادى الكل مرحى
وكان (الوعل) سباقاً ضباها
ووادٍ مخصب السفحين ناغى
شحاريراً تناغت في سماها
وأرض تلقف الآتي إليها
وتطعمه المحبة في رباها
فيألفها لحسن تاه فيها
وكيف له بأن ينسى رؤاها
(أبا خالد) خطانا قد مشينا
ومن كتبت عليه خطاه) مشاها
كان - عافاه الله - صاحب جهد في البحث.. وكان شاعراً فعلاً.. وصدر له بعض الدواوين الشعرية وبحوث تعتبر مرجعاً مهماً في الأنساب، وجذور القبائل.
زميلي أبو خالد - عافاه الله - كان رمزاً ذا تأثير في النشاط الأدبي في دار التوحيد، وفي الكلية أصيب أخيراً بالمرض في أوتاره الصوتية.. ولم يجدوا له علاجاً هنا.. فتفضل أولو الأمر - حفظهم الله - بإرساله إلى أمريكا وله الآن حوالي السنتين هنالك.. أرجو له الشفاء، وأن يقر الله عيون أسرته وأولاده وأحبته بعودته سالماً وبأتم خير وعافية.

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved