الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 5th May,2003 العدد : 10

الأثنين 4 ,ربيع الاول 1424

ذاكرة الطفرة
قراءة في رواية «سياحة الشقاء» (2-2)
حسين المناصرة

نجد القسم الثاني من الرواية يوضح عمل راشد في الشركة في الشرقية، حيث يثابر ويجد ويطور نفسه في التعلم، وتكون النتيجة أن يجني ثروة كبيرة، ثم يبني
أسرة تمر بها أحداث كثيرة عادية، ويركز السارد على علاقة راشد الثري بقريته «سياحة» التي لم ينسها، بل حافظ على الاقامة بها بجانب اقامته في المدينة،
إلا أن «سياحة» نفسها تغيرت بعد أن هجرها معظم أهلها، فصارت مهجورة:«القرية شبه خالية إلا من المسنين والنساء والأطفال، أما أكثر البيوت فقد
هجرت، وهاجر منها الطيبون إلى حيث الحياة. «ص180».
وفيما يلي فقرات عن «سياحة» قبل الطفرة وبعدها من خلال الرحيل عنها: كانت «تموج بالبشر والخير والخيل والرجال الحق. لكن بعد رحيل معظمهم
إلى عالية البلاد، بدأت تموت ..«ص86»، وغدت بعد الطفرة بما يشبه الحالة المرضية: «انطوى الرجال وتحركت الثعالب تحكي عن أمجادها وهي ثعالب..
كثر عبدالدينار وعبدالدرهم في كل موقع، وانعزل الآخرون يبحثون عن الستر والحيطة في الحياة، طالت ألسن كانت خرس وخرست ألسن كانت فصيحة
حتى كثر اللغط وفاض التنور بلهب نتن الرائحة، أما رائحة الهال والبخور المعتق فقد اختفت إلا قليلاً، وأذناب الماعز سترت عورات أما اليات الكباش فقد
ارتفعت لتكون شكلاً كالخنازير عارية تماماً وهنا فاجعة أخرى.. إيه يا سياحة وميّاحة وندّاحة» «ص234 235».
في ضوء ما سبق تبدو الرواية حريصة على رثاء ماضي «سياحة» على الرغم من مراراته الكثيرة، إذ يبقى الحاضر ما بعد الطفرة يحمل تشوهات القيم
والجذور، مما يشكل غياب الفضيلة، وهذه هي الفكرة المحورية التي يريد السارد ايصالها إلى القارئ، متخذاً من طريقة عبدالعزيز مشري نهجاً يتبعه بقصد أو
بغيره.
***
إن من يبدأ حياته الابداعية بكتابة رواية، لا بد أن يكتب بطريقة أو بأخرى سيرة ذاتية أو سيرة جماعية من خلال الذات، بحيث تصلح حياة أي انسان في
نهاية المطاف أن تكون موضوع رواية بالمفهوم العام لكتابة الرواية، وقد قيل إن كاتب الرواية يكتب الرواية الأولى من جوف سيرته الذاتية، لذلك توقف
كتاب كثيرون عند كتابة الرواية الأولى، أي أن هذه الرواية تعد تجسيداً لحياتهم، وغالباً ما يكون هذا التجسيد خالياً من العمق الفني..
هذا ما يبدو تحديداً في رواية «سياحة الشقاء» أقصد أنها رواية فاترة من جهة الفن، لا يوجد فيها بنية سردية فنية اشكالية حقيقية، وهذا ما جعل لغتها
فضفاضة، وحكايتها السردية عادية، فهي تجسيد لشخصية راشد بن ثابت، مما يعني أنها قد تكون من خلال خجلها الواضح، سيرة لكاتبها «أبو حمراء»، إلا
أنها سيرة تخلو من الاثارة الفنية، أو من الفاعلية السردية الصادمة، وتبقينا في دائرة المألوف والعادي، بحيث تصبح سيرة عمل راشد في الشركة وهي تصل إلى
نصف الرواية، سيرة فضفاضة إلى درجة كبيرة، يمكن اختزالها بوصفها مئة صفحة إلى ثلاثين صفحة، وبالتالي تصبح هذه الرواية كلها بعد اختزالها في المفيد
ثمانين صفحة بدل مئتين وأربعين..
ربما أجزم فأقول: إن الرواية الحقيقية هي التي تلد من ظهر قاص كتب القصة القصيرة، لأنه يدرك مدى الفرق بين الرواية والقصة القصيرة، وهذا ما غاب
عن ذهن القاص أبو حمراء الذي أعتقد أنه كتب قصة قصيرة في حجم رواية، ف«جعل من الحبة قبة» بطريقة انشائية جيدة على وجه العموم، حيث يمكن
أن تقرأ الرواية بسلاسة، وأن تكون ممتعة للقارئ العادي، ولكن القارئ الذكي سيشعر بأنه غبن كثيراً من خلال الايغال في التفصيلات غير المهمة، على
حساب اهمال اللافت والصادم والجوهري.
إن القارئ الذكي يأمل أن يرى دوراً مهماً للمجنون «جلاد»، حيث كثيراً ما يعبر الجنون عن الحقيقة المرة، وقد كان هذا المجنون شخصية فاعلة في تعاطفها
مع قبر ثابت، ويأمل أن يرى المزيد من الأساطير والخرافات عن موت ثابت، وعن علاقة مي براشد، وآثار السيل والجرب على الناس والأغنام، وعادات
الزواج العميقة.. لهذا تبدو الرواية باردة على الرغم من وجود المواقع التي بإمكانها أن تكون بنى سردية مهمة، لا مجرد سرد انشائي رتيب، يحكي ظواهر
العلاقات والأشياء ويتوقف عن التغلغل إلى جوهرها أو باطنها، بوصف هذا التغلغل أساس الرواية الجيدة عموماً!!


hosainma@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved