الورد الجوري معانٍ في الحب
عبدالله أحمد الشباط
|
الدكتورة فوزية سعيد الصالح واحدة ممن أثبتن وجودهن وتميّزن بتفوُّقهن على كثير من الرجال سواء في مجال الدراسات العليا أو في مجال العمل الأكاديمي والسياسي والاجتماعي.
وُلِدت في مملكة البحرين وبها تلقّت تعليمها الابتدائي والثانوي .. ثم ابتُعثت إلى المملكة المتحدة لتنال شهادة الدكتوراه من جامعة لندن في الكيمياء العضوية، وبعد عودتها إلى أرض الوطن عملت في جامعة البحرين - أستاذ مشارك من 1995 إلى 2001م. وقد اختيرت لعضوية مجلس الشورى إلى جانب رئاسة اللجنة المؤقتة للمرأة والطفل، وهي عضو مؤسس في الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، ورئيسة لجنة مركز الطفل لتقنية المعلومات، وعضو في جمعية البحرين لمكافحة السرطان .. لها عدّة مؤلَّفات في الكيمياء وكتاب عن النباتات الطبية، إضافة إلى عدّة بحوث في مجال البيئة.
هكذا قدّمت الدكتورة فوزية نفسها في كتابها الأخير (الورد الجوري معانٍ في الحب) الذي صدرت الطبعة الأولى له عام 2005م .. ومن هذه السيرة المفعمة بالحب للإنسان مهما كانت درجة قربه منها ومهما بلغت احتياجاته للرعاية والعلاج والمشاركة في الاهتمامات.
(والورد الجوري) الذي صدر الكتاب تحت مسمّاه هو رمز للإنسان في أحوال حمله جنيناً في بطن الأم ثم المخاض المؤلم اللذيذ، وملاحقته في حركاته وسكناته فهي خلفه في لعبه ومذاكرته لدروسه ونومه ويقظه تحافظ عليه وترعاه فهو رفيقها في الحضر والسفر وهو حلمها في اليقظة والمنام، بل هو حبيبها الذي لا يدانية في حبها إنسان وهو لديها كالورد بألوانه الزاهية، وعبيره الفواح في يقظته، وحركته، ونشاطه في الساعات الأولى من النهار، ونومه في المساء، في تساؤلاته المتكررة وأحلامه الواسعة البعيدة والقريبة لا يكاد يسقط على الأرض من جفينها ولا يجري إلا مع دقات قلبها .. فما هو هذا الورد الذي اعتنت بوليدها من خلاله؟
إنّ العلاقة بين مكوِّنات الطبيعة .. وهي الحب، حب الأم لوليدها، لذلك فهي تخاطب هذه الأم:
مكوّنات الحب واحدة .. وإن اختلفت معانيه .. طغيان النفس، هجران النوم .. لمسة الجسد .. لذة الحياة لون الطيف .. دواء العليل .. شوك الورد .. تربة الوطن .. حنين الربيع.
أمّا الأبناء فهم السياج الواقي، والحصن المنيع، رحم الأم ينوء بهم .. تستلذ الألم في الألم ثم تجعلهم في الأحلام من جديد.
أول ما ينطق به الجنين: أمي هذه هي أمي .. ولتكن أنت أبي.
بهذه الكلمات المفعمة بحنان الأم وعطر الورد قدّمت الدكتورة فوزية كتابها الوردي.
والكتاب عبارة عن مذكّرات لأحداث وعتها مع ابنها في الوطن وفي الغربة تمثِّل كلّ معاني الحب والخوف .. والأمل .. ولذلك فهي تتساءل في المقدمة: هل للورود لغة تخاطبنا بها فنسمع ونجيب؟
وكيف لنا أن نصغي لهذا الصمت الملوّن الذي يسلم لنا أسراره؟
وللإجابة على هذا التساؤل تقدم لكلِّ فصل نبذة عن الورد: يمكن تقسيم الورد إلى سبعة فصائل أهمها: ورد القطف: وورد السياج، وورد بري يزيد مجموعها عن الألف من الأنواع المزروعة والمهجّنة ومن اشهر أنواعه: ورد دمشق، أو الورد الجوري، والورد العطري، و ورد الروائح، وورد غالي، أو الورد البلدي وورد المسك، وفي ختام الفصل الذي تحت عنوان المكونات الكيميائية للورد نقول: منتهى السعادة أن احتفظ بيدي على يدك عندما تضغط الأم على يد طفلها بقوة يفيض قلبها بالحنان ليست الشدة في قبضة اليد إنما ما يحمله القلب من قسوة على الأبناء. أمّا مكوّنات الورد فهي مقدمة لفصل آخر من تلك الرحلة المفعمة بالحنان: كلّما حلّت فترة الامتحان مسحت وجهك بماء الورد وأنت تقول لنفسك: إنّه يوقظني وينعشني. ورائحة الورد تعتمد على كمية العطر وطريقة عمل العطر وظروف الشخص (العمر، الجنس، الشخصية) والحالة النفسية والمواقف التي يمر بها الفرد عند استعماله للعطر: قابليته للشم ودرجة حاسة الشم عنده، وهناك كلمات عن تربة الورد وتكاثره وألوانه وكلُّها مداخل لما تريد الدكتورة فوزية أن تعبِّر عنه في مسيرة علاقتها بابنها أماً ورفيقة وصديقة.
إنّ من يقرأ مكوّنات هذا الكتاب الأنيق مظهراً ومخبراً سيجد شعراً بدون قافية .. شعراً لا وزن له .. لم يحتفل به في سوق عكاظ أو المربد بل هو شعر يضرب على أوتار القلب فيصدر ألحاناً من البهجة واللهفة والحنان .. وحكاية ألوان الطيف تبدأ هكذا: مدّت لي تلك الطفلة، ذات الثماني سنوات يدها ترجوني أن اشتري أضمامة الورد .. سألتها: لمن أهدي هذه الورود؟
قالت: لمن يعزُ عليك - ومن يعز عليّ؟
ابنك الذي يبني قصراً من الرمال .. ليتني أسكن في هذا القصر ولو كان من رمال!!
هنا جاء دورها لتوجِّه الحديث إلى ابنها: كنت تتابع الحوار وأنت تلهو ببناء البيت .. سألت الطفلة وما فائدة أن أهدي هذه الورود لمن يعز عليّ؟ أجابتني بعفوية شديدة وهي تنظر إلى ذلك القصر الذي تحلم به حتى لو كان من رمال.
عندما تهدين شخصاً وردة حمراء يعني ذلك الحب .. أمّا البيضاء فتعني العطف .. الوردي يعني الحنان والأصفر أمنية بالشفاء .. كل الألوان تعني: أمّا أنا فأحصل على النقود اشتري بها لعبة لكي أحبها وأعطف عليها وألعب معها ثم أخذتها من يدها إلى المكان الذي تجلس أنت فيه وتلعب وسألتها: هل تعرفين كيف تبنين بيتاً لتسكن فيه لعبتك عندما تشترينها؟ .. ردّت: ربما أعرف إذا تعلّمت ثم توجِّه الخطاب إلى ابنها: سألتني: هل هذه الطفلة محرومة من الأم؟
أجبتك: ربما وربما تكون فقيرة وتحتاج إلى مساعدة.
- لكنها تركت الفلوس ولم تكن بحاجة إلى الفلوس .. كانت تريد أن تلعب.
- بلى كانت تريد شيئاً من الحنان .. وشيئاً من الابتسام وقليلاً من الحب .. ومن السعادة ..
- سألتني: ما هي السعادة؟
- أجبتك: السعادة عندي هي لحظة قطف الثمرة وتحدثت عن استخدامات الورد:
زيت الورد يستخدم في تركيب الروائح العطرية وهو ملطف للبشرة ينقي الوجه من الحبوب والبثور لذلك يدخل في مستحضرات التجميل وهو منبِّه، ينقي الدم وينشط القلب، والدورة الدموية .. ويخفف آلام الكبد .. ومهضم مليِّن للمعدة .. يساعد زيت الورد على تلطيف المزاج خاصة في حالات الحزن والتوتُّر ويخفض الضغوط والإجهاد. ولذلك يستعمل في الاستحمام بإضافة بضع نقاط إلى ماء الاستحمام.
هل ذهبتم في سياحة في هذا الإبداع الممزوج بالعلم .. بالكيمياء، بروح الأدبية العالمة هذه الأديبة التي مزجت العلم بالرومانسية بعاطفة الأمومة فخرج ذلك المزيج .. اختلط فيه الشعر بالتعبير عن الشعور الإنساني المتفاعل مع الموهبة والملكات الثقافية الفاعلة التي تحاول الانطلاق خارج قيود الأطر الضيقة لتلمس حاجات الإنسان للعواطف الإنسانية.
إنّ فوزية سعيد الصالح ليست أديبة فقط ولا عالمة فقط، بل هي إبداع متناغم في كلّ ميدان من ميادين الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية .. لها في كلِّ ميدان من هذه الميادين لمسة حنان.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
