الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

حين حلقت اليمامة
سعد البازعي

في أسبوع واحد استطاعت كلية ناشئة أن تفعل ما لا تفعله المؤسسات الجامعية العريقة في حياتنا الثقافية. استطاعت كلية اليمامة التي لا يزيد عمرها عن سنتين أو ثلاث لا أن تقيم نشاطاً ثقافياً فحسب وإنما أن تفعل ما لا تفعله الجامعات السعودية، بل ما لم تعد تحرص على عمله في السنوات الأخيرة، على الرغم مما لديها من الإمكانيات المادية والبشرية. فعلت اليمامة ما اعتدنا أن نجده في أيام الجنادرية المتوهجة، حين كانت الجنادرية (جنادرية)، ذلك الاسم الذي عرفه الجمهور والمثقفون السعوديون والعرب، بل وغير العرب، ذات يوم. في أيام معدودة تجمع المثقفون السعوديون مع إخوانهم العرب ليسهموا في نشاط ثقافي وفكري مميز. وكانت العلامة الفارقة بشكل واضح هي حضور أسماء لم يعتد الناس حضورها، وتكريس ألوان من النشاط ما تزال بحاجة إلى تكريس، فاجتمع بذلك الأدب إلى الفنون التشكيلية إلى المسرح إلى الفكر.
إحدى السمات المميزة للنشاط الذي قامت به اليمامة هو أنه لم يتم في مؤسسة ثقافية يتوقع منها أن تنهض بذلك النشاط، أي في ناد أدبي أو جمعية ثقافة أو مركز ثقافي. ذلك أن قيام النشاط في كلية جامعية كان معناه حضور النشء الجديد، الشبان الذين لا يتوقع منهم أن يحضروا نشاطاً ثقافياً في مؤسسات الثقافة. لم يكن أولئك ليأتوا فجاءت الثقافة إليهم. لم يكونوا يعرفون عدداً من صناع الثقافة والفكر فجيء بأولئك إليهم ليعرفوهم، وأهم من ذلك ليعرفوا نتاجهم.
وكان مما ميز النشاط الثقافي في الكلية أيضاً، وإن كان التميز هنا تميزاً مخلوطاً ببعض علامات التعجب، هو أنه نشاط تم في كلية ليست الآداب والفنون، التي تشكل روح الثقافة، من صلب اهتماماتها. فالكلية كما هو معروف تقدم نفسها للمجتمع بوصفها كلية ذات بعد براغماتي أو عملي، كلية تقدم التخصصات ذات المردود النفعي العام: الحاسب، المحاسبة، اللغات، إدارة الأعمال، إلى غير ذلك. بل إن الكلية تعتمد اللغة الإنجليزية لغة للتعليم. وإذا كان خيار الكلية على هذا النحو، فقد يكون خياراً له ما يبرره في حياتنا العملية التي لم تعد تجد متسعاً للعلوم الاجتماعية والإنسانية وما إليها مما يعده أصحاب المال والأعمال، بل ما باتت تعده الدولة نفسها إلى حد كبير، مضيعة للوقت. أما اللغة الإنجليزية فهي التي سيصعب تبريرها بالقوة نفسها.
فلماذا إذاً هذا الاهتمام الخارج عن صلب اهتمامات الكلية؟
هل هي حملة علاقات عامة من كلية تحاول إثبات حضورها في المجتمع؟
أم هل هو نوع من تأنيب الضمير من القائمين على الكلية لإهمالها جانباً من ثقافة المجتمع؟
أم أنه حب الثقافة لا أقل ولا أكثر؟
أعلم أن هناك ساخرين سيأخذون بالسبب الأول فقط، ومع أني أعتقد أن المسألة ليست مجرد دعم للثقافة، فإن التحليل الأخير في تقديري سيأخذ بهذه الأسباب مجتمعة. فمن حق الكلية أن تعلن عن حضورها في المجتمع وأن تسعى إلى تكريس ذلك الحضور بالشكل الذي تراه مناسباً. لكن أليس مما يلفت النظر بل ويستثير الإعجاب أن يأتي الإعلان على هذه الشاكلة، شاكلة الثقافة والطرح الجاد وتغذية المجتمع بما هو مميز وعميق وجميل؟ أليس الحق هو أن يقال (العبرة بالخواتيم)، أن النتائج هي الأهم؟ ولأن النتائج جيدة فإن الدوافع لا بد أن تكون جيدة. ألم يكن بإمكان الكلية أن تحقق الحضور الإعلامي بنشاط مغاير، بأسماء ليس لها من القيمة الثقافية ما لتلك التي دعيت؟ ألم يكن بإمكانها أن تملأ المكان بنجوم الكرة والغناء والشعر الشعبي؟ أولئك الذين يأخذون من الحضور الإعلامي والمردود المادي والتقدير الشعبي أكثر بكثير مما يستحقون، أو يستحق بعضهم.
إن ما أنجزته كلية اليمامة جدير بالتقدير، ومن حق القائمين عليها، وفي طليعتهم رجل الأعمال، الشيخ الخضير، وعميدها الدكتور أحمد العيسى، العقل المفكر وراء الكلية وأنشطتها، أن يهنؤوا على ما قدموا. وكل ما أتمناه شخصياً من الكلية هو أن تواصل المسير غير عابئة بالعوائق التي يضعها المتشددون وذوو الأفق الضيق، وأن تتوسع ليس في أنشطتها الثقافية فحسب وإنما أن تراجع سياستها فتفسح مجالاً لبعض العلوم الإنسانية والاجتماعية ولو على مستويات عليا، بل وأن تضع في خططها أن تدعم أنشطة ثقافية مثل البحث العلمي والترجمة.
فتحية لليمامة إذ تحلق ولتواصل التحليق.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved