الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

كيف تقرأ النخب المثقفة التحولات المجتمعية؟ «6-6»
أكدت على أن القدرات الوطنية مؤهلة لصناعة مستقبل حضاري مميز
بدرية البشر: لا توجد (خصوصية) للمجتمع السعودي والعرب في طريقهم للانقراض
* حوار - عبدالله السمطي:
تتكوكب التحولات التي يشهدها المجتمع السعودي اليوم حول جملة من الآفاق التي يتسنى لها تشكيل نوع من الوعي الجديد بالرؤى والأشياء والأفكار، هذا الوعي الذي يفضي إلى تكوين أنساق جديدة مغايرة على مستوى الإنسان، ومستوى الأفكار، وهو الأمر الذي يعيشه المجتمع السعودي الآن بكل صخبه، وسهوله، ومفازاته.
ثمة تحولات بادية للعيان تفجرت في السنوات الخمس الأخيرة، أسهمت في تحفيز الفكرة على التكوين والانبثاق وتحكيكها عبر الواقع بتنفيذ آلياتها.. لقد أصبح هناك حوار وطني، وهيئة لحقوق الإنسان، ودمج التعليم، وأصبحت قضايا المرأة محل بحث وتجديد، وأعطيت لها بطاقة هوية خاصة، ومساحة أكبر للمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني، وجرت انتخابات بلدية، كل هذه التحولات التي جرت في فترة زمنية وجيزة أحدثت حراكا ملحوظا بالمجتمع السعودي.. ترى كيف يقرأ المثقفون هذه التحولات.. في هذه الحلقات آراء متعددة، وقراءات متآلفة ومتخالفة، لكنها تمثل نسيجا رؤيويا للحظة الثقافية والحضارية المتحولة التي يعبرها المجتمع السعودي.
في أجرأ حوار تتحدث فيه أديبة وكاتبة سعودية، هذا الحوار الذي تتناول فيه الكاتبة الدكتورة بدرية البشر أثر التحولات والمتغيرات التي جرت في السنوات الأخيرة في المجتمع السعودي، وهي تقرأ بشكل موضوعي ثقافي ما حدث من تحولات في مجتمع أصبح مواطنوه (أكبر مستهلك للتكنولوجيا) كما تعبر البشر، وهي ترى أن ثمة تغييرات مبشرة تتمثل في (ظهور مشروع الحوار الوطني وجمعية لحقوق الإنسان، والانتخابات البلدية. ومنح الصحف حداً أعلى من هامش الحرية في طرح قضايا مجتمعية لم تكن مألوفة مثل قيادة المرأة للسيارة ومشروعية الاختلاط، ودفع مشاركة المرأة في المجتمع، محاربة الفساد ونقد المؤسسات الحكومية وعمل الوزارات بما فيهم الوزراء)، وتنتقد بدرية البشر تيار الإسلام الأصولي المتشدد الذي يقف ضد التحديث، وتدعو إلى منح المرأة حقوقها الكاملة خصوصا فيما يتعلق ب(الأحوال الشخصية)
* شهدت المملكة في السنوات الأخيرة جملة من التحولات والإصلاحات المدنية.. (الحوار الوطني - حقوق الإنسان - الانتخابات البلدية مثلاً) هل انعكست هذه التحولات على ثقافة المجتمع السعودي أم ما زالت في طور التمثل والاستيعاب؟
المجتمع العربي السعودي مثله مثل كل المجتمعات في العالم يعيش وسط تيار عالمي متغير، سواء بفعل دوره الاقتصادي كأكبر احتياط عالمي للبترول، أو بسبب دوره المهم في علاقات الشرق الأوسط، وثقله السياسي العربي والخليجي، إضافة إلى أن المجتمع السعودي بسبب طفراته النفطية وارتفاع مستوى دخل الفرد فيه جعل من مواطنيه أكبر مستهلك للتكنولوجيا، كل هذه الأسباب تجعل من مجتمع العربية السعودية مجتمعاً غير بعيد عن مد وجذب التغيير والممانعة إذا ما كانت هناك قوى مناهضة لهذا التغيير.
لا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي الطوفان الذي غيّر وجه العالم بدءاً من أكبر قوة عالمية جعلت محاربة الإرهاب المشروع الأول على قائمة أولويات التغيير، وانتهاء بهزيمة طالبان الذي كان يريد أن يعيد بلاده لقرون الوسطى مروراً بهتلر العصر الجديد صدام الذي يريد أن يشن حروب الضم البسماركية. هذه الظروف العاصفة مارست بدورها ضغطاً على المجتمع السعودي الذي كان لا بد له أن يتجاوب مع المطالب سواء الخارجية التي تحاول أن تدفع بمشروع الديمقراطية في المنطقة العربية، أو المطالبات الداخلية للقوى المنفتحة الواعية التي ترى أن مجتمعها لا بد وأن يواكب العصر ومتغيراته وتحديث مؤسساته وآلية النظم الفاعلة داخلها والتي حملت عناوين مثل الإصلاح والديمقراطية وتمكين المرأة من حقوقها والمطالبة بحد أعلى من الحريات ونشر المعرفة عبر وسائل حرة ومستقلة.
جاءت الاستجابة لهذه المتغيرات بمحاولة متواضعة من برامج كمجالس الانتخابات البلدية محدودة التأثير وجمعية حقوق للإنسان غير منتخبه، وحوار وطني ينظمه مركز حكومي وليس مؤسسات مدنية مستقلة هذا الخطوات جاءت ضمن مشروع حكومي يؤمن بأن التدرج ضروري ومفيد في تأهيل المجتمع نحو برامج التحديث والديمقراطية بل هو الوسيلة الفعالة لنجاح هذه التجربة فظهر مشروع الحوار الوطني وجمعية لحقوق الإنسان، والانتخابات البلدية.
ومنح الصحف حداً أعلى من هامش الحرية في طرح قضايا مجتمعية لم تكن مألوفة مثل قيادة المرأة للسيارة ومشروعية الاختلاط، ودفع مشاركة المرأة في المجتمع، محاربة الفساد ونقد المؤسسات الحكومية وعمل الوزارات بما فيهم الوزراء.
*هل أثر ذلك في ثقافة الشعب؟
.. نعم أثر بطرفيه الفاعلين عبر تيارين لا ثالث لهما التيار الأول هو التيار الذي يسمي نفسه إسلامياً ويسميه البعض تيار الإسلام السياسي والذي يتمسك في طروحاته برفض كل مشروع تحديث أو تطوير أو تغيير وربط هذه العملية بمشروع المؤامرة على الإسلام والمسلمين وتهديد الهوية الإسلامية وخدشاً للخصوصية والذي بلغ من حدة طرحه في فترة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى تكفير كل مخالفيهم وحجب طروحاتهم والتسيد عليهم بإرهابهم فكرياً ومحاربتهم عبر وسائل وآليات ظلت تحت سيطرتهم حتى وقت قريب والتيار الثاني هو التيار المنفتح نحو التغيير والذي يبالغ لدينا البعض بوصفه تياراً ليبرالياً والذي أجد أنا شخصياً أن مطالباته لا تختلف عن مطالبات تيار اجتماعي منفتح متمسك بالإسلام يتشابه فيها مع التيارات الإسلامية المنفتحة في مصر والسودان وسوريا مثلا.
هذه المطالبات أو محاولات التغيير أثارت جدلاً في ثقافة المجتمع السعودي بين معارض لها ومؤكد عليها، وما أثير حولها من أدبيات وطروحات ونقاشات نجحت في شد المواطن ليكون طرفاً في هذا الحوار ومتلقياً، مستمعاً أو مشاهداً أو متجاوباً، فمنهم من تبع هذا الفكر ومنهم من تبع ذاك، هذه الأدبيات المطروحة على السطح لا يمكن أن تحدث نوعاً من التغيير السريع الذي يمكن الحكم عليه الآن، لكن يمكن القول انها نبشت تراب هذه الثقافة وعرضتها لشمس التفكير، وهيأتها لقبول بذور المرحلة القادمة.
هذه التحولات نتجت بشكل مباشر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وبشكل سريع.. هل كانت هذه التحولات كامنة بالقوة لدى المجتمع السعودي وكانت تنتظر الفعل أو الحدث لخروجها؟ بدون شك أن كل تغير في المجتمع هو كامن فيه، خاصة أن سمة التغير الاجتماعي هو تغير بطئ ينمو تحت السطح غالباً، قوة أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتساع الصدى الحاد لها والتداعيات الهائلة لها، غيّرت وجه العالم سواء بواسطة الدبابة العسكرية، أو بواسطة العلاقات الدبلوماسية، إلا أننا لا يمكن أن نقول بأن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر هو شيء سقط علينا من السماء ولا نتحمل مسؤوليته.
فأحداث الحرم المكي الشريف عام 1400هجرية أشارت لنمو تيار فكري متأسلم تتصاعد حدته بين جنبات البلاد العربية وتتنقل عدواه وينشر أدبياته التكفيرية ومفاهيمه كالحاكمية الإسلامية والثورة الإسلامية، عبر مدارس يغالي كل منها على طريقته، ووصولاً لأحداث حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت عرف المجتمع السعودي سطوة التيار الأصولي المتشدد الذي شن حروبه على رؤى التحديث السياسية والثقافية والأدبية والذي استغل اضطراب المنطقة للتعبير عن أن شعاراته الإسلامية في ظاهرها السياسية في باطنها هذا التيار استطاع اختطاف كل وسائل الثقافة والتعليم والوعظ الديني عبر المجتمع وسيطر عليها.
بعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر والشعور بقسوة ما حدث ظهر تياران: تيار إنكاري متنصل من المسؤولية وتيار واقعي قبل أن يتحمل مسؤولية ما حدث والعمل على إصلاحه، ورفض البقاء في كمون وصمت تجاه مناهضي قوى التغيير، فالبقاء حيث تكون لا يعني بعد فترة من الزمن المتقدم بعيداً عنك سوى أنك تتأخر.
القرار السياسي وظروف المرحلة السياسية المتغيرة من حولنا هي التي دفعت بهذا التغيير واختارت أن تتماشى مع السياسة الجديدة مفضلة عليها الانقراض أو الموت.
* شاركت في عدد من اللقاءات الوطنية الحوارية.. ما هي أبرز الأفكار والأسئلة التي خرجت بها من هذه اللقاءات؟
اللقاء الوطني هو تجربة بدون شك مهمة في المرحلة الحالية، ومن أهميته اليوم أنه منح الفرصة للكشف عن وجود تيار منفتح وطني مخلص يمثل قطاعاً كبيراً ظننا فيما مضى أنه تيار ضعيف ومحدود، وأهميته تكمن في كونه مشروعاً يثير الأسئلة ويرغب في تجاوز أخطاء المرحلة السابقة، والتفكير بواقعية في المستقبل. لكن لا تنسى أن مشروع الحوار الوطني قد مر بفترة كان معزولاً عن الشارع ومكتفياً بأعضائه الخمسين أو الستين مما جعل فائدته محدودة وضئيلة، لكنه في تجربته الخامسة تقدم نحو وضع هذا الحوار تحت ضوء البث المباشر ليدخل كل منزل وليستمع إليه كل من يتوق للمشاركة الوطنية في هذا الحوار الوطني وأن يتفاعل معه سواء بجعله حديثاً مستمراً في المجالس الخاصة أو بالتعليق عليه بالصحف أو التجاوب مع أعضائه شخصياً ودعمهم.
ولكن مشروع الحوار الوطني بشكله الحالي وحده ليس كافياً، فمشروع الحوار الوطني الذي يضع تجربته موضع الدرس والنقد -وهذا ما يجعلنا نعلق عليه الآمال- يجب أن يخرج عن كونه مؤسسة حكومية تختار أعضاء الحوار وموضوعاته، وعليه أن يتحول إلى مؤسسة مدنية تمارس دورها عبر برنامج يضم الطرفين الوطنيين الحكومي والمدني، هذا النوع من الحوار هو واحد من أهم مشروعات الحوار الوطني فحوار المواطنين مع بعضهم البعض وبقاء الحكومة خارج هذا الحوار سيؤدي بمشروع الحوار الوطني مع الوقت لأن يكون مجرد ثرثرة مكررة عديمة التأثير والفائدة.
* على الرغم من أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العربية استخداماً لوسائل الاتصال، وأكثر المجتمعات العربية تطوراً في حركة المال والاقتصاد، ويمتلك آلة إعلامية ضخمة فضائية وصحفية، وأكثر المجتمعات العربية سفراً وترحالاً لدول العالم.. لماذا يراد له أن يوصف بأنه مجتمع (محافظ).. هل ترين أن كلمة (محافظ) تناسب مجتمعاً بهذه الصورة أم هي واجهة تراثية لابد منها؟
مشكلة المجتمع العربي السعودي مثل معظم مشكلات العالم الثالث مع التكنولوجيا في بقائه في دور المستهلك وزاد من فداحة الأمر أن ارتفاع المستوى الاقتصادي وارتفاع دخل الفرد السعودي ساهم في جعله يمتلك هذه التكنولوجيا بنسبة عالية جداً، ففي أطروحتي للدكتوراة التي كانت حول العولمة في مجتمعات الخليج وجدت أن نسبة استهلاك وسائل العولمة (الفضائيات، الهاتف المحمول، الإنترنيت) تتراوح بين 98% و97% لكل وسيلة من هذه الوسائل في مجتمعي الرياض ودبي، وهذه نسبة مرتفعة جداً ولكن بالمقابل فإن هذه الوسائل لا تجد النسبة ذاتها على مستوى القبول الفكري والاطمئنان النفسي في التعامل مع مضامين هذا الوسائل.!!
ما حدث مع وسائل العولمة الحديثة هو نفسه ما حدث في السبعينات والثمانيات مع مشروع الحداثة فالمجتمع العربي عموماً والخليجي ثم السعودي حين يمتلك الوسيلة الحديثة فإنه يعمل على إخراجها من سياقها الحضاري وزرعها في تربته التقليدية المحافظة وبالتالي رفض قيمها الحديثة ولدي دائماً مثال محايد شهير أستعين به لتقريب وجهة النظر هذه سواء لوسائل الحداثة وهي السيارة فتجد أن العربي يقتني السيارة لكنه لا يحترم قوانين الأمن والسلامة فيها ولا قوانين المرور، فهو لا يربط حزام الأمن لأن الشرطي لن يراه و.. و.. الخ من قيم التواكل، بل إن بعض الشباب السعودي اتخذ من السيارة وسيلة للفروسية والفوز بالإعجاب وأخذ يسابق بها مثل حصان عربي أصيل، العربي السعودي غادر الظرف الموضوعي لزواج بنت العم، وذبح الخراف للضيف الجائع القادم من جوع الصحراء والهلاك المحتم، لمجتمع المدينة ومؤسسات الخدمات، لكنه يظل يعلي من هذه القيم ويحارب من أجل بقائها، تستطيع أن تزيد عليها قيم تضعف من المجتمع ولا تساهم في تقدمه الاقتصادي مثل احتقار العمل المهني، محاربة خروج المرأة للعمل في مجالات مختلطة ومحاربة استقلالها الاقتصادي والاجتماعي، وتعطيل نصف المجتمع بحجج تقليدية، كل هذه السمات لا شك أنها سمات لمجتمع محافظ وليست واجهة تراثية.
* ما زالت قضايا المرأة السعودية يتم تداولها بشكل أو بآخر حتى إنها تصبح بمثابة الموضة الإعلامية تظهر في وقت وتختفي في وقت آخر: ما هي بالضبط أبرز القضايا التي تهم المرأة السعودية؟
كون قضايا المرأة تتحول إلى موضة إعلامية فهذا للأسف مجرد ألعاب سياسية لكنها لا تنفي قاعدة أن المرأة تعاني من واقع متدنٍ وغير عادل سواء على مستوى حضورها كقوة عمل في السوق السعودية، تكشف الإحصاءات حسب المصادر الرسمية أنها لا تتجاوز 11%. ومروراً بالتمييز الذي تعاني منه المرأة سواء في التعليم أو العمل، وفي الشارع السعودي أيضاً وغيابها عن مؤسسات الثقافة مما أسهم في عدم حضور المرأة داخل المجتمع السعودي وإجابة على أبرز القضايا التي تهم المرأة السعودية فإنني شخصياً أضع في أول القائمة قضية غياب ما تعارف على تسميته (بتنظيمات أو قوانين الأحوال الشخصية)، هذه القوانين أو بالأحرى غيابها تتسبب في مآسٍ نشهدها كل يوم سواء فيما تنشره الصحف أو ما يتحدث به المسئولون في مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو في جمعيات البر والإحسان الخيرية.
المرأة السعودية للأسف رغم فرص التعليم التي رفعت من وعيها وثقافتها وعملها الذي كفل لها استقلالاً مادياً لم تمكناها حتى اليوم من حياة كريمة يوفرها لها الشارع الديني أو المؤسسة الحكومية فيما لو قدر لها سوء حظها أن يكون لها أخ أو أب أو زوج سيء العشرة فلا هي قادرة على رد الأذى عنها ولا يمكن أن تزوج نفسها لو حبست عن هذا الحق ولا يمكن أن ينصفها قاض لو أرادت أن تتخلص من زوج يسيء عشرتها دون أن تفقد منزلها وأطفالها مقابل هذه الحرية التي كلها برد وفراق للضنى!!!!
* في مقالاتك تراوحين بين الشأن الثقافي والفكري من جهة والشأن الوطني من جهة ثانية.. أيهما يؤثر في الآخر؟ وهل تكتبين بوصفك الأديبة المثقفة (المثالية) أم بوصفك المواطنة (البراجماتية الواقعية)؟
لا أجد أن هناك فارقاً كبيراً بين الاثنين، فقد وجدت نفسي في ظرف ليس بالسهل، يحتم علي الاهتمام بالشأن الثقافي كهوى لا بد منه والوطني كواجب لا مفر منه، وقد ساعدني في ذلك تخصصي العلمي في مجال الاجتماع الثقافي وقدرتي على صياغة الأفكار التي أؤمن بها. كنت أتمنى لو أن قدري جعلني أهنأ بترف ثقافي لا ينازعني عليه شأن آخر، وهو التعب على تغيير واقع غير مريح خاصة بالنسبة لي كامرأة، ولكن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا على كل المستويات المترادفة، والمتقاطعة، والوعي هو شعلة طريق التغيير نحو الأفضل. ووجدت نفسي واحدة ممن يفضلون حمل قبس من هذه الشعلة بدلاً أن يلعنوا الظلام. أضف إلى ذلك أن الواقع الثقافي في مطلع التسعينات حين بدأت الكتابة وبسبب سطوة الحرب على الحداثة، وكل تيارات التغيير والتطوير، أصابه الخمول والكسل وعزوف الناس عن القراءة، مما جعل حظ الأديب يمشي كالسلحفاة، دون أمل في الوصول للناس، لذا وجد معظم الأدباء من شعراء وكتاب قصة وروائيين سعوديين وجدوا أنفسهم ذات يوم يقصدون الصحف ليفتحوا عبرها نافذة للتواصل مع الجمهور الذي يحتاجه كل كاتب ولا تنس أن الطفرة الإعلامية اليوم أججت هذا الحضور الصحافي فجعلت الكاتب يطمح بأن يستثمرها كقناة فاعلة للتغيير.!!!
*رؤيتك الناقدة عبر قصصك لبعض الظواهر الاجتماعية.. هل ما زالت هذه الظواهر موجودة بوجود هذه الرؤية؟ بمعنى آخر: هل أثرت هذه الظواهر في بروز هذه الرؤية الناقدة الحادة أحيانا عندك؟
كل كاتب وأديب ينفصل عن واقعه يخسر دائما القارئ معظم الأدباء في العالم انطلقوا من تصوير الواقع وتلمس خصائصه وشخوصه، آلامهم، معاناتهم، طموحهم، نحو صياغة واقع أفضل، الظلم والقهر والاستبداد والفقر وحرية الإنسان كلها كانت موضوعات محورية تلمسها الفن بشكل عام وعبر عنها، وحين يتصدى لها الكاتب والأديب فإن هذا هو محور التفاف الناس حوله والرغبة في مشاركته في تغيير هذا الواقع ويتميز كل كاتب أو أديب عن الآخر بقدرته على لمس مواطن الألم عند الإنسان. ولكوني امرأة فقد ساهم واقعي الاجتماعي الذي لا يزال حتى اليوم يضع المرأة في درجة أدني من الرجل وتتعامل معها مؤسسات المجتمع بتمييز واضح فهي مثلاً لا تشارك في انتخابات مجالس البلدية وتفترض أن هذا المشروع هو مشروع ديمقراطي، ولا تقود السيارة، ولا تمنحها قوانين المؤسسات البنكية ذمة مالية دون موافقة ولي الأمر بل إنها لا تدرس ولا تعمل دون موافقته، هذا الواقع الحاد في تمييزه ضد المرأة، هو ما خلق ردة الفعل التي تقول عنها إنها حادة فكل فعل يولد فعل مضاد له مساو له في الحدة.
* المجتمع السعودي له هويته وثقافته المثالية المحافظة كما يبدو وكما يراد له أن يكون.. فلماذا توجد دائماً أزمة ثقة في انفتاحه واختلاطه؟
وهم الهوية هو أكبر أزمة يعيشها مجتمعنا العربي فهو يتعامل معها على أساس أنها مفهوم جامد لا يتغير وعليه أن يبقى بعيداً عن التغيير والتطوير والمعاصرة وبالتالي فإن كل مشروع تحديثي وتطويري يعد مساساً بهذا الهوية بينما في حقيقية الأمر أن الهوية هو مفهوم اجتماعي متغير ومتطور والحفاظ عليه يجب أن يكون في قدرته على استيعاب المتغيرات والتطورات والتفاعل معها لا يمكن اليوم في خضم هذه المستجدات من واقع العولمة التي هي في تعريفها الصغير تتبنى مقولة إن العالم قرية صغيرة يمكن أن تظل الهوية في تعريفها هو ذات التعريف الذي عاشت به طوال القرن الماضي، ومفهوم الخصوصية مفهوم غير واقعي في ظل مجتمع منفتح متشابه السمات بفعل وحدة المصير والاشراك في أشكال التفكير والتدبير، فماذا يمكن أن يكون عليه مفهوم الخصوصية بالنسبة لمجتمع عربي مسلم مثل السعودية وما الذي يخصه دون مجتمعات العالم العربي 350 مليون نسمة أو مليار مسلم، كما أن مشكلة العرب في ظني أنهم يتمسكون بالشكلانية في تعريفاتهم للهوية وللخصوصية، ولكن في حقيقة الأمر لا يعكس هذا الخوف والشعور بالتهديد سوى شعور بعدم الثقة والضعف والاضطراب داخل عالم متغير، يجد العرب فيهم أنفسهم غير فاعلين مجرد مستقبلين ومتفرجين، يحيط بهم العالم المتقدم من كل حدب وصوب ويمارس ضغوطه المستمرة عليهم ويتحكم في مصادر رزقهم وعيشهم ووسائل معرفتهم، فلا يجدون سوى التمسك بشعارات وهمية وعاطفية تجعلهم يعيشون في الماضي ويفكرون في وسط سياق حضاري عالمي بأدوات لا تتناسب مع هذا السياق، وهذا الواقع للأسف ليس له سوى مستقبل واحد هو الانقراض.
* بوصفك مثقفة.. كيف تنظرين إلى مستقبل الحياة السعودية والمجتمع السعودي في ظل التحولات المدنية الجارية حاليا؟
المجتمع السعودي يمتلك مؤهلات اقتصادية وبشرية هائلة، هناك دائماً عقول سعودية كلما استمعت إليها عبر وسائل الإعلام أو عبر ما تنشره في كتبها ومحاضراتها، آمنت أن قدراتنا الوطنية الفكرية مؤهلة لصناعة مستقبل حضاري مميز، ولعل حظنا اليوم ونحن نستمع للمفكرين السعوديين والمثقفين ونقرأ كتبهم عبر القنوات الإعلامية الكثيفة تجعل قدرتنا على التفكير الوطني المشترك أكبر مما كانت عليه من قبل حين كان كلا منا يفكر في مجلسه الخاص، كما أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله يحيط مشروع الإصلاح بالدعم والحماس والتشجيع، وهذا هو أكبر دعامة لاستمرار هذا الحوار وإنضاجه وجنى ثماره لكن دائما ما نجد الإعلاميين والأدباء والفنانين الملخصين لا يطيقون صبر الانتظار ويعملون على تعجيل الخير لما فيه صالح أوطانهم.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved