روحها الموشومة به
أميمة الخميس
|
إنها الرواية السعودية الثانية التي تخرج من مقعد الطبيب النفسي الشهير، الأولى كانت كتاب (العصفورية) للدكتور غازي القصيبي التي قدم فيها د. القصيبي من خلال هذيان أخاذ وممتع حالة تجرد وكشف للجميع المستور على المستوى السياسي والاجتماعي والمفارقات التي صاحبت انهيار الشعارات والقيم التي سيطرت على أجيال ممتدة في العالم العربي، والتي قادت البطل إلى حالة تقترب من الهذيان وعجز عن الانسجام مع مفارقات الواقع.
الرواية الثانية هي رواية (أمل الفاران) روحها الموشومة به التي فازت بها الروائية بجائزة الشارقة للرواية للعام 2003م.
أمل في هذه الرواية ترصد مغامرة بطلتها الكبرى وتحديها للمحيط الخارجي بروح تتقمص تاريخ أبطال الملاحم وجنيات الأساطير.
وتعبر من خلال الحلم والعلاج النفسي عن مأزقها الوجودي وحصارها كأنثى باتت الأحلام هي الأداة الوحيدة التي وجدت بها البطلة درعا يقيها السهام التي تطوقها.
فالرواية تدور في قرية نائية في الجزيرة العربية تصفها البطلة على كونها نجمة قصية في جبين الصحراء، حيث مجتمع الديرة الضيق والمحدود، يحاصر البطلة بجريرة اختلافها.
فالبطلة امتهنت الكتابة والاختلاف، فباتت الكتابة كاليد الثالثة التي نبتت لها بشكل يتحدى المألوف والسائد، وأزمنة طويلة من صمت المرأة، وتلك المغامرات الجسورة التي تقوم بها البطلة كي تنشر، كي تكتب، لتوظف الكتابة كطوق نجاة لها أمام المحيط العارم الذي يريد أن يختزلها بأدوار أنثوية معهودة، مطوقة بنصائح الأمهات حول الخضوع ومحاولة الانسجام.
لكن روح البطلة الحرة الطليقة ترفض هذا، فقد تلبستها روح الفن، ويظهر هذا التلبس عبر علاقتها بطبيبة نفسية في مدينة الرياض، تجوس خلال خريطتها النفسية لتعثر على جميع الأشخاص المقموعين والمضطهدين، والمغتربين داخل روحها في تلك البلدة الصحراوية القصية.
وكأن هنا الفن قدر لا تستطيع منه فكاكا كأنه طاقة كونية خلاقة ظللت تهيم في المكان منذ زمن امرئ القيس لتحل في جسد البطلة.
أمل الفاران تملك لغة جميلة متماسكة حافلة بطاقات كبيرة لم تصل مداها بعد، الرواية هي إرهاصات مشروع فني كبير تخبئه (أمل الفاران) للمستقبل، فهي من ناحية استطاعت أن تصنع لها قاعدة فكرية واسعة تستطيع أن تنطلق منها في فضاءات الفن، ومن ناحية أخرى استطاعت بحساسية فنية عالية أن تقفز على الكثير من العقبات التي تترصد بالتجربة الأولى، وتقدم عملا فاتنا شجيا مضمخا بأحزان النساء وهمومهن، دون أن تنزلق بفخ الزعق المؤدلج للنظريات الأنثوية. تلامس الروائية في روايتها بعض القضايا الاجتماعية ملامسة خفيفة ولكنه موظفة بشكل ذكي ومنسجم مع السياق كتجربة عمل المرأة، والإرهاب الفكري وطريقة التقاط الشباب لدفعهم في محرقة الموت تحت مسميات دينية.
رواية (أمل الفاران) روحها الموشومة به، عمل محلي متميز ومبهر وبداية تتجاوز البداية، وإرهاصات مشروع أدبي كبير يفز هناك في مضارب امرئ القيس، وكأن الكاتبة في عنوانها روحها الموشومة به، تشير بشكل غير واع إلى روح البطلة وشمت بمصير الملك (الضليل) حيث مضارب بني كندة في البلدة التي تقع في جبين الصحراء.
رواية أمل اكتشفت خارجيا قبل أن توزع داخليا، ولعل هذا يشير إلى حالة قصور كبيرة تتعلق بالنشر والتوزيع والعناية بالفن الحقيقي على وجه العموم.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
