الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th January,2004 العدد : 42

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

خواطر مرسلة
من قديم أوراق الأديب الراحل
عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمه الله أعدها للنشر أ.د. عبدالكريم الأسعد
دمعة على فقيد راحل

اللَّهم ارض عن فقيدنا، واجبر مصابنا، وأحسن عزاءنا..!!!
اللّهم إنه عاش في سبيلك، وقنع في يسيرك، وجاهد فيك بلسانِه وقلمِه ووقتِه وراحتهِ حقَّ جهادك.. وها هو يلبي نداءك اليوم راضياً مرضيا.. تودعه القلوب باكيةً ملتاعة، ليس لها إلا الأنّّة ترسلها وإلا الدمعةُ تسكبها وتسقيها؛ وإنها لكليمةٌ بائسةٌ وشجيةٌ محزونهٌ.. فاللَّهمَّ ارحم فقيدها وكفكف دموعها وأنَّاتها وامنحها من سُلُوِّك وطمأنينتك وسكونك ما يكون عزاءً لها ورضاءً إلى حين..!!
عَلَمٌ إسلاميٌّ كان بيننا ومنا اختطفته يدُ المنون هذه الأيام فكان لفقده هِزَّة ولرحيله أسى بليغ.. وليس أساءه وحزنه قاصراً على بلدته الوادعة فحسب ولكن في كل موطن عرف قدر الفقيد وخلقه وجهاده العلمي الطويل.. إنَّه علاَّمتنا وشيخنا الودود «عبدالرحمن بن ناصر السّعدي» غفر الله له ورضي عنه.. لقد مات و{كٍلٍَ مّنً عّلّيًهّا فّانُ}!!
و«الموتُ نقَّادٌ على كفِّه
دراهمٌ يختارُ منها الجيادْ»!!
ترك لنا دنيا الفناء والبؤس إلى ربٍّ رحيمٍ وإلهٍ كريم..!! ولكنَّ ذكره وآثاره لن تموت أو تزول من النفوس.. إنه حي خالد.. قلمُه معنا وهديُه مشرقٌ في قلوبنا ومشاعرنا.. ومُثُلُه وقيمُه باقيةٌ في أعماقنا وخواطرنا.. فعليه منا التحيةُ والسلام.. وله في كل خفيةٍ فينا الدعاءُ والترحُّم والذكر الجميل...!!
أطلَّ فقيدنا الغالي على دنيا الوجود في اليوم الثاني عشر من شهر المحرم عام ألف وثلاثمائة وسبعة من الهجرة النبوية المطهرة «12/1/1307ه» من أبوين شفوقين ولكنهما لم يعمِّرا طويلاً بجانب الصبي الودود وإنما لبيا نداءَ ربِّهما وهو صغيرٌ لم يبلغ الحلم فعاش يتيماً فاقداً حنو الأبوين وعطفهما ولكنَّ الله سبحانه عوَّضه عنهما الثباتَ والصبرَ والطموحَ الفذ.. فشق طريقه اللاَّحب واللاَّهب بعصامِيَّة فائقة قادته إلى حياةٍ مستقبلية فاضلة تجاهد في الله بعلم ويقين وتنشر بين الناس أضواء العقيدة الصافية، وتوجههم إلى معالم الشريعة الميسرة؛ بما ألهمه الله وحباه من أسلوبٍ طليٍّ مؤثِّر وحكمةٍ مشرقةٍ بالموعظةِ والإدراك والاستبصار..
نال حظاً وافراً من العلوم والمعارف فباشر التدريس والتوجيه في مسقط رأسه عنيزة وهو إذ ذاك في الثالثة والعشرين من عمره الحافل وذلك في مقر الجامع الكبير الذي يُعَدُّ في ذلك الزمن بمثابة الجامعة الأكاديمية الراقية فكانت ندواته العلمية على مستوى الخاصةِ والعامة عامرةً بالرُّواد والطلبةِ والمستمعين والمتخصصين الذين تهفو مسامعُهم وقلوبُهم إلى ما يزوِّدهم به من شهي العلوم ولذيذ المعارف والمواعظ بأسلوب تربويٍّ رصين..!!
وكان فقيدنا عليه الرحمةُ والرضوان ذا مكانةٍ اجتماعيةٍ رفيعة؛ فكان لا يُرى حين غُدوُّه ورواحه إلا وبين يديه أمواجٌ غفيرة من الناس؛ منهم المحيِّ له ومنهم السائل والمسترشد ومنهم ذو الحاجة والمسألة؛ وهو غفر الله له وجمعنا به في مستقرِّ رحمته يغدق على جمعهم بحنوه وحنانِه وبعلمِه وخلقِه وإرشادِه..!!
وكان رحمةُ الله عليه وقوراً وقارَ العلماءِ والعظماءِ والمصلحين؛ هادئ النفسِ والطبع، عذبَ الأسلوبِ والمعشر، جم الأدب والحياء، كثير الابتسامِ والجاذبية الخلقية.. كان يعطي ولا يمنع، ويحب ولا يبغض؛ تلوح في محيَّاه معالم الحبِّ للناس والتقوى معه والزهادة في مظاهر الحياة ومفاتنها..!!
ترك للمكتبة الإسلامية مجموعةً قيِّمة من الآثار والمؤلَّفات المفيدة في علوم القرآن والتفسير والحديث والعقيدة والفقه والخطب والفتاوى المتنوِّعة، تعدُّ مرجعاً ومدخراً ثميناً لكل دارس ومتخصصٍ ومستفيدٍ ومستنير..
وكانت وفاته رضي الله عنه في يوم الخميس الموافق للثالث والعشرين من شهر جمادى الثانية عام ألف وثلاثمائة وستة وسبعين من الهجرة النبوية الشريفة «23 6 1376ه» في مسقط رأسه «عنيزة» بعد أن أدى واجبه الإسلامي والعلمي والاجتماعي بإخلاص وحسنِ أداء فجزاه الله خير الجزاء وألهمنا شكرَ نِعمه وحسنَ عزائِه.. وإنا لفقده لمحزونون ولرحيله لمُوجعون..!!
(وإنا لله وإنا إليه راجعون)


عبدالله البراهيم الجلهم
أحد طلابه وعارفي فضله ومحبيه
عنيزة في 25/6/1376هـ

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved