الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th April,2004 العدد : 53

الأثنين 15 ,صفر 1425

مطالعات
(رشيد بوجدرة) يسير أمام جنازة الرواية:
رواية (الجنازة) تأطير تاريخي لمسيرة الدم والعنف العصري
عبدالحفيظ الشمري

إيماءة
* الجنازة (رواية)
* رشيد بوجدرة (روائي جزائري)
* دار الفارابي بيروت 2003م
* الغلاف: فارس غصوب
رشيد بوجدرة روائي جزائري يقتنص في عمله الكتابي لحظة المفاجأة التي تمر خاطفة على الذهن.. تلك التي يدونها وبشكل استقصائي، ليقدم للقارئ مشروعا تفصيلياً يعرض فيه أبرز هذه الإشكالات، وأدق الحيثيات التي تأتي إضاءة لازمة لأي فكرة يتناولها لاسيما ماهو عنيف، ومرعب، تقلق تفاصيله مشاعر القارئ وتصدمه لكنها تقدم له الحقيقة.
رشيد بوجدرة يقدم في هذا السياق روايته الجديدة (الجنازة)، ليضيء فيها عتمة بعض القصص التي جرت في الحياة العامة في الجزائر وهي تمتلئ ببعض الأحداث المؤسفة والمؤلمة من قتل واختطاف.. فهو كاتب يعيش حالة غير عادية تتطلب منه أن يعيشها، ويتفاعل مع منعطفاتها الحادة.. تلك التي تكون عادة دامية لفرط عنف يتلبسها، وغلظة تسكنها لتخرج الرؤية في هذا السياق الجهوري المكشوف.
مسيرة العنف العصري.. تاريخ الدم
يحاول الكاتب رشيد بوجدرة أن يؤرخ لمسيرة العنف التي عصفت ببلاده إلا أنه في هذا السياق أشد يأسا وأقوى حزناً، فلم يجعل هناك أي بادرة ممكنة للفأل أو التحول نحو الأمل الذي قد يذكي رغبة الإنسان في التخلص من همومه وأحزانه.
أخذ الكاتب بوجدرة بعض الأطر التاريخية في رحلة البطلين (سارة) و(سليم) ممثلة بخمسة أعوام هي الواقعة بين 1995م و2000م حيث استطاع أن يعمد إلى انتزاع هذا الإطار المرحلي من الصراع ليناقشه خارج سياقه التاريخي دون أن يتدخل في فرض أي حلول ممكنة او تصورات مستحيلة، بل نراه وقد اتجه إلى إبانة واقع العنف العصري من خلال يوميات سارة وهي البطلة الرئيسة في هذا العمل وإن كان يقاسمها العناء والنصب والخوف زميلها في (الشرطة) سليم.. ذلك الرجل بذل جهوداً كبيرة من أجل أن يكسر رتابة الحياة الشرطية ليبحث عن مفردات حياتية تخلخل هذا الجمود العاطفي وهذه المداومة الدائبة للألم الإنساني.
من أهم ما بحثه (سليم) من أجل تقديم صوت مغاير لما ظلت تنادي به (سارة) وبقسوة غير معهودة لدى النساء أنه حاول أن يغزوها من خلال الرسائل التي يستدرك عليها العديد من الملاحظات التي كانت تحدث لهما أثناء تأدية الخدمة فقد أفصح لها بأن الحياة قد تكون محتملة إذا ما حاولنا إيجاد معادل إنساني على نحو ما يفعله نراه وقد قرأ لابن رشد، وابن عربي، ولليبنيتز، وسبينوزا وآخرين بل إنه تعلم ألعاباً رياضية عديدة ليكسر طوق العزلة التي تفرضها أحداث العنف.
أما (سارة) البطلة المكلفة بتقصي أحدث تفاصيل حوادث القتل، فقد ظلت صارمة متجهمة تستعيد مع هذه القصص الدموية أحداثاً أسرية مؤذية على نحو ما استعرضته من مواقف والدها الذي هجر البيت منذ أن كانت صغيرة لأسباب وحجج واهية، لتتطور هذه الأحداث وتأخذ هيئة المنغص الآخر بعد همها الكبير وهو ملف البحث عن قاتل (العليين) و(سارة) الصغيرة وبقر بطون الحوامل على يدي (فليشا) وآخرين أزمعوا مواصلة الحوار الدموي حتى آخر المطاف الذي لا تعلم الشابة نهاياته المحتملة ولمن ستكون الغلبة، ومن سيكتب التاريخ المناسب لهذه المرحلة الحرجة.
رواية (الجنازة).. غياب الفن السردي
تذهب الرواية إلى الاهتمام القوي بالأحداث التي أطرها الكاتب في حقبة واحدة إلا أن هذا التأطير لم يستثمره حسب ما نعتقد الاستثمار المناسب لخلق مناخ سردي مميز حيث اعتمد الكاتب رشيد بوجدرة على خاصية عرض الأحداث القوية والصادقة.. تلك التي تترك أثرها الفاعل في النفس إلا أن هذا الأثر سرعان ما يزول أو يبتعد مع الوقت.
لم يشأ الكاتب (بوجدرة) أن يخلق مناخاً سردياً معتمداً على الفنيات السردية في هذا العمل ربما لأسباب أراد فيها أن يكون للتاريخ دوره وواقعه الحياتي، فقد ذهب الكاتب إلى عرض التقارير التي تقوم بها (سارة) في رحلة عملها الأمني في وقت ظل القارئ فيه يبحث عن المعادل الإنساني كما جاء عند (سليم) وعلى نحو بسيط.
رغم أن الكاتب أنجز قبل أعوام مشروعه الروائي المتميز (الحلزون العنيد) والذي اعتمد في سياقه السردي على مفارقة هذه الأحداث الدموية، ومنعرجاتها إلا أننا نراه وقد أبدع في المزاوجة بين رسم الأحداث وتفاصيل تقنيات السرد المعتمدة على الايحاء وتوظيف المواقف، وكذلك صياغة المواقف بلغة تكسر حدة التقرير والنمطية التي ترد فيها بعض القصص أو الحكايات أحياناً، لنرى الكاتب وقد ظل على الحياد فيما يتعلق بصياغة فنيات السرد بل نراه وقد أخلص فعلاً لبناء التقريرية المباشرة.. تلك التي كان يستلها من يوميات (سارة).
يلتقط القارئ لا سيما من قرأ (الحزون العنيد) أن الكاتب حاول إضفاء غطاء من الغموض، والتعتيم في سرده لبعض المواقف رغبة في خلق مناخ تحفيزي للقارئ إلا أنه سرعان ما تبدده البطلة (سارة) حينما تتصرف بنزغ وتهور، لتجعل من بعض المشاهد في رواية (الجنازة) قابلة للتعالق مع أحداث وردت في رواية (الحلزون العنيد) والتي صدرت للكاتب 1984م حينما كانت أحداث الجزائر في مهدها الأول.. لكن الهلع المزلزل هو ما جعل (الحلزون) يقف بين القاتل والمقتول ليثير حقيقة حفيظة المتتبع لمثل هذه الأحداث الانسانية الفاجعة.
(الحوار العنفوي).. إضاءات للجنون
الضابطان (سارة) و(سليم) يجهدان في رسم تفاصيل هذا الواقع الذي يثير الدهشة إلا أن دهشتهما تقف عند حدود الممكن الذي يقرران الدخول فيه وذلك في محاولة التصدي لظاهرة العنف وفق ما تعلماه في حياتهما التعليمية ووفق ما تسمح به ظروف الواقع وتحولاته، لنرى البطلين وقد ضرباً حول نفسيهما طوقاً من محاولات الخصومة والمواجهة مع الاشتقاق الأصلي للمارد العصي المسمى العنف وحيث يدور (الحوار العنفوي) نرى إضاءات الجنون وقد تعاظمت ولتشل حركة الحياة العادية مما انعكس على واقع المخالطة المألوفة بين (سارة) والمجتمع من حولها حتى والدها الذي عاد بعد وفاة والدتها لم يكن له وجود إنساني في حياتها، فقد تحولت الحياة إلى مجرد معزل صغير اصبح اكثر كآبة، وأقل فائدة.. فلم تنفع محاولات سليم لأن يخلق معادلاته الانسانية من خلال القراءة والتعليق وكتابة الرسائل لكن هذا (الحوار العنفوي) لم يسمح بمرور الواقع الحالم الذي قد يتأمله الطفل (علي) أو الطفلة (سارة) حينما جاءت رصاصات الغدر بشكل مباشر ودونما أي مواربة.
قدم رشيد بوجدرة للقارئ العربي اضمامة تاريخية عن أحداث ومواقف ليجعل من هذه الرواية سنداً توثيقياً محدداً قام على معادلة هذا الحوار الدموي بين شخوص المرحلة وعلى رأسهم (سارة) و(سليم) والطفلان المغدوران (علي) و(سارة) وبين (فليشا) وشخوص آخرين يديرون الحوار بطريقتهم الخاصة وكل من هؤلاء يزعم ويدعي لتظل الحقيقة في ذهن الوعي الذي يجب أن نتسلح به نحن القراء في مثل هذه الأحداث والحوارات (العنفوية) كما أشار لها أبوجدرة اصطلاحا واقعياً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved