الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th January,2004 العدد : 42

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

الخصوصية الوجه الآخر للمحو
سالمة الموشي
جدل الهوية ليس مفاهيم محضة تحدث بمعزل عن الواقع وآليات انتاجه، وغاية القول لرهان الحاضر أن يفتح هامش الامكان بتوظيفاته المثالية، والطوباوية ويترك متسعاً لإعادة صياغة المنجز وعلاقته بالفكر الانساني، علاقة المثقف بالوجود، والانتقالات التحولية في امتداد الحاضر الموجود محملاً بمسوغاته وتقنياته التي حتما ليست للتسلية، وعليه نود ألا يفضي بنا اجتهادنا في المواربة إلى التصفية الثقافية وتكاد رؤية أحمد حيدر عن التصفية الثقافية للانسان هي الأقرب لواقع الحال في عصر عولمة كل ما هو ممكن، إذا يرى ان الانسان يوجد على الحد المتوسط بين التعالي والتاريخية بين عالم الممكن التأملي وعالم الحياة ولذلك فهو في حالة توتر مؤلمة، إذ عليه أن يصون ذاته كشخص بالتعالي نحو عالم الممكن التأملي وفي الوقت نفسه عليه ان يسعى لتحقيق وجوده التاريخي في عالم الحياة، وإذ يجد عالم الحياة هو عالم الضياع فلان على الانسان ان يقلل من صلته بذاته أي بالممكن التأملي لئلا يستولي عليه هذا الضياع، فالصورة المثالية للانسان التي تتجلى في عالم الممكن التأملي الجمالية يدمرها الانسان التاريخي المحكوم بعطالته في عالم الحياة.
هنا يبدو لنا كيف ان جدلية الهوية في سياق الحدث التاريخي ليست تراكماً مفاهيمياً، كما أنها ليست دفاعات خصوصية بقدر ما هي قيمة لها رؤاها وتصوراتها، وهي بالمطلق أبرز معطيات الانسان ككائن له صوته ووجوده الذي يبدو له مرضيا لا مسليا، من هنا تتشكل منطقة النزاع الحاد بين ما «نحن» وما تشكله مضخة التاريخ والسياقات الحضارية بآلياتها وترسانتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، فالفكرة ظلت تستمد طبيعتها الجدلية من كل هذا وحسب فرنسوا بايار فإن مصطلح الهوية الأصلية الدارج استخدامه من قبل الانتروبولوجيين والمتخصصين في العلوم السياسية غير موفق فليس هناك سوى «استراتيجيات للهوية» وهو ما خلق تلك الازدواجية عند المثقف بين انفتاح ثقافي/ مشهدي/ وآخر رمزي تصوري وهو تحديداً ما يميز استراتيجيات الهوية المراودة بين الارتدادات المرتكبة بين ما هي عليه وبين معايشة الواقع الثقافي ويشكل التفسير الانغلاقي، الانتقائي الأنزيم المبرر له.
تبدو الاهتمامات الحاضرة للانسان/ المثقف هي الصورة الأكثر خصوصية وعمومية وفي الآن نفسه فإن الأيديولوجيات المدنية، والعولمة، وشكل انفتاح الثقافات العالمية على الانسان في أكثر مناطق العالم انعزالا تعني ان الانسان بثقافته يُقبل على مفاهيم معولمة على الصعيدين النظري، والتطبيقي، ويكاد العالم بنظامه هذا ان يقصي الانسان إلى هامش معتم ليقيم مكانه نظامه المتعالي بماهيته ونموذجه الحاضر والذي يختط له طريقاً قد يفضي به إلى حيث لا يدري، أو حيث لا نجاة فيما يشبه هامش الهامش إنما بمسميات أقل ارباكاً لنا، هذا هو حال من يظل متلقياً، ورافضا وسلبيا، متواريا ليس في إمكانه الانعزال، ولا ايجاد البديل الدفاعي الأقوى لذلك هو سائر إلى الهامش بوصفه أحد محتويات النظام العولمي/ الثقافي، أو جزء من المعطى الكلي للصيغة المطلقة له، إذ إن الوجود على هيئة المستقبل يقتضي الذاتية والفاعلية حسب أحمد حيدر. لقد جئنا في عصر مهيض وكان عالمنا قاسيا إلى حد أنه جعلنا نلجأ إلى عملية تقييد ذاتي: ما دامت كل خطوة نخطوها في العالم لا تأتي بغير الألم، فمن الخير ألا نخطو أية خطوة.. لقد حطمنا العصر وسلبنا قدرة النضال ضده بوهم جميل هو وهم الانتصار.
هكذا يبدو وجود المثقف في مكان ما بعيداً من ذاته. مهجوسا بيأسه، وانسحابه أمام صرامة الكل الذي ابتلع الجزء وترك له شبح وهم الانتصار. تختلف الأسماء وتبقى الحقيقة والفكرة التي قوامها من أين والى أين؟.
في كل الأوقات، وليس بعضها نتطلع إلى صوت النخب المثقفة التي ترك لها الآخر البسيط التفكير نيابة عنه، ورؤية ما ينبغي ان يكون، أحد هؤلاء النخب المثقفة الناقد علي حرب يقول.. وهو داخل المنظومة النخبوية المثقفة.. إن النخب الثقافية لا تقيم مع الجماهير علاقات ذات طابع عقلاني أو تنويري، فالمنطوق في خطابات المثقفين هو التحرر والاستنارة، وأما المسكوت عنه وكما أثبتت التجارب في غير مكان فهو العمل على قولبة الجماهير تحت شعار استعادة الهوية الضائعة..!!
نحن أمام تاريخ مكشوف يدون تحت سلطة معرفة منتصرة لها معاييرها الآخذة في التنامي الفعلي المحمل بأهدافه وغاياته، وإذا كان التجدد المستمر للثقافات الانسانية هو وجود فرضته ثقافة العولمة، والانفتاح المعلوماتي على الكونية الثقافية في أرجاء المعمورة، فإننا قبالة مرحلة أكبر من أن تحتمل ادعاءات الخصوصية والحيادية والانغلاق، والانحياز إلى الامحاء الكامل.
ما الذي بقي منّا، بقي لنا..؟ أين يقف اليوم/ الآن مفهومنا؟ كيف نتعاطى محصلة أزمنتنا، وعلاقتنا بالآخر، إرادة الهوية التي نريدها تهويل أم تأهيل؟
ما الذي ينبغي استعادته، أو التخلي عنه، الانفلات من الواقع المعولم/ الكوني كيف يبدو امكانه؟ والى أي حد تحقق الثقافة تطبيقاتها، وجاهزيتها للمواجهة، وما البنى التي يتوجب اعادتها؟
على الرغم من ان الانسان المعاصر «المثقف المعاصر» اصبح جزءاً من النسق الثقافي المعولم، ففكرة التعالي على الواقع القائم لا تبدو منطقية تماماً، كما ان أحادية التفكير أقل فاعلية لمن يعتقدها!!
بقي لنا مأزق، رد فعل دفاعي تقديسي مبرره «نحن» ضد «هم» وتمجيد «الانا» بمفهومنا لها.. بقي لنا جدلية الهوية ومفهوميات قائمة ومغرقة في البساطة والسذاجة والكثير من الوصايا والأفكار الدفاعية المباشرة في الوقت الذي نستهلك فيه حضارة الآخر وهويته كنمط حياة وهو ما عبّر عنه بيير هاسنر. اخشى أن تكون الهويات الثقافية الشهيرة في طريقها إلى الزوال عن طريق التحديث والأمركة والتلفزيون وبأشكال توحيد أنماط المعيشة بينما يتشدد في الوقت نفسه الحاجة إلى الانفصال في اطار هذا الكون.
إن الأمر الأكثر واقعية في كل هذا هو تنامي الشعور بفقدان الهوية، والانتماء إلى بعد ثقافي غير مربك وغير مصعد للشعور بالذنب والتغريب، ان السؤال الأكثر جدوى الذي يسعني طرحه هو ما الذي ينبغي ان نطرحه في جدلنا عن «الهوية» و«الهامش» ما الإمكانات التي تخولنا إلى المناداة بوجود ثقافي/ حضاري غالب/ فاعل/ موجود/ وجوداً يجعل من رفضنا المطلق للآخر أمراً حتمياً لواقع معزز بمعيار صادم لا تعزيز لحالة خوف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved