الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

الزيد قدوة لطلابه وأقاربه
موسى بن محمد السليم*

لا غرابة من كون سعادة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد الزيد (شفاه الله وعافاه) عاشقاً للطائف، محباً لأهله، ومغرماً بوديانه وجباله، وحريصاً على تاريخه وآثاره.. فها هم نخبة من مسؤولي ومثقفي الطائف يبادلونه حباً بحب ووفاء بوفاء، فيحرص أحد أبرز مثقفي الطائف الأخيار ومؤرخيها الأبرار الأستاذ حمَّاد السالمي على إصدار هذا الملف الثقافي عن سيرة وعطاء أستاذنا وأديبنا ومؤرخنا وشاعرنا الأستاذ الدكتور إبراهيم الزيد، ويبذل جهده المشكور في التنسيق مع مثقف جريدة الجزيرة الغرّاء وأديبها اللاّمع الأستاذ إبراهيم التركي على إنجاز هذا العدد من المجلة الثقافية عنه.
فلهما ولكل من ساهم بمشاعره ووفائه من أقارب ومحبي الدكتور الزيد كل شكر وامتنان على هذا الوفاء والعرفان.
فالدكتور إبراهيم الزيد (شفاه الله وأعاده إلى أهله وبلاده سالماً معافى) من الذين يستحقون الوفاء والعرفان، لأنه لم يكن في كل عطاءاته الاجتماعية والرسمية والثقافية مجاملاً ولا مقصِّراً، وأنا واحد من أقاربه أعتز بأنه كان ولا يزال في أعماقي أكثر وأجلّ من أعتبره بحق أخاً كبيراً منذ طفولتي حتى الآن، بل كان القدوة لي ولإخوته وأبناء عمومته، كما هو القدوة للكثير من طلابه في الحرص على الاستفادة من قنوات المعرفة المقروءة والمسموعة آنذاك، وعدم إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه أو منه، ويؤكد لنا في كل مناسبة أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وكان يحثنا خصوصاً أنا وشقيقه توأم روحي، (العميد عبد الرحمن بن محمد الزيد - رحمه الله -) على الاهتمام بدراستنا والاستفادة من أوقاتنا ويعنِّفنا، بل يعاقبنا إذا ما أهملنا وتركنا مذكراتنا.
كان سعادته قريباً باراً، ومربياً فاضلاً، وأديباً متمكِّناً، وشاعراً متميّزاً.. وكان من الروَّاد الأُول في مسيرة التربية والتعليم، الذين تقلَّدوا المسؤوليات الإدارية ذات العلاقة بتوجيه الشباب ورعايتهم، والحرص على صقل مواهبهم وتنمية قدراتهم، فهو من أول الذين كُلِّفوا بإدارة مراكز رعاية الشباب الصيفية في الطائف، حيث تمَّ اختياره (شخصياً) من قِبل معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ (وزير المعارف آنذاك) - تغمَّده الله برحمته -)، وأتذكَّر أنني وشقيقه عبد الرحمن (رحمه الله)، وأخي وصديقي العزيز الأستاذ أحمد محمد الوافي (سلَّمه الله)، تشرفنا بزيارة له في أبها أثناء صيف العام الدراسي (84-1385هـ)، وكنت وقتها متخرِّجاً من الثانوية العامة، فوجدنا ذلك المركز الصيفي الذي يقوم (أمدَّ الله في عمره) بإدارته نموذجاً يُحتذى في إعطاء الفرص الثقافية والرياضية والكشفية والفنية لأبناء أبها الأحبة برؤية إدارية تربوية حديثة، وقد أغرتني ورفاق سفري أجواء النشاط الحيوية في ذلك المركز، وشاركنا بفعالية كل حسب ميوله وهوايته، وكسبنا في ذلك العام التعرُّف على عدد من شباب أبها الأخيار، وأتذكَّر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر سعادة الأخ الدكتور محمد بن حسن الصايغ، وكيل وزارة التربية والتعليم لمعاهد المعلمين، وسعادة الأخ الأستاذ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ، مستشار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وكُنَّا حينها قد جئنا للزيارة لمدة أسبوع، فمكثنا شهراً كاملاً لما لقيناه في روح مضيفنا (حفظه الله) وشباب المركز (وفقهم الله) من حفاوة وتكريم، وما وجدناه في برامج الأنشطة من فعاليات معطاءة، مما جعلنا نشارك بمحبة في فقرات الحفل الختامي.
كان الدكتور إبراهيم الزيد قدوة تُحتذى لكل أقاربه في شغفه بالقراءة في كافة المجالات والبحث عن المعرفة، وبخاصة في علوم الشعر والأدب والتاريخ منذ كان طالباً بمدرسة دار التوحيد في الطائف التي تخرَّج منها عام (77-1378هـ)، وكان من القامات الأدبية العالية في الشعر والإلقاء في النادي الأدبي لدار التوحيد، الذي توارثته أجيال الدار بكل اهتمام وحسن عطاء منذ عام (1366هـ حتى عام 1389هـ)، حيث كان منتدى أدبيّاً أسبوعيّاً، ثم شهريّاً، ثم فصليّاً في سنواته الأخيرة.. يُشارك فيه طلاب الدار بمناظراتهم الأدبية وحواراتهم الفكرية وإبداعاتهم الشعرية، وكان يعقد أغلب حفلاته تحت رعاية معالي الشيخ الوالد عبد العزيز بن معمَّر (أمير الطائف سابقاً) - رحمه الله - ثم برعاية مديري التعليم الذين تعاقبوا على إدارة تعليم الطائف، وبالمناسبة فإنني أجد هذه الإشارة إلى مدرسة دار التوحيد مناسبة للتوجُّه بخالص الشكر لمعالي وزير التربية والتعليم الشيخ الدكتور عبد الله العبيد ومعالي نائبه لتعليم البنين الدكتور سعيد المليص وسعادة الأخ الدكتور محمد أبو راس مدير عام تعليم الطائف، على جميل اهتمامهم بموضوع إنشاء جمعية لخريجي مدرسة دار التوحيد، وأرجو منهم باسم جميع الزملاء من أصحاب المعالي وأصحاب الفضيلة والسعادة خريجي هذه المدرسة الشامخة ذكراً وعطاءً وفخراً أن يتفضَّلوا بسرعة الموافقة على إنشاء هذه الجمعية واللائحة الخاصة بها خلال هذا الفصل الأول من العام (1427هـ) إن شاء الله.
نعم إنني واحد من أقارب سعادة الأستاذ الدكتور إبراهيم الزيد، الذين اتخذوا منه قدوة لهم في البحث والاطلاع، ومثالاً يُحتذى في الشعر والإلقاء.. وما زلت أتذكَّر أول قصيدة حاولت أن أُحاكيه في طريقة إلقائها، وكانت بمناسبة الاحتفال باستقلال الجزائر، الذي أقامته إمارة منطقة مكة المكرمة - آنذاك - وحضره معالي وكيل الإمارة - وقتها - الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم عام 1382هـ، الذي أصبح الدكتور الزيد فيما بعد وكيلاً له في إمارة منطقة الباحة 1405-1409هـ وكان معاليه - رحمه الله - مدعوّاً للعشاء عند والدي - تغمَّده الله برحمته - في مكة المكرمة بعد الحفل بحوالي أربعة أيام، وطلب معاليه من الدكتور إبراهيم الزيد إعادة قراءتها، إلاّ أن صوته الذي بُحَّ بعد تفاعله في الإلقاء يوم الحفل لم يساعده على ذلك فرأى (شفاه الله) أن أقوم بإلقائها، وكنت وقتها في المرحلة المتوسطة، فحاولت أن أُطبق طريقته في التفاعُّل والإلقاء، وأعتقد أنني حزت على بعض الرضا من الموجودين، وأتذكَّر من تلك القصيدة أبياتاً، أعتبرها شعاع فخر للأمة العربية، وتعبيراً عن تماسُّكها ووحدة مواقفها - آنذاك - وفيها مبادىء عروبية عظيمة كانت موضع الفخر والاعتزاز ممن استمع إليها من الدكتور الزيد في ذلك الحفل وعبر إذاعة المملكة، ومنها على ما أذكر:
النصر أقبل يا جزائر
الفجر شعشع بالبشائر
النور أشرق في الدنا
فأماط داجية الستائر
وأطل من خلف اللهيب
على البوادي والحواضر
فجر جديد مشرق
عهد جديد من مفاخر
اليوم عرس في الوجود
اليوم نصرك يا جزائر
فمواكب الأفراح تهزج
بالنشيد.. وكل ظافر
الشعب حطّم قيده
وأبى يكون من الأصاغر
الشعب داس عدوّه
ورمى الغشاء عن البصائر
رفعوا المشاعل من لظى
موت يهدّد كل غادر
الموت للأعداء طرّاً
والحياة لكل (ثائر)
سبعون شهراً في الكفاح
ونحن نصمد أو نصابر
جيلاً قويّاً راسخاً
بالموت بالأعداء ساخر
ومواكب الشهداء سارت
للخلود إلى المقابر
أبت الحياة بذلة
وبموطن يحميه غادر
هذي شمائل يعرب
وهتاف عزم بالحناجر
إما الحياة بعزة
وتحرّر من كل جائر
أو موت أحرار أباة
من أجل نصرك يا جزائر
لقد كتب هذه القصيدة (شفاه الله) وهو في بداية دراسته بكلية الشريعة بمكة المكرمة، وبعد تخرُّجه من الجامعة عمل مدرساً في ثقيف الثانوية بالطائف، ثم مديراً لرعاية الشباب بتعليم الطائف، وشارك في تأسيس النادي الأدبي فيها وقد نُشر له بعض من دواوينه الشعرية (المحراب المهجور - أغنية الشمس - جراح الليل).
ثم أُعير لإمارة منطقة عسير حين تولى إمارتها صاحب السمو الملكي الأمير المبدع خالد الفيصل، حيث عمل رئيساً لديوان الإمارة لمدة عامين.. وبعدها ابتعث لبريطانيا، حيث أكمل الماجستير والدكتوراه.. وكان شغوفاً (عافاه الله من كل شر) بالبحث العميق في المخطوطات التاريخية، ولعل من أهم إنجازاته في هذا المجال تحقيقه لكتاب المنتخب في ذكر أنساب قبائل العرب من تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حمد بن زيد المغيري (رحمه الله).
وبعد حصوله على الدكتوراه عمل أستاذاً مساعداً في قسم التاريخ بجامعة أم القرى، ثم تمَّ اختياره من المقام السامي وكيلاً لإمارة منطقة الباحة بناءً على ترشيح من معالي أميرها آنذاك الشيخ إبراهيم آل إبراهيم (رحمه الله).. وقد أصبح اهتمامه بعد حصوله على الدكتوراه بالبحث في مجال التاريخ والمخطوطات أكثر من اهتمامه بالشعر، ولعل شقيقه سعادة الأخ الكبير الدكتور عبد الله بن محمد الزيد، وسعادة الأخ العزيز الدكتور فهد السماري أمين عام دارة الملك عبد العزيز (وفقه الله) أكثر معرفة منِّي باهتماماته التاريخية والتوثيقية.
ولا يسعني في ختام هذه العجالة عن شاعرنا وأديبنا ومؤرخنا وأستاذنا الجليل الأخ الكبير الدكتور إبراهيم الزيد إلا أن أرفع باسم جميع أقاربه وطلابه ومحبيه إلى مقام سيدي صاحب السمو الملكي محب العلم والعلماء وراعي التاريخ والمؤرخين الأمير الجليل سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض أسمى آيات الشكر والامتنان على ما تفضَّل به من كريم الرعاية والاهتمام بمعالجة أستاذنا الزيد على حساب الدولة (رعاها الله) في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد اضطرته ظروفه الصحية الحرجة للاستمرار في العلاج بها منذ أكثر من عشرين شهراً.. سائلاً الله العلي القدير أن يجزي سمو أميرنا الجليل عنا بخير الجزاء في الدنيا والآخرة، وأن ينعم عز وجل على شاعرنا ومربينا الدكتور إبراهيم الزيد بالشفاء العاجل، وأن يسبغ عليه أثواب الصحة والعافية، ويعيده إلينا بأتم خير، وأن يعين زوجته سيدتي الخالة (أم خالد) وأنجاله الأحبّة خالد، وأسامة، ومحمد، ويحفظهم من كل شر ومكروه.. إنه سميع مجيب.


*المستشار والمشرف العام على مكتب وزير التعليم العالي (سابقاً)

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved